· لم يتصور أحد [في إسرائيل] أن تصبح القدرات الفائقة التي تتسم بها "هيئة القيادة الفيدرالية المركزية لمحاربة الإرهاب" في ألمانيا، موجهة في يوم من الأيام نحو جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي تربطه علاقات حميمة جداً بمؤسسة الاستخبارات الألمانية برمتها. ومن المعروف أن هذه الهيئة هي التي تصرّ، منذ أشهر طويلة، على إجراء تحقيق جذري في قيام أحد الذين اشتركوا في عملية اغتيال [المسؤول العسكري في "حماس"] محمود المبحوح في دبي باستعمال جواز سفر مزوّر لمواطن ألماني يدعى "ميخائيل بودنهايمر".
· ونهار أمس، وبالتزامن مع نشر نبأ في مجلة "دير شبيغل" الألمانية فحواه اعتقال مواطن إسرائيلي يدعى أوري برودتسكي في بولندا [في مطلع حزيران/ يونيو الحالي] بسبب صلته بتلك العملية واستعماله جواز السفر الألماني المزوّر، كنت أول صحافي إسرائيلي يقوم بزيارة مقر "هيئة القيادة الفيدرالية المركزية الألمانية لمحاربة الإرهاب" في برلين.
· ومع أن المسؤولين في هذه الهيئة رفضوا التطرق بصورة علنية إلى هذه القضية، وإلى مطالبة السلطات الألمانية بتسلّم المواطن المعتقل المذكور من السلطات البولندية، إلا إن الانطباع الذي خرجتُ به هو أن مؤسسة الاستخبارات الألمانية سينتابها غضب شديد على إسرائيل في حال التأكد من أن جهاز الموساد هو الذي يقف وراء هذه القضية، ذلك بأنها تنطوي، وفقاً لما يقولونه، على مساس كبير بسيادة ألمانيا.
· لا شك في أن الجهة التي قامت بتزوير جواز السفر الألماني ارتكبت بضعة أخطاء فادحة. أول خطأ هو استعمال جواز سفر ألماني في إطار عملية اغتيال كان من المتوقع أن تواجه تعقيدات كثيرة، وثاني خطأ هو عدم امتناع الشخص الذي ارتبط اسمه باستعمال جواز السفر المزور من التجول بحرية في الخارج، على الأقل لفترة محدودة، وثالث خطأ هو عدم معرفة الموساد بإصدار أمر اعتقال دولي من جانب الإنتربول بحق أحد وكلائه في الخارج.
· ولا بُد من القول إن هذه الأخطاء كلها تستلزم من المسؤولين عن عملية اغتيال المبحوح، وما أسفرت عنه من ورطات كبيرة، إجراء عملية فحص داخلية حقيقية. وفي حال إثبات أن جهاز الموساد الإسرائيلي هو الذي قام بهذه العملية، يجب اتهامه أيضاً بارتكاب خطأ الغرور، ذلك بأنه استهتر بالجميع، بما في ذلك بالبولنديون وشرطة دبي والاستخبارات الألمانية. وهذا الخطأ هو الذي أسفر، في الوقت الحالي، عن اعتقال برودتسكي، وعن عاصفة دبلوماسية كبيرة، فضلاً عن سلسلة أضرار جسيمة لحقت بإسرائيل، ومن المتوقع أن تلحق بها لاحقاً.