· يمكن القول إن التوتر بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي كان في الإمكان ملاحظته في أثناء حديثهما أمام مندوبي وسائل الإعلام عقب لقائهما المغلق في البيت الأبيض يوم الجمعة الفائت، والذي انعكس على وجه كل منهما لدى إدلائه بتصريحات صحافية، كان توتراً حقيقياً غير مفتعل، وفي الوقت نفسه، فإن كلاً منهما كان لديه مصلحة جلية في إظهار هذا التوتر على الملأ.
· ويعود السبب الرئيسي في هذا التوتر، قبل أي شيء، إلى مضمون الخطاب السياسي الذي ألقاه رئيس الولايات المتحدة يوم الخميس الفائت عشية لقائه رئيس الحكومة، والذي دعا في سياقه إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مع تبادل أراض يتم الاتفاق عليها بين إسرائيل والفلسطينيين في إطار المفاوضات فيما بينهما. وكما يبدو فإن أوباما لا ينوي التراجع عن موقفه. في الوقت ذاته بدا نتنياهو كما لو أنه ينقض على أوباما بسبب إعلانه أن الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية التي ستُقام يجب أن تستند إلى خطوط 1967، مشدداً على أنها حدود غير قابلة للدفاع عنها، فضلاً عن أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها إجراء مفاوضات مع حكومة فلسطينية تشترك فيها حركة "حماس"، وأن الخيار المطروح أمام [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس هو إمّا السلام مع "حماس" وإمّا مع إسرائيل.
· من ناحية أخرى هاجم رئيس الحكومة هاجم حق العودة، مؤكداً أنه "في سنة 1948 نشأت مشكلة لاجئين فلسطينيين ومشكلة لاجئين يهود"، وأن "إعادة لاجئين فلسطينيين إلى تخوم دولة إسرائيل بعد مرور 63 عاماً على إقامتها يمكن أن تقضي عليها باعتبارها دولة يهودية، ولن يحدث هذا مطلقاً".
· تجدر الإشارة إلى أنه لم يُفسح المجال أمام مندوبي وسائل الإعلام لطرح أي أسئلة بعد أن أدلى كل من الزعيمين بتصريحاته. لذا، فإن المسؤولين من الجانبين حرصوا في إثر اللقاء على تزويد مندوبي وسائل الإعلام بوجهات النظر المتعارضة بين الزعيمين.
· وتتلخص الرسائل التي جرى تمريرها من جانب حاشية رئيس الحكومة بما يلي: أولاً، أن نتنياهو يخوض بشجاعة حرباً مصيرية بالنسبة إلى إسرائيل حتى لو كلفه الأمر خوض مواجهة مع رئيس الولايات المتحدة؛ ثانياً، أنه نجح في إقناع أوباما بصحة الموقف الإسرائيلي إزاء اتفاق المصالحة الفلسطينية [بين حركتي "فتح" و"حماس"]، علماً بأن الرئيس الأميركي أبدى قلقه إزاء اتفاق المصالحة، لكنه خلافاً لرئيس الحكومة اكتفى بطرح عدة أسئلة على عباس ولم يوجّه إليه إنذاراً؛ ثالثاً، أن اللقاء مع أوباما تميّز بالشفافية وكان جاداً وودياً. على صعيد آخر جرى التشديد على أن رئيس الحكومة يعتبر موقف الرئيس الأميركي بشأن حدود 1967 كارثياً، ومن شأنه ليس فقط إلحاق أضرار كبيرة بإسرائيل، بل أيضاً عرقلة إمكان التوصل إلى سلام فترة طويلة.
· أمّا الرسائل التي جرى تمريرها من الجانب الأميركي، والتي يبدو أنها كانت موجهة من الأعلى، أي من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وربما من الرئيس أوباما نفسه، فإنها تؤكد أن نتنياهو أشبه بمن يدفن رأسه في الرمال إزاء التغيرات الكبيرة التي تحدث في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، وأنه لا همّ له سوى الحفاظ على ائتلافه الحكومي، وبالتالي فإن سبب نقده خطاب أوباما يعود إلى اعتبارات سياسية إسرائيلية داخلية لا إلى اعتبارات تتعلق بأمن إسرائيل.
· كذلك تؤكد هذه الرسائل أن قيام الرئيس الأميركي بذكر حدود 1967 يعبّر عن تغير ضروري في السياسة الأميركية لكنه ليس تغيراً دراماتيكياً، ذلك بأن هذا الموقف يتفق مع موقف إدارات أميركية سابقة كثيرة، كما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك طلب من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون سنة 2000 أن يقترح خطة للسلام تستند إلى الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967، في حين اقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت على محمود عباس خطة أكثر سخاء في هذا الشأن. وعلى ما يبدو فإن ذكر حدود 1967 يهدف إلى منع الجمعية العامة في الأمم المتحدة من أن تتخذ في أيلول/ سبتمبر المقبل قراراً ينص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، كما يطالب الفلسطينيون، وبناء على ذلك فإن الإدارة الأميركية تعمل من أجل مصلحة إسرائيل لا ضدها.
· فضلاً عن ذلك كله، لا بد من القول إن الإدارة الأميركية لا تملك حتى الآن أي آلية لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لأن معظم المسؤولين في هذه الإدارة يعتقد أن نتنياهو لا يرغب في دفع عملية التسوية قدماً.