عملية "عمود السحاب" من المنظور الدولي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       في كل عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل ضد الدول المجاورة لها هناك اعتبارات دولية يجب أن تأخذها في حساباتها. وعلى الرغم من ذلك، لم يسبق لإسرائيل أن أخذت في حساباتها الظروف السياسية الإقليمية مثلما فعلت في عملية "عمود السحاب". إذ لم يكن في استطاعة إسرائيل تجاهل التغييرات السياسية العميقة التي شهدتها الدول العربية، وبصورة خاصة مصر، منذ انتهاء عملية "الرصاص المسبوك" في 2008-2009.

·       خلال عملية "الرصاص المسبوك" كان في إمكان إسرائيل الاعتماد على التفاهم الصامت مع النظام المصري الذي كان حينئذ يخوض صراعاً مع حركة الإخوان المسلمين في مصر. لكن هذه الحركة التي هي بمثابة الزعامة الروحية لحركات الإخوان في العالم العربي كله بما في ذلك حركة "حماس"، باتت اليوم هي التي تسيطر على الرئاسة المصرية وعلى الحكومة ومجلس النواب، وحتى على الجيش.

·       لقد كانت العلاقات المصرية – الإسرائيلية  قبل الإطاحة بحسني مبارك علاقات باردة تفتقر إلى الحيوية، وكان الاستثناء الوحيد فيها قنوات التحاور التي ظلت مفتوحة بين الأجهزة الأمنية في الدولتين. وطوال تلك الفترة شكلت المساعدة الاقتصادية الأميركية وبصورة خاصة العسكرية منها حجر الأساس في تعزيز  العلاقات الإسرائيلية – المصرية. من هنا شكل صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم خطراً كبيراً على هذه العلاقات بين الدولتين والتي في الأساس لم تكن علاقات مستقرة. وفي الواقع ما إن اندلعت الجولة الأخيرة من العنف في غزة حتى استدعت مصر سفيرها في إسرائيل المعين حديثاً . من هنا يمكن القول إنه لو قامت إسرائيل بهجوم بري على القطاع لكان هذا دفع مصر إلى التصرف بطريقة تتعارض مع مصلحتها الحيوية، وإلى اتخاذ خطوات أكثر تطرفاً تؤثر بصورة مباشرة على علاقات مصر مع الولايات المتحدة وعلى المساعدة الاقتصادية الأميركية إلى مصر.

·       لقد كانت العلاقات مع الولايات المتحدة في مقدمة اهتمام متخذي القرارات في إسرائيل. فقد تحدث الرئيس أوباما مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في 16 تشرين الثاني/نوفمبر وأكد له دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وفي إثر المكالمة الهاتفية بين الرئيس أوباما والرئيس المصري محمد مرسي في 19/11 2012  لم يكن هناك أدنى شك في أن الولايات المتحدة كانت تضغط على إسرائيل لمنع توسيع العملية العسكرية، لأنه كان من الواضح أن أي عملية برية ستؤدي إلى وقوع عدد كبير من الخسائر البشرية وستتسبب بإحراج مصر سياسياً بتعقيد العلاقات بين مصر والولايات المتحدة التي هي أيضاً غير مستقرة.

·       إن وقوف رئيس الولايات لامتحدة إلى جانب إسرائيل في أول اختبار له منذ فوزه بولاية جديدة، أثار الارتياح في إسرائيل التي تسعى إلى الاستفادة من هذه الأجواء الايجابية للتفاهم والتنسيق مع الولايات المتحدة. ويمكن القول إن التوصل إلى وقف اطلاق النار وإزالة المواجهة مع "حماس" عن جدول الأعمال، ولو صورة موقتة، من شأنه أن يخدم مصالح إسرائيل البعيدة الأمد.

·       لقد أخذت الزعامة الإسرائيلية في حسابها ارتدادات العملية العسكرية ضد غزة على علاقتها بالسلطة الفلسطينية والأردن وتركيا. ومن المحتمل أن يكون من الأسباب التي دفعت "حماس" إلى جولة التصعيد الحالي رغبتها في الالتفاف على "النجاح" الذي يمكن أن تحققه السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة لدى مطالبتها الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو. وفي الوقت الذي يثير فيه المسعى الفلسطيني غضب إسرائيل، فإنه من الواضح أن أبو مازن هو الذي ستتفاوض معه الحكومة الإسرائيلية المقبلة بعد الانتخابات التي ستجري في 22 كانون الأول/ديسمبر 2013. ولا يمكن لأبو مازن أن يقف مواقف معتدلة في حال بعثت إسرائيل بقواتها البرية إلى غزة، أو في حال احتلتها من جديد.

·       أما بالنسبة للأردن، فكلما تواصلت العملية العسكرية ضد غزة، كلما وجد الأردن نفسه في وضع صعب في مواجهة المعارضة السياسية للإخوان المسلمين. وتتابع إسرائيل بقلق كبير الوضع الداخلي في الأردن، ومن مصلحتها الكبرى عودة الاستقرار إلى جارتها الشرقية.

·       وعلى الرغم من مساعي إسرائيل لتحسين العلاقات مع تركيا، فقد انتقد رئيس الحكومة التركية بعنف الرد الإسرائيلي على هجوم "حماس" الصاروخي، لكنه من جهة أخرى شارك في المساعي الآيلة لوقف المواجهات العسكرية.

·       في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 أعلن مجلس وزراء الخارجية للاتحاد الأوروبي عن إدانته العنيفة للهجوم الصاروخي ضد إسرائيل معترفاً بحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى وقف فوري للعنف. وهذا أمر يثير رضا إسرائيل. وهنا يمكن القول إنه في حال جرى احترام وقف النار لمدة طويلة، سيكون من الضروري إيجاد آلية لمراقبة هذا الاتفاق والحفاظ عليه. ومن المحتمل ألا يكون للولايات المتحدة علاقة مباشرة في هذا الأمر، وأن يكون الاتحاد الأوروبي هو الطرف الذي يستطيع القيام بهذه المهمة التي من المفترض أن تتحدد  كتابياً في اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه مصر.

 

 

·       تدل تجربة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 المتخذ في إثر حرب لبنان 2006، وكذلك تجربة تنفيذ الترتيبات التي ساهمت في وقف عملية "الرصاص المسبوك" في 2008-2009 على حدود هذه الاتفاقات.  إذ من الصعب الوقف الكامل لعمليات تهريب السلاح في ظل غياب رغبة حقيقة من جانب الأطراف المعنية بالموضوع. ويمكن القول هنا إن  في استطاعة مصر أن تلعب دوراً أساسياً في منع "حماس" والتنظيمات الأخرى من أن تنشط داخل غزة وخارجها. كما في إمكان الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية التأثير على مصر ودفعها إلى اتخاذ قرار يمنع تحول أراضيها إلى معبر للسلاح إلى غزة.  

 

المزيد ضمن العدد 1543