دلالات المصالحة الفلسطينية
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "تسومت هامزراح هاتيخون"، المجلد الأول، عدد خاص رقم 1008

·       يرمز اتفاق المصالحة الذي وُقّع في القاهرة بين حركتي "حماس" و"فتح" إلى نهاية فترة من الانقسام الفلسطيني الداخلي العميق، والتي استمرت أربعة أعوام. فمنذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة في حزيران/يونيو 2007، أصبح هناك سلطتان متخاصمتان في الأراضي الفلسطينية، تسيطران على مناطق جغرافية منفصلة، ولكل منهما نظرته السياسية وأيديولوجيته الثقافية والاجتماعية. إلاّ إن اتفاق المصالحة أعاد الوضع على الساحة الفلسطينية إلى الفترة التي كانت تحاول خلالها كل من "حماس" و"فتح" تأليف حكومة مشتركة من دون جدوى نتيجة سعي كل منهما للسيطرة على الأخرى.

·       لقد نصّ اتفاق المصالحة على تأليف حكومة وحدة (في موعد لم يحدد بعد) تضم شخصيات مستقلة من التكنوقراط، وتكون مهمتها التحضير للانتخابات الرئاسية ولانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك خلال عام لا أكثر.

·       وفور إعلان الاتفاق المفاجىء بين "حماس" و"فتح"، حاول عدد كبير من المعلقين في وسائل الإعلام الغربية عامة، والإسرائيلية خاصة أن يحدد أي الطرفين كان الأقوى في الاتفاق، وأي طرف سيحقق مكاسب أكثر. قد يبدو، ظاهرياً، أن الطرفين قدما تنازلات وحصلا على مكاسب، لكن إذا درسنا الاتفاق بإمعان نجد أن موقع "حماس" الاستراتيجي كان أفضل من موقع أبو مازن، لذا فإن الفوائد التي قد يحصدها أبو مازن من الاتفاق هي أقل بكثير من الفوائد التي قد تحصدها "حماس"، وأول ما يتجلى ذلك في قبوله الاتفاق على الرغم من عدم تحقق الشرط الذي وضعه للمصالحة مع "حماس"، أي عودة الوضع في غزة إلى كان عليه قبل سيطرتها على القطاع.

·       إن الاعتبارات التي دفعت أبو مازن إلى توقيع وثيقة الاتفاق لها علاقة بالتغييرات الاستراتيجية التي حدثت في الأشهر الأخيرة في المنطقة، وفي طليعتها: إقصاء حسني مبارك، الحليف الاستراتيجي للسلطة الفلسطينية، عن الحكم؛ ازدياد عدم ثقة السلطة بالإدارة الأميركية بسبب التناقض في سلوكها وترددها إزاء الثورات في الشرق الأوسط؛ الأزمة العميقة التي وصلت إليها المفاوضات السياسية بين السلطة وإسرائيل وغياب الأفق السياسي؛ كشف قناة "الجزيرة" وثائق المفاوضات السياسية التي أحرجت أبو مازن وأظهرت استعداده لتقديم تنازلات بعيدة المدى تتناول قضايا جوهرية وطنية فلسطينية وفي مقدمها حق العودة. لقد اضطُر أبو مازن إلى القيام بهذه الخطوة الدراماتيكية، واعترف بسلطة "حماس" على قطاع غزة من أجل إنقاذ نفسه من الأزمة العميقة التي يعانيها على المستويات كافة.

·       ومن الممكن أيضاً أن تكون رغبة أبو مازن في دفع المشروع الفلسطيني قدماً من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود 1967 خلال شهر أيلول/سبتمبر المقبل هي التي دفعته إلى القيام بخطوة كهذه. إذ يسعى أبو مازن لتقديم نفسه كرئيس متفق عليه من جميع الأطراف على الساحة الفلسطينية، ومسيطر بصورة فعلية، لا رمزية، على أراضي السلطة الفلسطينية كافة. وهو يريد من خلال خطوته هذه "تأهيل" حركة "حماس" في نظر المجتمع الدولي عبر ضمها إلى السلطة الفلسطينية، الأمر الذي قد يؤدي، بالتدريج، إلى كبح الحركة على الصعيدين النظري والعملي، وهذا من شأنه استمالة الأطراف الدولية، التي ما زالت تدرس موقفها بشأن إعلان قيام الدولة الفسلطينية المستقلة، قبل مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.

·       تختلف الاعتبارات التي دفعت "حماس" إلى الاتفاق مع "فتح". لكن، يبدو واضحاً أن "حماس" تفوقت على أبو مازن نتيجة التطورات الإقليمية التي جاءت لمصلحتها، وفي مقدمها سقوط نظام حسني مبارك الذي وقف موقفاً عدائياً منها ومجيء حكم ينتهج خطاً أكثر مرونة تجاهها، والضعف الذي طرأ على مكانة الولايات المتحدة، المعادية لها، في المنطقة. كذلك يمكن أن تكون موافقة "حماس" على اتفاق المصالحة تعبيراً عن رغبتها في المشاركة في المسعى الدولي الشامل للتحدي المطروح في أيلول/سبتمبر، وتقديرها أن في استطاعتها تحقيق عدد من الأهداف من خلال انضمامها إلى الحكومة الفلسطينية في الوقت الراهن، مثل توسيع شرعيتها على الساحة الدولية، وتسهيل نشاطها في الضفة الغربية، والتوصل إلى إطلاق معتقليها في سجون السلطة. وحتى الآن، لا صحة للادعاءات الإسرائيلية أن "حماس" اضطُرت إلى توقيع الاتفاق خوفاً من تصاعد الانتقادات ضدها في الشارع الفلسطيني في الضفة، أو بسبب إدراكها أنها ستفشل في مواجهتها العسكرية ضد إسرائيل في أعقاب نشر منظومة "القبة الحديدة" حول القطاع في الأشهر الأخيرة.

·       إن اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس" يطرح عدة تساؤلات على إسرائيل:

1-                       ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت المصالحة الداخلية الفلسطينية وتأليف حكومة وحدة ستشجعان المجتمع الدولي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة في أيلول/سبتمبر المقبل، أم أنهما ستضعفان مثل هذا التوجه. إذ قد يشكل انضمام "حماس" التي تعتبر تنظيماً إرهابياً من جانب أغلبية دول العالم، إلى الحكومة الفلسطينية، ورقة تستطيع إسرائيل استخدامها على الصعيد الدولي، ولا سيما الغربي، وذلك عبر خطوات دبلوماسية وإعلامية فورية.

2-                        إمكان زيادة قوة "حماس":

أ‌-           في قطاع غزة: إن تأليف حكومة تشارك فيها "حماس" من شأنه أن يمنحها اعترافاً دولياً، ويحصّنها ضد أي ضربة إسرائيلية، كذلك سيضر بهامش المناورة العسكرية التي تملكها إسرائيل في مواجهة الحركة التي سيصبح زعماؤها وقادتها جزءاً من حكومة أبو مازن. لكن من المستبعد أن توافق "حماس" على مطالبة أبو مازن لها بتفكيك أجهزتها الأمنية في القطاع.

ب ـ في الضفة الغربية: إن تأليف حكومة فلسطينية مشتركة سيساعد "حماس" مستقبلاً في تعزيز نفوذها في الضفة حيث تعاني حالياً من قيود مفروضة عليها من إسرائيل ومن السلطة الفلسطينية. ومن الممكن أيضاً أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مشكلة خطيرة لدى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد عام، والتي ستشارك فيها "حماس"، وستحظى على الأرجح بمباركة المجتمع الدولي والولايات المتحدة.

3-                       يطرح الاتفاق مع "حماس"، وتأليف حكومة الوحدة علامات استفهام إزاء الطريقة التي ستتعامل بها إسرائيل مع سلطة أبو مازن على الصعد كافة، ولا سيما على الصعيد السياسي، والتسوية السلمية بين الطرفين، بالإضافة إلى عدد من المسائل التكتيكية، مثل استمرار التعاون على المستوى المدني وفي إطار أجهزة التنسيق الأمنية، ونقل أموال الضرائب على الجمارك إلى السلطة الفلسطينية.

4-                       لقد أدت مصر دور عرّاب الاتفاق الحالي، وهذا الدور هو استمرار لدورها السابق، إلاّ إنه حمل شيئاً جديداً، فهي من جهة تواصل القيام بدورها التاريخي كوسيط بين الأطراف الأساسية على الساحة الفلسطينية عبر الحفاظ على نفوذها لديهم، ومن جهة أخرى قامت بخطواتها هذه من دون تنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة. وثمة ما هو أكثر من ذلك، إذ أعلن وزير الخارجية المصري، فور توقيع الاتفاق، رغبة بلاده في إعادة فتح معبر رفح في وقت قريب، كذلك أصدر رئيس أركان الجيش المصري بياناً مشابهاً بهذا الشأن، طالباً من إسرائيل عدم التدخل في المعبر. وتدل هذه الخطوات التي تتعارض مع اتفاقات سابقة جرى توقيعها بين إسرائيل ومصر بوساطة أميركية على تغير مقلق في سلوك الحكم المصري الجديد على الساحة الفلسطينية.

5-                       يبدو، حتى الآن، أن المسار الفلسطيني الداخلي ينطوي على مخاطر بالنسبة إلى إسرائيل أكثر مما يحمل فرصاً، لأنه يعزز قوة الأطراف المتطرفة الفلسطينية، ويقلص من إمكانات التوصل إلى تسويات سياسية مع إسرائيل في المدى القريب.

فلسطينياً، من المنتظر أن يؤدي اتفاق المصالحة إلى فترة طويلة من الاتصالات من أجل تأليف حكومة مشتركة. فمنذ الآن، بدأت تبرز العقبات بين الطرفين، وفي مقدمها مستقبل الأجهزة الأمنية التابعة لـ "حماس" في غزة في ظل مطالبة أبو مازن بتفكيكها ودمجها في أجهزة السلطة الفلسطينية، ومستقبل التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي تتحفظ منه "حماس" بشدة. وهذا كله ظهر قبل البدء بمناقشة الخطوط الأساسية لحكومة الوحدة، إذ يُتوقع أن تستمر هذه الاتصالات وقتاً طويلاً، وأن تشهد كثيراً من الصعود والهبوط، ومن الممكن أن تصل إلى حائط مسدود. لكن على الرغم من هذا كله، فإن من مصلحة الطرفين إنجاز هذه الاتصالات قبل أيلول/سبتمبر لإدراكهما الأهمية الفائقة لتأليف حكومة مشتركة قبل إعلان دولة فلسطينية مستقلة.