يجب الاعتذار إلى تركيا وترميم العلاقات معها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       ثمة صورة جديدة بدأت ترتسم في الشرق الأوسط، وتشكل رسالة التهنئة التي أرسلها بنيامين نتنياهو إلى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بمناسبة الفوز الساحق الذي حققه حزبه في الانتخابات الأخيرة جزءاً من هذه الصورة الجديدة.

·       خلال العام المنصرم، وتحديداً في الأسابيع الأخيرة، حاول أصحاب النيات الحسنة في كل من إسرائيل وتركيا ترميم العلاقات بين الدولتين. وقد ساهمت الأحداث في سورية، التي أدت إلى برودة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، في تسريع هذه المساعي، ودفعت وزارة الخارجية التركية ورئاسة الحكومة إلى إعادة النظر في سياسة تركيا في المنطقة.

·       لقد خطت تركيا خطوة مهمة إضافية عندما طلبت من منظمة "آي.أتش.أتش" IHH إلغاء مشاركتها في قافلة سفن المساعدات إلى غزة للحؤول دون تحويل الانتباه عما يجري في سورية. وتوقف أردوغان عن تسمية بشار الأسد بـ "الصديق الجيد"، واصفاً القمع الوحشي للتظاهرات في سورية بأنه عمل "همجي"، وحتى لو لم يطالب أردوغان حتى الآن بتنحي الأسد، فإن النظام السوري، في تقديره، قد انتهى. كذلك قال مسؤول تركي رفيع المستوى للصحيفة إنه "إذا قررت سورية مهاجمة الأقلية الكردية، فسنكون أمام مشكلة خطرة".

·       حتى إيران التي أقامت معها تركيا في العامين الماضيين علاقات اقتصادية غنية، فإن الإعلام التركي يتحدث اليوم عن مشاركتها في قتل المواطنين السوريين. وهكذا سرعان ما تبيّن لتركيا أن تطلّعها إلى تحقيق سياسة "تصفير المشكلات" مع جيرانها تواجه صعوبات كبيرة.

·       لقد سعت تركيا لإنشاء محور استراتيجي يتألف منها ومن إيران والعراق وسورية، يكون قادراً على تحقيق سياسة جديدة في الشرق الأوسط، إلاّ إن شركاءها في هذا الحلف خيبوا آمالها. فالحكومة العراقية توشك على التفكك، وإيران تعيش صراعاً سياسياً بين الرئيس [محمود أحمدي نجاد] وبين المعارضين له وبينهم الزعيم الأعلى علي خامنئي، أمّا سورية فقد رفضت بفظاظة محاولات أردوغان مساعدتها في إنهاء أزمتها.

·       لم يبق من الخطط التركية الكبيرة الرامية إلى قيام شرق أوسط أفضل غير الخلاف الفلسطيني الداخلي. فاستضافت تركيا يوم الأربعاء خالد مشعل، وبعده محمود عباس، لكن ليس مؤكداً ما إذا كانت ستنجح في ردم الثغرات بين الفصائل الفلسطينية بصورة تؤدي إلى تأليف حكومة فلسطينية جديدة.

·       يشعر عدد كبير من الموظفين في وزارة الخارجية الإسرائيلية وفي ديوان رئاسة الحكومة بالارتياح لما تمر به تركيا، وسمعتُ أحد هؤلاء الموظفين يقول "ربما فاز أردوغان في الانتخابات لكنه انهزم في العالم".

·       إذا كانت السياسية الخارجية تشكل مقياساً للنجاح أو الفشل، فإن فشل السياسة الخارجية التركية ليس أكبر من فشل الولايات المتحدة التي لم تنجح في حل الأزمات في الشرق الأوسط، وتوشك الآن على مغادرة أفغانستان مخلفة وراءها الفوضى. كذلك فإن إسرائيل التي شهدت تدهوراً في مكانتها على المستوى الدولي هي آخر من يمكنه أن يحكم على دولة أخرى، وذلك بسبب سياستها الخارجية، إذ على الأقل قامت تركيا بمبادرات، ولولا السياسة الإسرائيلية الفاشلة في غزة والطريقة المأساوية التي عالجت بها موضوع قافلة السفن، لكان في الإمكان المحافظة على علاقات جيدة مع تركيا حتى عندما كانت هذه الأخيرة على علاقة مع إيران. وعلينا ألاّ ننسى أن تركيا لم تسمح لأي دولة بالضغط عليها من أجل قطع علاقاتها بإسرائيل.

·       لقد حان الوقت للقيام بمبادرة جديدة في اتجاه تركيا وترميم العلاقة معها. ولن تحدث كارثة إذا اعتذرت إسرائيل عن قتل مواطنين أتراك، فالاعتذار ليس اعترافاً بالذنب، ولاسيما أن هناك خلافاً في الآراء داخل إسرائيل نفسها بشأن الحكمة من العملية العسكرية ضد قافلة السفن.

·       بعد أسبوعين تقريباً ستنشر اللجنة المشتركة التابعة للأمم المتحدة تقريرها بشأن أحداث قافلة السفن، يجب ألاّ ننتظر صدور هذا التقرير، وإنما يجب استباقه باعتذار إسرائيلي علني، وفيما بعد يمكننا مناقشة مَن الطرف الذي يتحمل مسؤولية ما حدث.