على الرغم من تقرُّب بينت من الإمارات فإنه لن يجد فيها شريكاً في الحرب ضد إيران
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قبل أسبوع من هبوط طائرة رئيس الحكومة نفتالي بينت في الإمارات، شهدت إيران زيارة تاريخية. مستشار الأمن القومي لحاكم الإمارات طحنون بن زايد وصل إلى طهران بعد خمسة أعوام من القطيعة بين الدولتين. "نحن على وشك فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع الإمارات"، هذا ما صرّح به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قبل أسبوع من زيارة طحنون.
  • هذه الصفحة ليست فصلاً جديداً، بل هي جزء من دفتر ممتلىء. فقبل نحو عامين وقّعت الإمارات وإيران اتفاقاً للتعاون الأمني لضمان أمن الملاحة في الخليج الفارسي - تضمّن أيضاً وقف الهجمات ضد الحوثيين في اليمن، وضد أهداف وسفن تابعة لدولة الإمارات. وبالاستناد إلى تقديرات غير رسمية، يقيم بالإمارات نحو 600 ألف مواطن إيراني. في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى توقيع اتفاق للتعاون التجاري بين الإمارات وإيران وتركيا يسمح للسلع المصدّرة من أبو ظبي بالمرور عبر إيران، ومنها إلى تركيا عبر الطريق البرية. هذه الطريق ستقصّر مدة الرحلة إلى أسبوع بدلاً من عشرين يوماً، المدة التي تستغرقها الرحلة عبر قناة السويس.
  • بحسب أرقام غير رسمية نشرتها إيران، الإمارات هي الشريكة التجارية الثانية لها من حيث الحجم بعد الصين، ومع حجم تبادُل تجاري يقدَّر بعشرة مليارات دولار في العام. من الصعب الاعتماد على هذا الرقم، لأن إيران نشرت قبل أسبوعين فقط لائحة الدول التي تحتل المراتب الأولى في التجارة معها، فاحتلت الإمارات المرتبة الرابعة بعد الصين والعراق وتركيا. تشير هذه اللائحة إلى أن حجم التجارة مع أبو ظبي يصل إلى 3 مليارات دولار فقط - لكن حتى هذا الرقم المتواضع يدل على العلاقات التجارية المتشعبة التي تربط الدولتين. بالإضافة إلى ذلك، يعمل في الإمارات ما بين 3000 و5000 شركة إيرانية تصدّر، عن طريق الإمارات، نحو 15% من مجموع الصادرات الإيرانية غير النفطية، وتستورد نحو 10% من مجموع الاستيراد الإيراني. وتتحدث الدولتان عن تطلُّعهما إلى زيادة حجم التجارة فيما بينهما إلى ما بين 15 و20 مليار دولار سنوياً.
  • المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين أبو ظبي وطهران توضح أن المنظومة المسماة "الائتلاف العربي ضد إيران"، والتي بادرت السعودية إلى تشكيلها في سنة 2016، لم تعد موجودة. السعودية نفسها أجرت 3 جولات من المحادثات المباشرة مع ممثلين إيرانيين رفيعي المستوى، هدفها استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
  • لقد صرّح بينت بأن هدف زيارته إلى أبو ظبي تعزيز العلاقات الاقتصادية، وإضفاء مضمون إضافي إلى اتفاقات أبراهام، والبحث أيضاً في المسألة الإيرانية، لكن ثمة شك في أنه سيجد لدى محمد بن زايد، الذي من المنتظر أن يزور إيران هذا العام، شريكاً في الأصوات الإسرائيلية التي تدعو إلى الحرب ضد إيران.
  • تعارض الإمارات، مثلها مثل السعودية، خطوات عسكرية ضد جارتها، لأنها يمكن أن تحول الخليج إلى منطقة قتال تضر بالمشاريع الاقتصادية التي تدفع بها الدولتان قدماً. ومن الصعب أن تدعم أبو ظبي فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب الضرر المباشر الذي يمكن أن يلحق بها تحديداً، بينما تحاول أن تبني مع إيران مخزوناً من اتفاقات يضمن لها الأفضلية عندما تُرفع العقوبات.
  • بحسب مصادر عربية، أوضح بن زايد لبينت أن العلاقات مع إيران لا تأتي على حساب العلاقات مع إسرائيل التي تتطلع أبو ظبي إلى توسيعها وتطويرها. وهذان المساران السياسيان لا علاقة بينهما. طبعاً، إيران دانت اتفاق السلام والتطبيع بين إسرائيل والإمارات، لكنها لم تطلب من بن زايد قطع علاقاته، أو إلغاء الاتفاق، لقاء التعاون الاقتصادي معها - تماماً كما لم تطلب من تركيا قطع علاقاتها مع إسرائيل كشرط لاستمرار التعاون التجاري معها.
  • مَن فهم جيداً قوة الإمارات في التأثير في إيران هو الرئيس الأميركي جو بايدن الذي توجه إلى بن زايد وأمير قطر الشيخ تميم، طالباً منهما إقناع إيران بالدفع قدماً بالمفاوضات بشأن الاتفاق النووي. ليس بواسطة التهديد، بل من خلال تقديم سيناريو اقتصادي إيجابي يساعد إيران على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها. ومن المتوقع أن يصل وفد أميركي رفيع المستوى إلى أبو ظبي للتحذير من استمرار العقوبات بشكل غير مباشر، من خلال مصارف تعمل في الإمارات، كرسالة أميركية تعبّر عن نيتها فرض دفعة جديدة من العقوبات على إيران إذا لم تتقدم المفاوضات كما هو مفترَض.
  • مع ذلك، وعلى الرغم من لغة التهديدات، فإن خطوط خطة عمل أميركية بديلة لا تزال غامضة. فلو أرادت واشنطن إرسال رسالة عدائية إلى إيران لكانت سمحت بصفقة الطائرات أف-35 التي اشترتها الإمارات كجزء من مقابل توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل. وكانت الإمارات أوضحت للولايات المتحدة أن صبرها يكاد ينفذ عندما وقّعت، في لفتة حظيت بتغطية إعلامية جيدة، صفقة شراء 80 طائرة حربية فرنسية من طراز رافال بقيمة 19 مليار دولار. وهذه الصفقة كانت في قيد الإعداد منذ نحو عقدين، وفجأة تحققت مؤخراً، وهذه ليست صدفة. صحيح أن الصفقة تسببت بإدانات إيرانية، لكنها لم تزعج طهران إزاء مواصلة تطوير علاقاتها مع الإمارات.
  • تدل هذه الصفقات على التآكل الكبير في قدرة إسرائيل على التأثير في واشنطن، وفي الإمارات؛ كما تدل على أن الأخيرة تعمل وفق جدول أعمال مستقل خاص بها، يشمل الآن استئناف العلاقات بينها وبين تركيا، كجزء من الغطاء الاستراتيجي الذي تبنيه في مواجهة انسحاب الولايات المتحدة من الساحة الشرق - الأوسطية. إسرائيل تشكل في جدول الأعمال هذا أحد المكونات، وتصريحاتها الأخيرة تهدد الآن الهدوء والاستقرار في الخليج الفارسي، وتتعارض مع الرؤيا التي ترسمها دول الخليج. خريطة المصالح الاستراتيجية هذه أوضحها بن زايد لبينت، ويمكن التقدير أنه كما حاول بينت إقناع مضيفه بالانضمام إلى التهديد العسكري ضد إيران، فإن بن زايد سعى لتهدئة خطاب القدس العدائي.