إيران بالتأكيد تزيد كمياتها، لذلك يجب عدم إفشال الاتفاق النووي
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الاتفاق النووي مع إيران في وضع مستحيل. من جهة، هناك نصوص متفق عليها، وتقريباً جاهزة للتوقيع لإعادة العمل بالاتفاق الموقّع في تموز/يوليو 2015. ومن جهة أُخرى، منذ أشهر، تتواصل الأطراف عن بُعد، لكنهم عالقون ولم ينجحوا في التوصل إلى خط النهاية، بسبب عقبة سياسية خارجية يواجهها الاتفاق، ولا علاقة لها بالمسائل النووية، ألا وهي مطالبة إيران بإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية في الولايات المتحدة. لكن الرئيس بايدن لا يستطيع الاستجابة لذلك.
- الأسبوع الماضي، سُمعت أصوات متفائلة عندما بلّغ وسطاء في الاتحاد الأوروبي وزراء خارجية الدول السبع (G7) أنه في نهاية جولة حوارات أجراها الموفد أنريكي مورا مع طهران، من المحتمل "فتح السدادة" التي تعرقل المفاوضات. ولمّح الأوروبيون إلى استعداد إيراني للالتفاف على مسألة الحرس الثوري في مقابل تعهُّد أميركي لمناقشة المسألة بعد استئناف المحادثات في فيينا. لم تتراجع إيران عن تصريحاتها العلنية، وعن مطلبها بشأن الحرس الثوري، لكنها قالت إن الاجتماعات في طهران جرت في "الاتجاه الصحيح". من جهتها، الولايات المتحدة أدلت بتصريح معتدل بشأن رغبتها في التوصل إلى اتفاق بسرعة، لكنها شددت على أنه يتعين على إيران أن تقرر بشأن "الشروط الخارجية" التي لا علاقة لها بالاتفاق.
- يبدو أن التفاؤل الحذر للأوروبيين بشأن تحريك الاتفاق النووي فاجأ إسرائيل إلى حد ما. في الآونة الأخيرة، برزت على المستوى السياسي توقعات، وحتى أمل بأن خطوات إفشال الاتفاق في أروقة الكونغرس ستنجح، وأن "الاتفاق السيئ" (في نظر رئيس الحكومة ووزراء كبار) سينهار قريباً. وليس مستبعداً أن هذه المفاجأة كانت في خلفية الخطاب التحذيري الذي ألقاه وزير الدفاع بني غانتس يوم الثلاثاء، عشية سفره إلى واشنطن، للاجتماع بنظيره الأميركي لويد أوستين. فقد أعلن في خطابه في جامعة ريخمان أن إيران على مسافة "أسابيع معدودة من مراكمة مواد انشطارية تكفي لصنع القنبلة الأولى"، وشدد على أنها تملك 60 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب على درجة 60% (ضعف الكميات التي ظهرت في التقرير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية)، وأشار إلى أن إيران توشك على الانتهاء من تركيب ألف جهاز طرد سريع في منشأة تحت الأرض في نتانز.
- يبدو أن الأرقام والكميات التي يتحدث عنها غانتس صحيحة. لكن الحلقات التي غابت عن كلامه لا تقل أهمية، وذات دلالة كبيرة من أجل فهم القصة. أولاً، مصدر الأرقام والكميات ليس مواد استخباراتية سرية جرى إخفاؤها عن الوكالة الدولية للطاقة النووية، بل هو "مناورة" إسرائيلية معروفة من الماضي: حسابات وتكهنات من التقرير السابق للجنة الطاقة الدولية، وقبل أسبوعين من نشر التقرير المقبل. يبدو أن المقصود محاولة إسرائيلية لخلق انطباع، مفاده أن "إيران دائماً تضلل"، وإعطاء الوضع صورة دراماتيكية.
- ثانياً، غانتس لم يخبر السامعين أن كل الأنشطة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، بما فيها تلك التي تجري تحت الأرض، وفي مجال أجهزة الطرد السريعة، تجري تحت نظام رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية. ففي سنة 2021 وحدها، قام مراقبو الوكالة بـ 490 زيارة إلى جميع المواقع النووية. وهذه الآلية تجري يومياً. بالإضافة إلى ذلك، ليس صحيحاً أن إيران تمنع زيارة المراقبين. ما تمنعه إيران في هذه المرحلة هو الكاميرات، وحين يوقَّع الاتفاق من جديد، ستتراجع كل الانتهاكات الإيرانية.
- ثالثاً، لم يخبر غانتس السامعين أن الانتهاكات الإيرانية، وتسريع تخصيب اليورانيوم، وتركيب أجهزة طرد سريعة، بدأت فقط في العام الذي انسحبت فيه الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضت عقوبات أحادية الجانب على طهران. هذا الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي ارتكبه دونالد ترامب، بتشجيع من رئيس الحكومة، حينها، بنيامين نتنياهو، هو الذي أدى إلى الوضع المأزوم اليوم.
- فيما يتعلق بتقديرات غانتس بشأن قدرة إيران على التوصل "خلال عدة أسابيع" إلى كميات من مواد انشطارية تكفي لإنتاج القنبلة الأولى، من المهم التشديد على أن مصطلح "زمن القفزة إلى القنبلة" هو مصطلح نظري ومرتبط بافتراضات مسبقة. في هذا السياق، يحبّون في إسرائيل تبنّي الحسابات المقلقة لمعهد العلوم والأمن القومي (ISIS)، بالمشاركة مع "الصندوق الأميركي للدفاع عن الديمقراطية"، اللذين يتطلعان إلى تفكيك الاتفاق النووي، ويُصدران تقارير شهرية، مفادها أن "زمن القفزة إلى القنبلة هو أسابيع"، ودائماً خلال أسابيع. يجب أن نتذكر أنه وفق الاستخبارات القومية الأميركية، برنامج إيران للسلاح النووي (برنامج "أماد") توقف في نهاية سنة 2003، ولم يُستأنف منذ ذلك الوقت. وتم تأكيد ذلك قبل أشهر في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ.
- وبينما يحذر رئيس الحكومة نفتالي بينت ووزير الدفاع بني غانتس، باستمرار، من قنبلة إيرانية خلال وقت قصير، فإنهما يوظفان جهدهما في إفشال الأداة الوحيدة التي يمكنها أن تمنع الركض الإيراني نحو القنبلة، ويبذلان كل ما في وسعهما لإفشال إعادة تحريك الاتفاق النووي الذي أوقف مسار تخصيب اليورانيوم على درجة 90% بصورة كاملة.