· دفعت إسرائيل، في مقابل اتفاق السلام الذي أبرمته مع مصر في آذار/ مارس 1979، ثمناً باهظاً للغاية تمثل في الانسحاب من شبه جزيرة سيناء، وإخلاء المستوطنات التي أقامتها هناك، والتنازل عن مبدأ عدم الانسحاب إلى حدود 1967. غير أنها في الوقت نفسه حظيت بما يلي: اتفاق سلام مع أكبر الدول العربية وأقواها؛ جعل سيناء منطقة منزوعة السلاح؛ سيطرة الهدوء على منطقة الحدود الجنوبية على مدار الأعوام الـ 33 الفائتة؛ بقاء قطاع غزة في يدها.
· وليس من المبالغة القول إن الإنجاز الأهم لهذا الاتفاق كامن في الهدوء المسيطر على الجبهة الجنوبية منذ توقيعه، وذلك على الرغم من أننا لم نحقق الاستفادة القصوى من هذا الهدوء على المستوى الداخلي، وخصوصاً بالنسبة إلى خفض أيام الخدمة العسكرية الإلزامية، وتقليص حجم الجيش الإسرائيلي وميزانيته العامة.
· من ناحية أخرى فإن اتفاق السلام مع مصر جعل القضية الفلسطينية تتصدر جدول الأعمال الإقليمي، وذلك في ضوء بقاء قطاع غزة في يد إسرائيل، وفي ضوء تطرق الاتفاق أيضاً إلى ضرورة منح الفلسطينيين في منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة حكماً ذاتياً بصورة كاملة. مع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية التي وقعت الاتفاق (برئاسة مناحيم بيغن) وكل الحكومات التي جاءت بعدها استمرت في إقامة المستوطنات في هاتين المنطقتين.
· وبسبب هذه المستوطنات نشأ في الضفة الغربية وضع يعيش فيه نوعان من السكان يخضع كل نوع منهما لمنظومة قانون تختلف عن الأخرى، إذ يخضع المستوطنون اليهود لمنظومة القانون الإسرائيلية المدنية، بينما يخضع الفلسطينيون لمنظومة القانون العسكرية. وهو وضع لا يُطاق، ويتيح إمكان توجيه انتقادات قاسية وصعبة ضد إسرائيل في شتى المحافل القانونية الدولية.
· ومع أن احتمال التوصل إلى اتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين في الوقت الحالي يبدو ضئيلاً للغاية، إلاّ إن الهدوء المسيطر على الضفة الغربية يجب ألاّ يضللنا، وفي الوقت نفسه ثمة احتمال بأن تتحرك الولايات المتحدة لدفع عملية التسوية قدماً بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ويمكن أن تتخذ مصر في ظل سلطتها الجديدة خطوات مماثلة. بناء على ذلك فإن تسوية النزاع مع الفلسطينيين على وجه السرعة تنطوي على مصلحة إسرائيلية داخلية وإقليمية ودولية.