بني غانتس شريك كامل في السياسة الإسرائيلية الإجرامية التي حولت غزة إلى معسكر إبادة كبير
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 يُكثر اللواء احتياط بني غانتس من ذكر والدته، الناجية من الهولوكوست في معسكر "برغن بلزن". ووالدتي ناجية أيضاً من نفس المعسكر. لكن يبدو أن والدته شجعته على مواصلة القتال في غزة، في حين أن والدتي تشمئز من الجنرالاتومن حروبهم ضد الفلسطينيين ومن السمسرة بذكرى القتلى اليهود.

  • إذا كان لدى بني غانتس شجاعة كافية يتعيّن عليه أن يسافر بنفسه إلى لاهاي، إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمواجهة دعوى مدنية مرفوعة هناك ضد هذا الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة تتعلق بإحدى جرائم الحرب التي ارتُكبت في قطاع غزة خلال صيف 2014 [في أثناء عملية "الجرف الصامد" العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي خلال ولاية غانتس كرئيس لهيئة الأركان] وهي جريمة قتل 6 أشخاص من عائلة واحدة خلال عملية قصف.
  • لا شك في أن أي دعوى بشأن جرائم حرب ضد أشخاص معينين شغلوا وظائف رسمية، ترتكز على رؤية فحواها أن أي شخص، وكذلك أي جندي، وبالتأكيد القائد الأعلى، هو مخلوق يمكنه التفكير، ولذا فهو مسؤول عن أفعاله، وليس مجرد شخص ينفذ الأوامر. كما أن عملية رفع دعوى مدنية بشأن جريمة حرب في دولة أُخرى ترتكز على رؤية تؤمن بوجود قيَم عالمية وقانون دولي، ولذا تجوز المحاكمة على خرق هذا القانون في دولة ثالثة.
  • إذا كانت لدى غانتس الشجاعة فليغادر مقعده الجديد في الكنيست (أو في الحكومة) ليوم أو يومين، ويقف في لاهاي أمام صاحب الدعوى إسماعيل زيادة. لكن حتى لو لم يحضر غانتس، سيلتقي هناك مساران للجوء، مسار الظلم ومسار الصدمات. فأوروبا أكدت لوالدي غانتس، وهما من مواليد هنغاريا ورومانيا، أنه غير مرغوب فيهما، بل لا يستحقان الحياة. وفي واقع الأمر فهما لم يُقتلا ووصلا إلى البلد. وفي البلد كانا من معسكر المنتصرين الذي ما يزال يواصل الانتقام ممن ليس لهم أي علاقة بالطرد من أوروبا أو بقتل اليهود.
  • وُلد بني غانتس في موشاف [مستوطنة] "كفار أحيم" على أراضي القرية الفلسطينية المدمرة كستينا. ووُلد والدا إسماعيل زيادة في الفالوجة التي أقيمت أجزاء من بلدة "كريات غات" على أراضيها بعد سنة 1948. وتبلغ المسافة بين كستينا والفالوجة 18.1 كيلومتر. أمّا المسافة بين الفالوجة ومخيم اللاجئين الذين وُلد فيه زيادة، وهو مخيم البريج في قطاع غزة، فتبلغ نحو 40 كيلومتراً.
  • في شباط/فبراير 1949 وفي إطار اتفاق الهدنة مع مصر، انسحب اللواء المصري الذي كان محاصراً في "جيب الفالوجة"، وبقي فيه فقط سكان القرية وقرية عراق المنشية وألف لاجئ فلسطيني من قرى أخرى. وهرب عدد من سكان الفالوجة قبل ذلك بسبب القصف الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر 1948. وقام الحكم العسكري الذي أُنشئ ليس بمنعهم من العودة فحسب، إنما أيضاً بفعل كل ما في وسعه من أجل تخويف الذين بقوا، بهدف أن يهربوا. وكان المبادر إلى عملية التخويف هذه يغئال ألون وأديرت من طرف يتسحاق رابين، كما يؤكد موقع جمعية "زوخروت" [ذاكرات] الذي يستند إلى المؤرخ بني موريس.
  • بكلمات أُخرى، إسرائيل أوضحت لوالديْ زيادة وجدّيه أنهم لا يستحقون مواصلة العيش في المكان الذي وُلدوا فيه، وسكنت عائلاتهم فيه خلال مئات السنوات، وأنهم إذا ما كانوا راغبين في استمرار العيش عليهم البحث عن مكان آخر.
  • إن قطاع غزة الآن هو معسكر إبادة، لكن ليس مثلما كان معسكر "برغن برزن" في أثناء الفترة النازية. فالفروق واضحة ومعروفة، وأنا أعارض المقارنات التي لا تستند إلى معلومات. وفي قطاع غزة المحاصر والمغلق مثل معسكر محدد ومعزول يتم تركيز مليوني شخص في اكتظاظ سكاني يُعتبر الأعلى في العالم. و70% منهم هم من أحفاد اللاجئين الذين طردناهم من بيوتهم. وفي ظل انعدام حرية الحركة محكوم عليهم بحياة البطالة، والفقر، والخراب، والأمراض، والتلوث، والكآبة، وعدم وجود مياه نظيفة، والاعتماد على هبات آخذة بالتضاؤل. وكل هذا من دون الحديث عن عمليات القصف والغزو العسكرية.
  • ومعروف أن "برغن برزن" كمعسكر اعتقال، وبعد ذلك كمعسكر إبادة لليهود، تم تفكيكه بعد 4 سنوات من إقامته، لدى هزيمة الرايخ الثالث. أمّا معسكر الإبادة في غزة فموجود في ظروف صعبة للغاية وتزداد قسوة منذ ثلاثة عقود تقريباً. وخلافاً للدعاية الإسرائيلية التقليدية، جرى هذا قبل العمليات الانتحارية، وقبل اتفاقات أوسلو، وقبل صعود "حماس" إلى الحكم وتطوير قدرتها العسكرية.
  • وواضح أن لدى إسرائيل هدفاً سياسياً من وراء تحويل غزة إلى معسكر إبادة كبير، وهو فصلها وفصل سكانها عن سائر الفلسطينيين، من أجل أن تتشكل ككيان سياسي منفصل، من دون تاريخ أو جذور أو انتماء. وغانتس بصفته رئيساً لهيئة الأركان العامة كان شريكاً كاملاً في هذه السياسة الإجرامية، بما في ذلك جريمة قتل والدة إسماعيل زيادة وزوجة شقيقه وابن شقيقه وأخوته الثلاثة.
 

المزيد ضمن العدد 3021