العلاقات الإسرائيلية الصينية إلى أين؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في سياق التنافس الاستراتيجي ما بين القوى العظمى، سيتوجب على الحكومة الإسرائيلية الـ37 المناورة بينها بحذر. بنيامين نتنياهو، الذي دفع بتطوير العلاقات الإسرائيلية - الصينية بشغف خلال الأعوام العشرة الماضية، سيتوجب عليه المناورة مرة أُخرى بين الولايات المتحدة والصين؛ وبين الاقتصاد والأمن القومي.
  • منذ بداية العقد الماضي، تبنّت الحكومات الإسرائيلية سياسة واضحة، مفادها تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين في مجالات الاختراعات والاستثمار والمشاريع والتبادل التجاري. نتنياهو الذي صاغ العلاقات حينها، رأى في الاقتصاد الصيني الذي ينمو فرصة مهمة لإسرائيل، و"الزواج" الأمثل ما بين اختراعات الشركات الناشئة الإسرائيلية وبين حاجات الصين التكنولوجية، ورأس مالها وسوقها. نتنياهو يصف سياسته في كتابه الجديد: "كأغلبية القيادات الغربية، سرت على حبل دقيق في علاقتنا بالصين. من جهة، أردت فتح السوق الصينية الكبيرة جداً أمام المستثمرين الإسرائيليين، و... زيادة الاستثمارات الصينية لدينا - وبصورة خاصة في مجال البنى العامة ومن جهة أُخرى، كنت صريحاً مع ضيوفي الصينيين بشأن... التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية التي لا يمكننا مشاركتها معهم... هذا كان التزاماً حديدياً تجاه الولايات المتحدة، حليفتنا الأكبر، التي نشارك معها الكثير من هذه التكنولوجيا." وفعلاً، كانت السياسة الإسرائيلية في العلاقات مع الصين في تلك الفترة هي الدفع بأقصى قوة بالعلاقات الاقتصادية، مع التشديد على الاختراعات، باستثناء المجال العسكري - الأمني.
  • وبعد ضغوط مارستها إدارة دونالد ترامب على القدس للحد من علاقاتها مع الصين في مجالات لها إسقاطات على الأمن القومي - وخصوصاً الاستثمارات في البنى التحتية والاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا - قررت حكومة نتنياهو في سنة 2019 تشكيل لجنة استشارية لبحث قضايا الأمن القومي في الاستثمارات الأجنبية. كثيرون في البلد والولايات المتحدة اعتبروا هذا محاولة للسير بين قطرات المطر، الهدف منها المناورة ما بين مطالب الولايات المتحدة والفرص الاقتصادية في الصين.
  • يبدو أن حكومة بينت - لبيد استمرت في السياسة نفسها، لكنها عملياً، قامت بتغيير صامت في العلاقات مع الصين، ومع الولايات المتحدة. فعشية اللقاء الأول ما بين نفتالي بينت والرئيس الأميركي جو بايدن، جاء في بيان أن الحكومة لا تتجاهل قلق الولايات المتحدة حيال العلاقات مع الصين، وترى في ذلك قضية أمن قومي. وفي تموز/يوليو 2022، نُشر البيان المشترك للرئيس بايدن ويائير لبيد بشأن إقامة حوار استراتيجي بشأن التكنولوجيا المتطورة، برئاسة مستشاريْ الأمن القومي جيك سوليفان وإيال حولاتا. وفي تشرين الأول/أكتوبر، قررت الحكومة تقوية المنظومة الاستشارية بشأن الاستثمارات الأجنبية. وبدوره، قال السفير الأميركي في إسرائيل توم نيدز إن الإدارة وصلت إلى تفاهمات مع إسرائيل بشأن التجارة مع الصين أيضاً، وأن إسرائيل ستعزز الرقابة على بيع التكنولوجيا المحلية للصين، تخوفاً من وقوعها في أيدٍ عدوة. إذاً، فسياسة إسرائيل في تلك الفترة كانت تطوير علاقات اقتصادية آمنة وخصبة مع الصين، برقابة متصاعدة وقيود أُخرى، إلى جانب تقوية الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وبصورة خاصة التكنولوجيا والاختراعات. مسؤولون في الإدارة في واشنطن عبّروا مؤخراً عن تقديرهم للجهود التي قامت بها إسرائيل في مجال الرقابة على الاستثمارات الأجنبية (تستحق علامة عالية)، وللتغيير الذي جرى في أيام الحكومة السابقة، وتوقعوا استمرار التقدم.
  • بأيّ سياسة سيدفع نتنياهو الآن؟ في مقابلة مع باري ويس قال: "بشغف، قمت بدفع إسرائيل للانفتاح على التجارة والمبادرات الاقتصادية مع الصين، وأعتقد أنني سأستمر في ذلك. صحيح أن قضايا الأمن القومي على رأس سلّم أولوياتنا، كما الآخرين. سنستمر في العمل مع الصين، لكننا في الوقت نفسه، سنحافظ على مصالحنا الوطنية." وفعلاً، خلال خطابه لدى تأليف الحكومة في الكنيست، أعلن عن الدفع قدماً بمشروع "القطار السريع" من إيلات إلى "كريات شمونة"، وهو مشروع حاول القيام به سابقاً، بمساعدة صينية.
  • العالم تغيّر كثيراً في العقد الأخير. المنافسة بين القوى العظمى احتدمت وانزلقت إلى فرض قيود دراماتيكية على تصدير التكنولوجيا، والحرب في أوكرانيا، واحتمال الصدام العسكري في تايوان. نتنياهو لا يستطيع السباحة في النهر نفسه مرتين، ومساحة المناورة لدى إسرائيل ما بين القوى العظمى، وخصوصاً في المجال التكنولوجي، تقلصت كثيراً. فترة "الزواج" التي كانت في بداية العقد الماضي انتهت. ديمقراطيات كثيرة تعيش المعضلة التي تعيشها إسرائيل، يمكن أن تكون شريكة ذات صلة في التكنولوجيا الآمنة.
  • وعند الأخذ بعين الاعتبار القضايا السياسية المهمة الآن بين القدس وواشنطن - وإيران والفلسطينيين، وروسيا، وأوكرانيا والشؤون الداخلية- ستكون علاقات القدس مع بيجين شأناً لا مصلحة للحكومة في الدخول في نزاع مع الولايات المتحدة من أجله، وخصوصاً أن الصين على رأس سلّم أولويات الولايات المتحدة. على حكومة إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار حساسية أميركا إزاء هذا الموضوع. الحوار التكنولوجي يفتح أمام إسرائيل آفاقاً جديدة للتعاون مع حليفتها الأكبر، ويسمح لها بزيادة أهميتها في عيون الحليفة. سيكون من الأفضل للحكومة الجديدة بناء سياساتها على الأساسات التي وضعتها الحكومات السابقة منذ سنة 2019: تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين، بحسب اعتبارات الأمن القومي، والدفع قدماً بحوار استراتيجي - تكنولوجي مع واشنطن، بهدف تطوير التكنولوجيا الإسرائيلية ضد التحديات الخارجية، وبهدف تقوية العلاقات مع الحليف الأكبر من بين الحلفاء.

 

 

المزيد ضمن العدد