إسرائيل على بُعد نصف خطوة من حملة في جنين، لكن استمرار العمليات في الضفة يقرّب المواجهة في غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • يجب النظر إلى التطورات السياسية وتداعياتها إلى جانب متابعة الأحداث والصور التي تصل من الميدان. فرئيس الحكومة نفتالي بينت، يبدو كمن يصمم على البقاء في منصبه، وهو مستعد لدفع الثمن المناسب لذلك. وفي الطريق إلى تحقيق ذلك، قام بطرد عضو كنيست كانت هناك شكوك بشأن ولائه، واستبدله بوزير أُرغم على الاستقالة من منصبه، كما ودع مستشارته السياسية، الشخص الأقرب إليه في المكتب. وبالإضافة إلى الخلل الذي يميز حكومات في أيامها الأخيرة من ولايتها، من المحتمل أن يؤثر سلوك بينت في الساحة الأمنية-السياسية.
  • قبل استلامه منصبه الحالي، كان بينت يميل، أكثر من مرة، إلى قرارات تبدو غير عقلانية. المستشارة المستقيلة شمريت مئير كانت الكابح الأخير، كما يبدو في محيطه، الذي يمنع قرارات متهورة وغير جاهزة على الصعيد الأمني. الآن، لم يتبقّ إلى جانب المستشارين السياسيين سوى رئيس المجلس القومي إيال حولتا، على الرغم من أنه لا يتطرق كثيراً إلى القضية الفلسطينية التي تقف الآن على رأس سلّم الأولويات.
  • في إسرائيل، لطالما امتزجت الحسابات السياسية بتلك الاستراتيجية. يقف بينت الآن وظهره إلى الجدار، حيث يتعامل مع موجة "إرهابية" جديدة، مستمرة منذ أكثر من ثمانية أسابيع، ولا تبدو أي إشارات تدلل على نهايتها. الجيش والشاباك ركزا جهودهما على جمع المعلومات الاستخباراتية في الضفة الغربية، فنشر الجيش جنوده على خط التماس بشكل واسع، وبعد رمضان، عاد إلى القيام بحملات اعتقالات في شمال الضفة. لكن هذا كله ليس كافياً لإغلاق خط التماس في وجه "المخرّب" الجاهز الذي يصل إلى هدفه في مركز البلاد مرة كل أسبوع. فالجدار الفاصل يبدو كالغربال، ومشروع ترميمه سيستمر لأشهر طويلة، والكتائب التسع التي نشرها الجيش على طول الجدار، عليها أن تعود في وقت ما للتدريب.
  • هذه الظروف محبطة، وتزيد في تحدي العلاقات المعقدة أصلاً ما بين قيادة الجيش وبينت. استمرار العمليات سيؤدي إلى المزيد من الضغط على قيادة هيئة الأركان لطرح حلول، على شاكلة اغتيال قيادات في "حماس"، أو خطوة عدوانية على قطاع غزة، أو حملة واسعة في جنين ومحيطها. كما تمت الإشارة هنا سابقاً، لقيادة الجيش أسبابها للوقوف ضد ذلك، وليست جميعها أسباباً موضوعية. الجيش مشغول، أكثر من اللزوم، بروايته التي تنص على أنه انتصر على "حماس" خلال العملية الأخيرة، "حارس الأسوار"، قبل عام تقريباً (ومن هنا، تعيش "حماس" حالة ردع، ولا يمكن أن تكون هي المسؤولة عن موجة العمليات). لكن، من الصعب جداً الوصول إلى مَن يدعم عملية ضد غزة في هيئة الأركان اليوم. وإن فرضت المهمة على الجيش، فإنه سينجر إليها من دون إيمان، وستكون النتيجة مطابقة لذلك. وأيضاً في المستوى السياسي، من الممكن أن يجد بينت نفسه في صراع مع زملائه، أي الوزيرين يائير لبيد وبني غانتس.
  • مقارنةً بغزة، جنين هدف أسهل بكثير. قوات الجيش تنشط هناك تقريباً بشكل يومي، وكل دخول إلى جنين أو مخيمها يكون مصحوباً بإطلاق نار فلسطيني عنيف. هذا الاحتكاك المستمر يضع إسرائيل على مسافة نصف خطوة من عملية عسكرية في منطقة جنين. أعداد القتلى من المسلحين الفلسطينيين، المتزايدة يوماً بعد يوم، تحرض مشاعر الانتقام الفلسطينية. فإلى جانب المخاوف من سيطرة إسرائيل على المسجد الأقصى، التي تغذيها رواية "حماس"، هناك جزء من منفّذي العمليات الذين خرجوا من جنين إلى مسارات القتل داخل الخط الأخضر، جاؤوا أيضاً للانتقام لموت أصدقائهم. وفي كل مرة، يُصب بعض الزيت على النار-موت الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين، وفاة الشاب من شرقي القدس أمس صباحاً، والذي أصيب الشهر الماضي برصاص مطاطي في المسجد الأقصى، بالإضافة إلى يوم النكبة.
  • ومع ذلك، فإنه سيكون من الصعب الفصل تماماً ما بين جنين وغزة. الجهاد الإسلامي ينشط بقوة في كلا المكانين، ويهدد بإطلاق قذائف من قطاع غزة في حال استمرت إسرائيل في قتل ناشطيه في الضفة الغربية. وسيكون من المفيد استذكار التاريخ القريب أيضاً. خطف الفتيان الثلاثة في غوش عتسيون خلال صيف 2014، والذي خلّف توترات اختُتمت بحملة في قطاع غزة بعد شهر. "حارس الأسوار" بدأت بسبب إطلاق قذائف قامت به "حماس" من غزة باتجاه القدس، كتضامُن مع الفلسطينيين الذين اشتبكوا مع الشرطة الإسرائيلية خلال شهر رمضان في البلدة القديمة.

صور مخجلة

  • حتى الآن، الأحداث لا تهدأ. نشر الجيش أول أمس في ساعات الظهيرة خلاصات التقرير الموقت للتحقيق في مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ويظهر بين السطور في رسالة الجيش وتصريحات الضباط الكبار فيه، احتمال عالٍ أن تكون قُتلت بالخطأ، بنيران وحدة "دوفدفان". ولكن، بسبب رفض السلطة نقل الرصاصة التي أصابت الصحافية لفحصها، وكذلك رفض تشريح الجثة، هناك شكوك في أننا لن نعرف الحقيقة كاملة أبداً.
  • ويبدو من التحقيق أن الجنود في الوحدة، الذين دخلوا لاعتقال ناشط من الجهاد الإسلامي، أطلقوا النار أكثر من مرة على المنطقة الفاصلة ما بين المخيم ووادي برقين، الحي الشرقي للقرية المجاورة. وفي واحدة من حالات إطلاق النار، كان الجندي على بُعد 190 متراً من مكان تواجُد الصحافية. كان داخل المركبة العسكرية، معه بندقية مزودة بعدسة مكبرة، وأطلق النار من خلال مكان مخصص لإطلاق النار في المركبة. قام الجندي بإطلاق النار ثلاث مرات على مقاتل فلسطيني ظهر من خلف الجدار وأطلق النار على المركبة، وكان الصحافيون خلفه. إطلاق النار من داخل المركبة يخلق زاوية رؤية ضيقة ومحدودة: الجندي قال في شهادته أنه لم يرَ أبو عاقلة، ومن المؤكد أنه لم يرَ إصابتها. وبحسب التقرير، كان هناك مقاتلون فلسطينيون خلف الصحافيين أيضاً، قاموا بإطلاق النار باتجاه الجنود. ولا يمكن معرفة ما إذا كانت الرصاصة إسرائيلية أم فلسطينية، ما دام لم يتم إرسال الرصاصة إلى الفحص الباليستي.
  • صباح أول أمس، عادت قوات الأمن إلى برقين، وحاصرت هذه المرة بيتاً كان فيه مطلوب، على بُعد 300 متر من المكان الذي أصيبت فيه الصحافية. المطلوب، بحسب الجيش، يُشتبه بمشاركته في عمليات إطلاق نار، لكن الجيش صادق أيضاً على الرواية الفلسطينية التي تفيد بأنه هو ذاته في الفيديو الذي انتشر يوم مقتل الصحافية ويظهر فيه مسلح فلسطيني يطلق النار من زقاق في المخيم في اليوم وفي وقت إصابة الصحافية. صحيح أن احتمال إصابة الصحافية كنتيجة لإطلاق النار سقط في الوقت الحالي، لكن الجيش يتجاهل الرد على سؤال ما إذا كان للاعتقال له علاقة بتبيان قتل الصحافية.
  • تحصّن المطلوب في بيته، وقوة خاصة من وحدة "اليمام" [الوحدة الخاصة لمحاربة الإرهاب] حاصرته لساعات، وأطلقت باتجاه المنزل صواريخ مضادة للدبابات (تمرين طنجرة الضغط). تم إطلاق نار كثيف باتجاه القوة العسكرية، وبعد أن سلّم المطلوب نفسه، أصابت رصاصة ظهر المقاتل في الوحدة نوعام راز، وقتلته. راز هو القتيل الـ 20 خلال الشهرين الماضيين-ثمن دموي كبير يدلل على أن الصراع الفلسطيني لا يزال جرحاً مفتوحاً.
  • إلى جانب السؤال عن الهدف من العملية، يظهر سؤال التوقيت أيضاً. ففي شهر رمضان، فضّل الجيش عمليات الاعتقال في ساعات النهار، ليمتنع من الاشتباك مع الشريحة الواسعة التي تخرج للاحتفال بعد الإفطار. لكن رمضان انتهى، والدخول في ساعات النهار يرفع احتمالات إصابة مَن لا دخل لهم-كما تلغي التفوق الذي يتمتع به المقاتلون الإسرائيليون، المجهزون بأدوات متطورة للرؤية ليلاً.
  • لم تنتهِ الأحداث هنا. ففي الوقت الذي شارفت العملية في برقين على نهايتها، تجمّع الكثيرون للمشاركة في جنازة أبو عاقلة شرقي القدس. ظروف وفاة الصحافية المشهورة حولت الجنازة إلى حدث قومي فلسطيني. الشرطة التي علمت بذلك، تجهزت بقوات معززة وأجرت مفاوضات طويلة مع المنظّمين بخصوص ترتيبات سير الجنازة. وبحسب ادعائها، تم خرق جميع الاتفاقات المسبقة وإلقاء الحجارة باتجاه الشرطة.
  • لكن هذا لا يبرر المشهد الذي انتشر في كل العالم: العشرات من أفراد الشرطة المسلحين ينهالون بالضرب على حَمَلة النعش الذي كاد يسقط، وفيه جثمان أبو عاقلة. شرطة القدس التي سيطر أفرادها على أنفسهم خلال شهر رمضان بشكل لافت هذا العام (بعكس أحداث رمضان العام الماضي)، فشلت هذه المرة بصورة كبيرة جداً. فكان هذا المشهد عدوانياً فوق كل تصور.
  • في القنوات الإعلامية الإسرائيلية، تحدثوا عن "تفجير دعائي" لم يسبق له مثيل. لكن، على الرغم من الضرر الذي حدث لإسرائيل في الساحة الدولية، والذي تضمّن إدانة من البيت الأبيض، فهذه ليست القصة. هذا ليس تعامُلاً إنسانياً-وهذه الصور مخجلة جداً. ويبدو أيضاً أن سلوك أفراد الشرطة لم يكن معزولاً عن السياق العام. فقبل وقت قصير من الهجوم على الجنازة والأعلام، علمت الشرطة والجيش بمقتل المقاتل راز في برقين. وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف أرغم المفتش العام للشرطة كوبي شفتاي، وبحق، على إجراء تحقيق في الأحداث. والسؤال، كم ستمنح قيادة الشرطة جماعة التحقيق، وهم من الشرطة أيضاً، الهامش اللازم.
  • إن كان هناك مَن يأمل بالوصول إلى يوم النكبة بأجواء هادئة أكثر، فإن آماله تبخرت. شهر أيار/مايو العاصف سيستمر، على ما يبدو، حتى يوم القدس بعد أسبوعين. ولا يستطيع أحد ضمان أن تكون الأجواء أكثر هدوء.
 

المزيد ضمن العدد 3790