· ثمة مبدأ صارم في التاريخ يقول إن مهادنة الحركات الظلامية تفضي دائماً إلى نتائج كارثية، فهي تقوّي المتطرفين وتشجعهم على زيادة مطالبهم إلى حد يجعل المواجهة العسكرية معهم أمراً حتمياً. فلو امتنع رئيس الحكومة البريطانية تشامبرلين من مهادنة النازيين، لكان في الإمكان الحؤول دون وقوع الحرب العالمية الثانية، أو لكان الإعداد لهذه الحرب قد جرى بصورة أفضل، وأدى إلى وقوع ضحايا أقل.
· لقد كان الرئيس ريغان، الذي كان الليبراليون يشهرون به ويعتبرونه محرضاً على الحرب الباردة، صارماً في مواجهة سياسة التوسع السوفياتية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انهيار إمبراطورية الشر. وقبل ثلاثين عاماً، عندما اقتحم الإيرانيون سفارة الولايات المتحدة واختطفوا دبلوماسيين، "مد" الرئيس جيمي كارتر يده الى نظام آيات الله وحاول "احتواءه" بدل مواجهته، فكان كل ما حققه هو تقوية المتطرفين والاستمرار في إهانة الولايات المتحدة.
· يكرر الرئيس أوباما وأتباعه اليوم الأخطاء نفسها، ففي البداية جاءت مبادرة أوباما الدولية التي أطلقها في خطبة القاهرة [2009]، وبعد ذلك رفض التنديد بالنظام الإيراني عندما قمع شعبه بوحشية في أثناء "الثورة الخضراء"، ووقف أيضاً إلى جانب الغوغاء "الديمقراطية" التي سيطرت على الشارع المصري ضد مبارك، صديق الولايات المتحدة القديم، كما حاول "احتواء" الإخوان المسلمين.
· في الذكرى السنوية لهجمات 11 أيلول/سبتمبر، وبذريعة الغضب على فيلم غامض وبدائي مسيء للمسلمين، حرض المسلمون المتطرفون الجماهير في أنحاء العالم الإسلامي على القيام باحتجاجات شعبية عنيفة ضد السفارات الأميركية، ففي ليبيا قُتل أربعة دبلوماسيين أميركيين بينهم السفير الأميركي، وكان رد الولايات المتحدة الأول الاستكانة والتنديد بالفيلم بدل التنديد بأحداث الشغب وبذبح الأبرياء.
· وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقدم للمصريين مساعدات بقيمة مليارات الدولارات سنوياً، فإن الشرطة المصرية وقفت جانباً عندما هوجمت السفارة في القاهرة، وانتظر الرئيس مرسي 24 ساعة قبل أن يصدر عنه انتقاد متردد للعنف، مع تحذير من ردات فعل أخرى في المستقبل إذا لم يتم كبح "الإهانات الموجهة" إلى الرسول. كذلك دعا الإخوان المسلمون، الذين يحكمون مصر، إلى تظاهرات جديدة، وطلبوا اعتذاراً آخر من الولايات المتحدة.
· إن امتناع أوباما من التنديد برد مرسي الفاتر على العمل الفظيع في القنصلية في ليبيا وعلى مهاجمة السفارة في القاهرة، وعدم طلبه تأجيل زيارته لواشنطن، يشير إلى أن المتطرفين الإسلاميين قد ينجحون من خلال استخدام العنف والقتل في تخويف الكفار. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يسعى له الإسلاميون هو قوانين تجعل أي انتقاد للإسلام بمثابة الجريمة، وطبعاً، لن تشمل هذه القوانين مظاهر العداء للسامية التي تمولها الدولة في الدول الإسلامية، والتي تبرز في المسلسلات التلفزيونية التي تتحدث عن أفكار نمطية مخيفة عن اليهود، فضلاً عن أئمة المساجد الذين يُشهرون باليهود بلا توقف.
· إذا واصلنا دفن رؤوسنا في الرمل، وفي التقليل من خطورة التهديد العالمي الذي تشكله هذه الردة إلى ظلامية العصور الوسطى، فإننا نكون قد مهدنا الطريق أمام خسارة المكتسبات التي حققتها الحضارة الغربية، وفي أساسها التراث اليهودي - المسيحي.