شيرين أبو عاقلة تحولت إلى رمز
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • "سقطت" شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، صباح يوم الأربعاء الماضي. أصيبت أبو عاقلة في مخيم جنين للاجئين برصاصة واحدة في الرأس، في الوقت الذي كانت تلبس سترة واقية وخوذة. عن مهنيتها، وظروف قتلها، والتحقيق الذي يجري، كُتب وسيُكتب. وفي الساحة الفلسطينية، لا شكوك تدور حول مَن المسؤول عن قتلها. بغض النظر عن فحص الرصاصة أو عدم فحصها، فوجود "جيش الاحتلال" في جنين هو سبب كافٍ لرؤية إسرائيل كمسؤولة، حتى لو لم تتضح التفاصيل.
  • في إسرائيل تم التعامل مع ما يجري في الأساس على أنه "عملية" تتعلق بالوعي والبروباغاندا، أكثر مما هو حدث يعيد الصراع والاحتلال إلى الأذهان. الهدف هو إزالة مصطلح "احتلال" بأكبر قدر ممكن من قاموس المصطلحات. في المقابل، تحول موت أبو عاقلة إلى حدث تاريخي في المجتمع الفلسطيني. جنازتها حازت على لقب الجنازة الأطول تاريخياً - فعلى مدار ثلاثة أيام، مرّ نعشها بين البلدات الفلسطينية، جنين، ونابلس، ورام الله، والقدس. ولو كان الأمر يتعلق بالفلسطينيين وحدهم، لطلبوا أن يمرّ أيضاً على بيت لحم والخليل، ومن الممكن غزة أيضاً، وهذا قبل الحديث عن الناصرة وحيفا. هذه ليست مبالغة، هكذا كان الشعور. هذا الاحتضان لأبو عاقلة نادر في المشهد الفلسطيني خلال الأعوام الأخيرة.
  • لكن إلى جانب البُعد العاطفي، أثبت مقتلها أمراً أساسياً: الشعب الفلسطيني كان يبحث عن شخصية أو حدث، يقول من خلاله للعالم إن الفلسطيني يتمسك بقوميته وحقه بالحرية وتقرير المصير، وهذا الطموح لا علاقة له بأي قائد أو فصيل.
  • أبو عاقلة كانت مراسلة ميدانية تُجري التحقيقات، نشرت السردية الفلسطينية، وأوصلتها إلى مئات الملايين عبر شاشات التلفاز. وكان هذا كافياً لاستقبالها بالتقدير والحب. كُثُر في العالم، وفي إسرائيل أيضاً، اكتشفوا أنها مسيحية، فقط بعد موتها؛ هذا لم يقلل من حجم التأييد، بل على العكس تماماً.
  • متى رأينا قائداً فلسطينياً حصل على صلاة من رجل دين مسيحي، وإلى جانبه مسلمون يؤدون صلاة الجنازة وصلاة الحداد؟ لم تكن شيرين منتمية إلى "فتح"، وهي ليست ناشطة في "حماس"، ولا فضل لمحمود عباس أو يحيى السنوار عليها، أو وصاية. كذلك الأمر في الساحة الفلسطينية داخل إسرائيل، منصور عباس وأيمن عودة وأحمد الطيبي، يستطيعون الاستمرار في جدالهم لكنهم يتفقون بشأن شيرين أبو عاقلة. ينطبق هذا الأمر أيضاً على مخيمات اللجوء في الضفة وغزة ودول الجوار. لا وصاية هاشمية عليها، كالأماكن المقدسة في القدس، لكن الملك عبدالله خلّد ذكراها من خلال تقديم منحة تحمل اسمها، وفتح الباب لدول أخرى في العالم العربي. لن يحاسبه أحد على ذلك، لا هو ولا غيره، وكذلك الأمر في إسرائيل، لم يتجرأ أحد على الوقوف ضد خطوات تخليد ذكراها. لا يوجد مَن يتهمها بدعم الإرهاب؛ مع شيرين يسقط الادعاء "دم على اليدين".
  • العظَمة تسكن ببساطة في الصورة. هذا ما يمكن أن يفسر لماذا تحولت صورة النعش الملفوف بعلم فلسطين أمام رجال الشرطة إلى رمز هذه الجنازة في العالم كله. لأن هذه الصورة تحكي القصة الفلسطينية باختصار مؤلم. نعش فيه امرأة حاربت طوال حياتها لإيصال الصوت الفلسطيني والسردية القومية الفلسطينية فوق كل النزاعات والانقسامات وصراعات القوى. هذا هو النعش الذي تخطى الانقسام، رُفع على أكفّ شباب فلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، في القدس الشرقية، عاصمة الشعب الفلسطيني، وأمامهم قوة شرطة مسلحة وعنيفة بصورة خاصة. صورة فيها الموت، والألم، والقمع، لكنها أثبتت للعالم كله أن الشعب الفلسطيني حيّ ونشط، ولا يزال يطمح إلى الحرية.
 

المزيد ضمن العدد 3793