لنعلّم النكبة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • في الأمس 15 أيار/مايو كانت ذكرى النكبة. بالنسبة إلى الجهات الأمنية والزعامة السياسية في إسرائيل، هذا تاريخ آخر في الجدول الزمني المشوّه "للتواريخ الخطرة" -مثل يوم الأرض وعيد الفطر، وشهر رمضان كله، و"أحداث أكتوبر 2000"، والتي قُتل خلالها 13 مواطناً عربياً إسرائيلياً، وذكرى زعماء فلسطينيين بارزين.
  • قبيل هذا اليوم، توضع القوى الأمنية في حالة تأهُّب، ويُجري قادة وسياسيون أحاديث تهدئة أو تحذير مع زعماء الجمهور العربي، وتحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية توقُّع كيف وأين ستقع "اضطرابات". وعندما يمر مثل هذا اليوم بهدوء، كما مرت ذكرى النكبة أمس (باستثناء اعتقال 3 طلاب عرب خلال تظاهرة في جامعة تل أبيب)، نتنفس الصعداء كما لو أننا أنقذنا إسرائيل من الإبادة في اللحظة الأخيرة.
  • ذكرى النكبة لم تهدد قط وجود الدولة، لكن إسرائيل اعتبرت دائماً ذكرى النكبة -معناها "كارثة" بالعربية-أداة تهدف إلى تقويض شرعيتها كدولة مستقلة، من خلال تحميلها مسؤولية الكارثة والظلم اللذين لحقا بالعرب في حرب 1948. وخلال عشرات الأعوام، بذلت الدولة جهوداً دؤوبة لإخفاء مصطلح "النكبة" ومنع تدريس السردية الفلسطينية. ومنعت الدولة استخدام مصطلح النكبة في كتب التدريس. وعلى الرغم من أن الحكومة سمحت بتدريس السردية الفلسطينية بعد مرور عقود، فإنها فرضت من خلال قانون، هو "قانون النكبة" العائد إلى سنة 2011، وبصراحة، عقوبات على أي جهة أو منظمة تحصل على دعم حكومي إذا كانت تحتفل ضمن أنشطتها بيوم قيام الدولة كيوم حداد. إسرائيل الحريصة حتى اليوم على نقاء سرديتها، تقول إنها غير قادرة على قبول الرواية التاريخية التي من شأنها تلطيخ ولادتها، في رأيها.
  • لكن بالنسبة إلى أكثر من 20% من مواطني الدولة، فإن هذه الذكرى والحداد، واللجوء، والشعور بالظلم العميق، عبارة عن جزء لا يتجزأ من هويتهم، ومن ثقافتهم. ولا علاقة لهذا بالموافقة الحكومية على استخدام مصطلح "النكبة". هؤلاء المواطنون الشركاء في بناء الدولة يريدون أن تعترف الدولة بكارثتهم، وأن تمنحهم، على الأقل، مساحة مناسبة في التاريخ والذاكرة المشتركة للشعبين.
  • إن الإقرار بالنكبة والاعتراف بالسردية الفلسطينية ليسا فقط تعبيراً عن بادرة تعاطُف إنسانية إزاء الذين تضرروا جرّاء الحرب؛ بل هما ضروريان لفهم شامل للتاريخ المعقد لدولة إسرائيل. إن المساواة في الحقوق، والتي تتباهى بها دولة إسرائيل، لا يمكن التعبير عنها فقط في الميزانيات والتعاون السياسي، بل تفرض احترام تاريخ وذاكرة الأقلية والاعتراف بهما. وهذا هو اختبار النضج الوطني لدولة إسرائيل.
 

المزيد ضمن العدد 3790