· أدى عدم الاستقرار في المنطقة إلى بروز نوع جديد من التهديدات لإسرائيل، والتي لا يرجع سببها إلى قوة الدول المجاورة لها وإنما تحديداً إلى ضعف هذه الدول. فالضغط الكبير الذي يمارسه الداخل على السلطة المركزية في دول مثل مصر وسورية، والصعوبة التي تلاقيها هذه الأنظمة في فرض سيطرتها على أراضيها أديا إلى ظهور مخاطر استراتيجية وعملانية وتكتيكية جديدة على إسرائيل.
· على الصعيد الاستراتيجي، قامت العقيدة الأمنية الإسرائيلية على القدرة على ردع جيران إسرائيل، لكن في غياب سلطة مركزية قوية في هذه الدول، ولا سيما في ظل حرب أهلية، تضعف السلطة المركزية وتضمحل، ولا يعود واضحاً كيفية تطبيق نظرية الردع.
· على الصعيد العملاني، قد تعمد الأنظمة العربية المهددة بالسقوط إلى المبادرة لشن هجوم على إسرائيل من أجل دعم شرعية سلطتها. ويصح ذلك على الأنظمة المهددة بالسقوط، كما يصح على الأنظمة الجديدة التي تسعى لتوطيد شرعيتها. كذلك، فإن ضعف سيطرة جيراننا على المناطق الحدودية مع إسرائيل من شأنه أن يوجِد منطقة لانطلاق العمليات ضدنا. فعلى سبيل المثال، يستغل عناصر الجهاد العالمي ضعف سيطرة السلطات المصرية على سيناء من أجل استخدام المنطقة لتهديد إسرائيل. كما أن ضعف السيطرة على المنطقة الحدودية من شأنه أن يولد تحديات جديدة، مثل تسهيل عبور المتسللين وتهريب المخدرات.
· إن الجيش الإسرائيلي مستعد جيداً لمواجهة هذا الوضع، لكن علينا الاعتراف بحقيقة مهمة هي محدودية قدرة إسرائيل على التأثير فيما يجري في الدول المجاورة لها. لكن، وعلى الرغم من ذلك، يمكننا القيام بعدد من الأمور والإسراع في تطوير الوسائل التي من شأنها ردع الأطراف الجديدة التي تشكل تهديداً لنا، ويمكننا في هذا المجال العودة إلى التجربة الإسرائيلية في مواجهة عدم الاستقرار السياسي في سورية خلال فترة الخمسينيات، وتجربة مواجهة الإرهاب من لبنان الذي بدأ في الستينيات.
· ومن المفيد ألاّ ننسى أن ضعف جيراننا قد يشكل خطراً علينا، لكنه أيضاً ينطوي على فرصة. فعلى سبيل المثال، سيُضعف سقوط النظام السوري محور إيران – حزب الله الذي يعتمد على النظام في دمشق. من هنا ضرورة أن نفهم بصورة واضحة ما يحيط بنا، وعدم التركيز فقط على النخبة السياسية التقليدية، من دون السعي لفهم اللاعبين الجدد الصاعدين إلى الحياة السياسية ومتابعتهم عن كثب، وأيضاً أولئك الذين لا ينشطون داخل المؤسسات السياسية.
· في النهاية علينا أن نعزز التنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية التي تشاطرنا المخاوف مما يجري، وأن نتعاون معها من أجل إيجاد واقع إقليمي أكثر ملاءمة. وعلى هذا الصعيد، من الأهمية بمكان ترميم العلاقات مع تركيا التي تشعر مثلنا بالقلق إزاء الاضطرابات الداخلية في سورية، إذ تواجه تركيا مشكلة تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها، وهذا ما تتوقع إسرائيل مواجهته أيضاً وفقاً لما قاله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بني غانتس. هكذا، أدى موضوع اللاجئين السوريين إلى بروز مصلحة مشتركة بين القدس وأنقرة في قيام حكم مستقر في دمشق، أو إيجاد ممرات إنسانية دولية تساهم في حل ضائقة المدنيين السوريين.
وعلى الرغم من أن توجهات السياسة الخارجية التركية تجاه إسرائيل باتت أقل انفتاحاً مما كانت عليه في الماضي، فإن اللقاءات التي حدثت في الخريف بشأن الاعتذار الإسرائيلي [من تركيا على حادثة الاعتداء على أسطول المساعدات إلى غزة سنة 2010] دليل على أن أنقرة والقدس على وشك حل خلافاتهما، إذ إن الوضع في سورية يستوجب حل هذه الخلافات في أقرب وقت ممكن.