فشل "صفقة القرن" فرصة لإسرائيل لحمل الأميركيين على التخلي عن مبدأ "دولتين لشعبين" وتأييد سياسة "إدارة النزاع"
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

  • يطرح إعلان جاريد كوشنر [مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره] أن خطة السلام للبيت الأبيض ["صفقة القرن"] ستُنشر في بداية حزيران/يونيو المقبل، السؤال عمّا إذا كان في إمكان الولايات المتحدة بزعامة ترامب إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ومع أن تفاصيل الخطة ما تزال طي السرية، لكن يبدو أنها تُعنى بالمسائل الجوهرية كالحدود، والقدس، واللاجئين. كما يخيل أن إدارة ترامب ستعرض مغريات اقتصادية وبصورة خاصة على الفلسطينيين كي تجعل الصفقة أقل مرارة. كما يبدو أن خطة الإدارة الأميركية تقوم على أساس الافتراض الدارج في الأسرة الدولية أن السلام يستوجب تنفيذ مبدأ "دولتين لشعبين".
  • ولا شك في أن الحكومة الإسرائيلية المقبلة ستبحث مع الأميركيين بشأن خطتهم حتى لو كان لديها تحفظات عن الحماسة الأميركية لجلب السلام إلى منطقتنا. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي سبق أن وافق في الماضي على خطة بلورتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، سيتمسك بالوعد الذي يرحب بالبشرى الآتية من واشنطن.
  • وثمة يقين مشابه بشأن السلوك المتوقع في الجانب الآخر، فالقيادة الفلسطينية التي تقاطع قنوات حوار عديدة مع الأميركيين ستواظب على رفضها. ومن الصعب الافتراض أن عرض إدارة ترامب سيكون أكثر سخاء من العروض لتنازلات كبيرة سبق أن وضعها على الطاولة إيهود باراك أو إيهود أولمرت ورفضها الفلسطينيون. وفي واقع الأمر فإن التنازلات الإسرائيلية التي كانت ممكنة في الماضي تُعتبر اليوم خطرة للغاية، لسبب بسيط هو أن معظم الإسرائيليين لا يرون في الفلسطينيين جيراناً يمكن التعايش معهم بسلام.
  • يفهم معظم الجمهور في إسرائيل أن الفجوة في المواقف بين الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية غير قابلة للجسر. ومع مرور الأيام تبين أيضاً أن الفلسطينيين غير قادرين على إقامة دولة سيكون اختبار وجودها الأهم هو احتكار استخدام القوة. كما أنهم لا يمتلكون القدرة على الاحتفاظ ببنية تحتية دولتية، وعلى أن يسيطروا على الميليشيات المسلحة التي أقدمت إحداها - حركة "حماس" - على احتلال قطاع غزة. كما أن إنهاء النزاع ما يزال بعيداً لأن الحركتين القوميتين ما تزالان تمتلكان طاقة كبيرة لمواصلة القتال في سبيل أهداف تُعد أهم من السلام، مثل القدس.
  • يخيل إذاً أن "صفقة القرن" لن تنجح في إنهاء النزاع، وستنضم إلى باقي المبادرات الأميركية التي طُرحت في الماضي من دون أي جدوى. في المقابل، فإن الشخصيات التي تقف وراءها تترك مجالاً للتفاؤل؛ فإدارة ترامب لا تتمسك، في أقل تقدير، بالصيغ الدبلوماسية المقبولة واللائقة سياسياً، ويُحتمل أن يشجعها فشل "صفقة القرن" على تبني نموذج آخر.
  • إزاء ذلك يتعيّن على إسرائيل أن تُظهر للأميركيين أن محاولة إقامة "دولتين لشعبين" الآن غير عملية ولن تضمن الاستقرار. ويجب إعداد الأرضية لتأييد أميركي للسياسة الإسرائيلية التي تم انتهاجها عملياً في السنوات الأخيرة وبنجاح غير قليل: إدارة النزاع.
  • في ظل غياب إمكان إنهاء النزاع، ومع تعزّز الفهم أن المحاولات الرامية إلى إنهائه تتسبب بالإحباط وبالأضرار، يجب السعي لهدف أكثر تواضعاً لكنه مُجدٍ أكثر بأضعاف: تقليص معاناة الجانبين في نزاع متواصل وغير قابل للحل. ويجب استغلال حقيقة أن المسألة الفلسطينية لم تعد في مركز جدول الأعمال العالمي، وإحساس الإلحاح "لحلها" تبدد. ويُحتمل أنه بمرور الوقت سينشأ من أوساط الفلسطينيين جيل قيادي جديد ذو فكر عملي أكثر، وفي المستقبل قد تنشأ الظروف التي تعطي محافل عربية دعماً أكبر لعملية اعتدال التيارات المتطرفة في المجتمع الفلسطيني.
  • في هذه الأثناء يمكن عبر انتهاج سياسة ناعمة وعاقلة ضمان حياة مريحة قدر الإمكان لمعظم الناس بين البحر المتوسط ونهر الأردن. إن إدارة النزاع هي استراتيجيا حذرة تمتنع من الاستجابة للمطالب الديماغوجية من الطرفين، إمّا الحسم العسكري وإمّا الانسحاب الأحادي الجانب.
  • إن الفشل المضمون لـ"صفقة القرن" يشكل فرصة لإسرائيل من أجل فتح عيون الأميركيين على الواقع المعقد في منطقتنا وحملهم على تأييد "إدارة النزاع". وواشنطن التي اكتوت غير مرة في الماضي بـ"صنع السلام" ولا تتمسك بالمسلمات الدولية، كفيلة بأن تحرر إسرائيل من عقاب صيغة لا تنطوي على أي خلاص.

 

 

المزيد ضمن العدد 3074