ما يقوله نصرالله
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 هناك من يقول عن نصر الله إنه زعيم شجاع وصاحب كاريزما، وهناك من يقول عنه إنه جبان وضعيف. لكن الفريقين يجدان صعوبة في تجاهله عندما يكون حاضراً في حديث وأكثر من ذلك عندما لا يتحدث. ففي الخطاب الذي ألقاه في 26 كانون الثاني/يناير، يمكن أن نتعلم كثيراً عن المهارة الخطابية للرجل، وفي الأساس عن المبادىء التي توجهه عسكرياً وسياسياً.

  • أولاً، يفضّل نصر الله تبنّي قاعدة "التحلي بحكمة الصمت"، وعدم الكلام أو الرد عسكرياً على كشف الأنفاق وعمليات التحصين الإسرائيلية على الحدود مع لبنان. وبصفته زعيماً لتنظيم شيعي يؤدي دوراً في السياسة الداخلية- اللبنانية، لا يريد الدخول في صراع مع الحكم في لبنان ومع الشعب. ولا يريد أن يُتهم بجرّ لبنان إلى حرب أُخرى مع إسرائيل، تزيد في مفاقمة الوضع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، وتدفع مجلس الأمن إلى فرض عقوبات وتوسيع صلاحيات عمل قوات اليونيفيل في لبنان.
  • من المهم بالنسبة إلى نصر الله المحافظة على شعبيته وشرعيته السياسية، وعلى الصورة الأخلاقية لحزبه في نظر اللبنانيين، ففي كلامه يعترف بأنه يعرف حدود قوة حزبه، ويدّعي أن هدفه الأساسي هو محاربة الفساد وليس السيطرة على لبنان. ونظراً إلى كونه يُعتبر في نظر جزء من الزعماء العرب زعيماً لتنظيم إرهابي، من المهم بالنسبة إليه إعادة حزبه إلى حضن العالم العربي. ولا يمكنه تحقيق ذلك إلاّ إذا عادت حليفته سورية نفسها إلى حضن العالم العربي. من أجل ذلك يتعين عليه المحافظة على ضبط النفس، وعدم التورط مع الجارة الإسرائيلية والصلاة من أجل أن تتكلل بالنجاح جهود التقارب بين سورية ومصر، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والبحرين، والسودان.
  • كون حزب الله تنظيماً يدور في فلك قوة إسلامية غير عربية (إيران)، يدرك نصر الله أن كل مواجهة مع إسرائيل يمكن أن تسرّع في نشوء تحالف دولي ضد حزب الله وإيران. لذلك من المهم بالنسبة إليه عدم إغضاب الأميركيين، كي ينجزوا بسرعة انسحابهم من سورية من دون انسحاب الإيرانيين، حينئذ، سيكون من الممكن تجنيد جميع الذين تعرّضوا للخيانة من الولايات المتحدة (السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأكراد) من أجل نقل مركز الصراع الدولي والإقليمي من إيران إلى تركيا. في رأيه محور تركيا- قطر- الإخوان المسلمين يهدد أكثر من إيران الشيعية استقرار الأنظمة في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر.
  • ثانياً، يفضّل نصر الله التمسك بـ"الغموض البناء" في كل ما يتعلق بمسـألة مَن الذي حفر الأنفاق، وما هو عددها، وما إذا كانت قد اكتُشفت كلها، وعدد الصورايخ الدقيقة التي يملكها. هذه السياسة تسمح له بزرع الخوف في القلوب في إسرائيل من دون الانجرار إلى رد عسكري ضدها.
  • ثالثاً، يقلص نصر الله إلى الحد الأدنى الحوادث التي تفرض على حزبه الرد على عملية إسرائيلية. هو يعلم أن الجزء الأساسي من الانتباه الإسرائيلي موجّه إلى الإيرانيين في سورية، لذلك هو يحدد حادثتين تفرضان رداً، لكن هناك احتمالاً ضئيلاً أن تحدثا: قصف إسرائيل الأراضي اللبنانية، واغتيال أحد ناشطي حزب الله في لبنان أو سورية. مسؤولية الرد على عمليات التحصين الإسرائيلية على الحدود يضعها على عاتق الدولة اللبنانية والجيش اللبناني. وبذلك يتفادى حزبه الاشتباك مع اليونفيل وإسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية يستطيع مواصلة الاستفادة من صورة عسكرية بطولية في نظر اللبنانيين والشعوب العربية.
  • رابعاً، من المهم جداً لنصر الله المحافظة على صورته الجديرة بالثقة وسط الإسرائيليين، وفي المقابل تصديع ثقة الإسرائيليين بزعمائهم الذين يصفهم بأنهم "فاسدون وجبناء". ويحذّر نصرالله الإسرائيليين من أن هذه الزعامة يمكن أن تتخذ قرارات عسكرية غير صحيحة وتورطهم في حرب لا ضرورة لها من أجل تسجيل إنجازات شخصية وانتخابية، وحتى التهرب من السجن. بحسب قوله، تصوير الأنفاق كوسيلة للسيطرة على الجليل هو كذب. السيطرة على الجليل واطلاق صواريخ دقيقة هي عمليات يمكن أن تحدث فقط إذا هاجمت إسرائيل لبنان. وهو يحث الإسرائيليين على الطلب من زعمائهم التوقف عن مهاجمة سورية، لأن عملية نقل الصواريخ الدقيقة إلى حزب الله قد أُنجزت. وينصحهم أيضاً بأن يفكروا مرتين قبل أن يصدقوا تصريحات زعمائهم بأن كل أنفاق الحزب دُمرت. وأيضاً الأنفاق هي جزء صغير فقط من استراتيجيا حزب الله القتالية، لذلك فإن تدميرها  لن يمس بالقدرة العملانية للحزب.
  • في الخلاصة، لا يريد نصر الله مواجهة عسكرية مع إسرائيل، تعرّض للخطر مكانته كلاعب سياسي مركزي في لبنان، وتورطه مع جزء من الزعماء العرب، وتقلص فرصه في العودة من جديد إلى حضن العالم العربي؛ وأيضاً يمكن أن تدفع المجتمع الدولي إلى أن يفرض عليه وعلى إيران عقوبات كبيرة. لكن إذا استمرت إسرائيل في إهانة سورية وإيران وحزب الله علناً، فإن قواعد اللعبة يمكن أن تتغير، في ضوء واقع طرد تنظيم داعش من معظم أراضي سورية، وتحسّن الوضع الداخلي فيها وإعادة بناء الجيش السوري، وتقليص الروس هامش المناورة الإسرائيلية في سورية، واستقرار النظام الإيراني على الرغم من العقوبات الأميركية.
 

المزيد ضمن العدد 3021