· إذا ما قارنا الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان، قبل عشرة أعوام، بالانفصال من جانب واحد عن قطاع غزة في سنة 2005، فلا بُد من ملاحظة أن هناك ثمانية قواسم مشتركة بين الحالتين.
· أولاً، أدى الانسحاب والانفصال إلى تعزيز قوة منظمة إسلامية راديكالية ("حماس" في غزة وحزب الله في لبنان) من الناحيتين السياسية والعسكرية إلى درجة تحوّل فيها كل منهما إلى تهديد حقيقي لإسرائيل؛ ثانياً، ازداد تغلغل النفوذ الإيراني في كل من لبنان وغزة؛ ثالثاً، قام الجيش الإسرائيلي في الحالتين بالانسحاب من آخر شبر من الأراضي المحتلة؛ رابعاً، لم يسفر انسحاب الجيش الإسرائيلي عن استقرار الهدوء لدى أي من الجانبين، علماً بأن الأوضاع في لبنان أفضل من الأوضاع في غزة؛ خامساً، اضطرت فئات معينة من السكان إلى دفع ثمن باهظ جرّاء ذلك، والمقصود أفراد جيش لبنان الجنوبي والمستوطنين في "غوش قطيف"؛ سادساً، اعتُبر الانسحاب من لبنان وفيما بعد من غزة، في نظر الفلسطينيين والعالم الإسلامي ـ العربي برمته، بمثابة انتصار العنف على المجتمع الإسرائيلي الضعيف؛ سابعاً، أثبتت هاتان العمليتان للجمهور الإسرائيلي العريض أنه حتى في حال قدمت إسرائيل إلى خصمها كل ما يرغب فيه، فإنه سيبقى يطالب بالمزيد؛ ثامناً، كان الانسحاب من جنوب لبنان والانفصال عن غزة محصلة قرار شخصي لكل من رئيسي الحكومة السابقين إيهود باراك وأريئيل شارون، لكن أياً منهما لم يحقق أي ربح سياسي في حزبه.
· ومع ذلك، ثمة فارق كبير بين الحالتين، ذلك بأن الانفصال عن غزة كان أحادي الجانب بصورة مطلقة فعلاً، في حين أن الانسحاب من جنوب لبنان كان بموافقة تامة من طرف الولايات المتحدة والدول الغربية والسكرتير العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وقد أقرّ هذا الأخير في 16 حزيران/ يونيو 2000 أن إسرائيل انسحبت بصورة كاملة من لبنان، وأنها، بهذا، تكون قد قامت بدورها في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن.
· بكلمات أخرى، يمكن القول إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان يحظى بشرعية دولية غير قابلة للتأويل، وبناء على ذلك، فإن قيام إسرائيل بعمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية رداً على تعرضها لهجمات صاروخية أو غيرها يحظى هو أيضاً بشرعية معينة، في حين أن الانفصال عن غزة لم يحظ باعتراف دولي، ولذا، فإن العالم كله ظل يعتبر إسرائيل قوة محتلة تتحمل المسؤولية الكاملة عن السكان المدنيين هناك.
· في ضوء ذلك، فإن العبرة المركزية المطلوب استخلاصها هي أن أي انسحاب إسرائيلي في المستقبل من مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية] سيمنى بالفشل الذريع إذا لم يكن مقروناً بالتوصل إلى تفاهمات دولية تتعلق به.