لماذا اغتيال الخاشقجي هو كارثة بالنسبة إلى إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لا يمكن التعامل مع الوحشية المخيفة لخطف جمال الخاشقجي وقتله على يد قوات الأمن السعودية كأمر عادي والاستمرار كأن شيئاً لم يكن. ولا يغيّر شيئاً، مهما يحاولون، بصورة غير موثوقة على الإطلاق، عرض ما حدث بأنه تحقيق تطور بصورة سيئة، أو أنه عمل عناصر تصرفت من تلقاء ذاتها. الانعكاسات أعمق بكثير من المأساة الشخصية لعائلة الخاشقجي وخطيبته. ما حدث يطرح على الولايات المتحدة وإسرائيل تساؤلات جوهرية لها علاقة بمقاربتهما الاستراتيجية العامة في الشرق الأوسط.
  • سيدّعي المتهكّمون أن الوقاحة التي ظهرت في قتل الخاشقجي هي من النوع الذي يميز الأنظمة الاستبدادية العربية، بينهم حلفاء للولايات المتحدة، لكنها هذه المرة كانت لاذعة أكثر.
  • لا أحد في الشرق الأوسط يقدم خدمات مجانية، وقد صمد التحالف الأميركي - السعودي طوال عشرات السنوات على الرغم من قمع الشعب السعودي من قبل السلطة. جزء من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي بادر إليها ولي العهد محمد بن سلمان، والدفع قدماً بأهداف استراتيجية مشتركة تهدف إلى كبح العدوان في المنطقة، لا تزال تخدم مصالح الولايات المتحدة. لا يمكن التعامل باستخفاف مع هذه الاعتبارات. لكن جريمة قتل الخاشقجي، بالإضافة إلى تخطيها الخطوط الحمراء حتى لانعدام الأخلاق، فإنها تشير إلى أنه لا يمكن الوثوق بالسعودية تحت حكم محمد بن سلمان كشريك استراتيجي.
  • لقد سبق لولي العهد أن أظهر عدم المسؤولية والتهور في تقرير السياسة الخارجية للسعودية. الحرب المحقة التي شنها ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن جرت مع التجاهل المطلق للمعاناة الهائلة التي تسببت بها للمدنيين. وإجبار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على الاستقالة ارتد عليه سلباً.
  • والحصار الذي فرضته السعودية على قطر منع دول الخليج من التركيز على هدفهم المشترك، كبح إيران، ولم يؤد إلى أي فائدة تقريباً. وقطع العلاقات مع كندا، بسبب تغريدة انتقدت اعتقال السعودية ناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، كانت رداً مبالغاً فيه.
  • الآن، وبأمر من ولي العهد، جرى تنفيذ جريمة مروعة في وضح النهار. ولقد كذب السعوديون على ترامب طوال أيام ولا زالوا يكذبون.
  • من المحتمل أن الأمر لا يهم ترامب فعلاً، ربما بسبب مستواه الأخلاقي المشكوك فيه، وربما بسبب الدعاية الكبيرة التي أحاط بها كل صفقة بيع سلاح إلى السعودية كمصدر لخلق فرص عمل.
  • لكن محمد بن سلمان لم يأخذ في اعتباره أنه في إعطائه الأوامر باغتيال الخاشقجي قد تخطى كل حدود المسموح والممنوع لدى الرأي العام الأميركي والحزبين في الكونغرس. وفي الواقع جاءت ردة الفعل الأكثر عنفاً والمطالبة برد من جانب أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ، مثل ليندسي غراهام وماركو روبيو.
  • مرة أُخرى، يمكن التعامل مع ذلك بشيء من التهكّم. فالقمع في السعودية ليس أمراً جديداً، وربما المؤسسة السياسية الأميركية مستعدة لقبوله إذا بقي خارج مجال النظر. والاحتجاج لم يكن كبيراً كما من المفترض أن يكون عندما اعتُقلت ناشطات في الدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية، الأمر الذي حدث في الفترة التي ُسمح فيها أخيراً للنساء بقيادة السيارة.
  • لكن محمد بن سلمان ارتكب خطأ جسيماً عندما لم يدرك أن خطف وتقطيع جثة صحافي مقيم في الولايات المتحدة، جريمته لا تتعدى التعبير عن آرائه، هي ببساطة أكثر مما يتحمله الأميركيون.
  • لا يمكن التلويح بمثل هذا التصرف في وجه الولايات المتحدة وتوقّع أن يتصرف العالم كأن شيئاً لم يكن. ربما أن ذلك لا يهم ترامب، ويمكن أن نستخلص ذلك من الطريقة التي يسعى فيها وراء بوتين الذي يقتل هو أيضاً صحافيين. لكن هناك حدوداً لتحمّل الشعب الأميركي، ومن المحتمل أنه يتوقع من حكومات صديقة أن تكون على مستوى أرقى. ويتوقع من الحلفاء، على الأقل، ألاّ يورطوا الولايات المتحدة في جرائم بشعة.
  • أسباب ذلك عرضة للنقاش. والتفاصيل المرعبة للجريمة جزء من هذا النقاش. لكن جريمة قتل الخاشقجي تتعلق أيضاً بتوجهات دولية واسعة النطاق من العداء لليبرالية وملاحقة صحافيين من أنصار الحقيقة. المسألة ليست أن "محمد بن سلمان يُسكت منتقداً للسعودية"، لا أكثر.
  • حقيقة أن ولي العهد السعودي لم يفهم هذا الواقع أو لم يكن قادراً على تقديره، وحقيقة أنه اعتقد أنه قادر على فعل ذلك من دون تحمّل النتائج، ولم يكن هناك مستشار ينصحه، أو قادر على لجم اندفاعه، يطرح تساؤلات مهمة تتعلق برجاحة رأيه وصدقيته، وتقدم إجابات حاسمة تتعلق بأخلاقياته.
  • بالنسبة إلى إسرائيل ربما تشير هذه القضية القذرة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على مرساة الشرق الأوسط الجديد الذي تحاول إسرائيل الدفع به قدماً، أي ائتلاف إسرائيلي - سني، تحت مظلة أميركية، يلجم إيران والجهاديين السنة.
  • يتعين على إسرائيل أن تكون حذرة في تخطيط خطواتها. لا شك في أن الولايات المتحدة سترد على قتل الخاشقجي، حتى لو عارضت إدارة ترامب ذلك. لن يؤدي الرد إلى تفكك مطلق للحلف الأميركي – السعودي، لكن الاشمئزاز الذي يشعر به الجمهور والكونغرس سيكون لهما ثمن.
  • لإسرائيل مصلحة قوية في أن تبقى السعودية حليفة للولايات المتحدة. وذلك من أجل القيام بأفضل الاستعدادات لمواجهة إيران. ويجب أن تمتنع من التحول إلى لوبي لمحمد بن سلمان في واشنطن. التنسيق بين إسرائيل وشركائها في المنطقة لا يزال مطلوباً ومرغوباً فيه. وهذه واقعية سياسية بسيطة. لكن ثمة خطر جديد لأن تتضرر صورتها بسبب العلاقة القريبة من السعودية.
  • ليس سهلاً على إسرائيل التحرك عندما ينقسم واضعو السياسة الخارجية في الإدارة الأميركية بين معسكر معاد لإيران ومعسكر معاد للسعودية. يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف بصورة متساوية مع الوحشية التي تستخدمها إيران والسعودية تجاه مواطنيهما، وألاّ تسمح لجرائم محمد بن سلمان بأن تؤدي إلى تخفيف الضغط الذي تقوم به على إيران بسبب نشاطها المؤذي في المنطقة، لكن ثمة خطر بألاّ يحدث ذلك.
  • بالنسبة إلى الإسرائيليين من المحتمل أن يكون ذلك هو النتيجة الأكثر خطراً لقتل الخاشقجي. ولي العهد مهووس بإسكات منتقديه، ويسعى لذلك في ظل محاولة تشكيل إجماع دولي للضغط على إيران. الضرر كبير. قد يكون ترامب استثناء. لكن أي عضو كونغرس وأي زعيم أوروبي يقبل الجلوس والبحث مع محمد بن سلمان  في موضوع إيران؟

هذا هو الدليل القاطع على العمى الاستراتيجي لمحمد بن سلمان، والضرر سيظل قائماً طالما بقي هو من يحكم المملكة.

 

المزيد ضمن العدد 2953