الحرب في أوكرانيا ترمز إلى ما ينتظر إسرائيل؛ وليس في ساحة المعركة فقط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • "لا نحتاج إلى تخيُّل الحرب المقبلة؛ إنها هنا أمامنا"، هذا ما يشير إليه مستند داخلي تم توزيعه مؤخراً في قيادة هيئة الأركان العليا، والمقصود طبعاً الحرب في أوكرانيا.
  • فاجأ الأوكرانيون العالم، وحتى أنفسهم، عندما نجحوا في وقف الاجتياح الروسي لأراضيهم خلال الشتاء الماضي، ومنعوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تنصيب حكومة دمى في كييف. إلّا إن الحرب الأكثر إجراماً التي شهدتها أوروبا خلال القرن الحالي، لا تزال مستمرة بعنف، وتحصد الضحايا.
  • والأسوأ من ذلك، يبدو أن بوتين يخطط لهجوم في الربيع، وسيحاول مرة أُخرى إخضاع أوكرانيا، التي تأمل بمساعدتها بواسطة جسر جوي كبير من الغرب، يتضمن للمرة الأولى مئات الدبابات، بهدف التصدي للمحاولة المقبلة. وكجزء من المساعدات، نشرت "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة ستحوّل الكثير من الأسلحة الموجودة في مخازن المساعدات في إسرائيل، إلى هناك، وأرسلت إلى أوكرانيا عشرات الآلاف من قذائف الدبابات.
  • الحرب في أوكرانيا مهمة بالنسبة إلى إسرائيل على صعيدين: الأول، هو التغيير الاستراتيجي في الساحة الدولية والشرق الأوسط. فالحرب أرغمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تبنّي سياسة أكثر حزماً ضد التوسع الروسي، وركزت اهتمام الغرب في شرق أوروبا (بالإضافة إلى الصين) على حساب الشرق الأوسط، كما أدت إلى حلف ما بين موسكو وطهران. المساعدة الإيرانية في الجهد الحربي الروسي استفزت الغرب، ويبدو أنها قضت على احتمالات العودة إلى الاتفاق النووي.
  • ثانياً، تحولت أوكرانيا إلى مختبر قتال كبير جداً، فأغلبية جيوش العالم تتابع ما يجري فيه، بهدف معرفة الاتجاهات المستقبلية. المستند العسكري الداخلي يلخص عدة ظواهر مركزية من المؤكد أنها ستكون محسوسة أيضاً في حروب إسرائيل، إذا اندلعت. إذ يحدد، وبلغة عسكرية واضحة، بعض الاتجاهات التي شهدت تطورات كثيرة: الدقة (بما معناه إنتاج أكبر لقذائف ومسيّرات يمكن توجيهها إلى الأهداف بدقة)؛ كثافة الطبقة القريبة من الأرض (أي إغراق السماء بالكثير من المسيّرات على علوّ منخفض)؛ الحرب الإلكترونية؛ الحملات على الوعي؛ استعمال الذكاء الاصطناعي والحاجة إلى الدفاع عن القوات العسكرية.
  • بحسب كتاب المستند، فإن الحرب تنتقل "من ساحة المعركة إلى منطقة المعركة"-أي أنها تتوسع على مساحة أكبر، وضمنها مناطق مدنية آهلة كثيفة البناء. كما أنها تتحول إلى "متعددة الأبعاد والأذرع"-أي أنها تحدث تحت الأرض وفي السماء، وتندمج فيها عدة أشكال من القتال. هذا كله سيكون له أهمية في خطط بناء قوة الجيش، بقيادة قائد هيئة الأركان الجديد هرتسي هليفي الذي تولى منصبه هذا الأسبوع.
  • رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي، بدأ ولايته قبل أربعة أعوام بسلسلة طويلة من الورشات في الأذرع المختلفة والهيئات، وفي ختامها، صاغ خطته الطموحة المتعددة الأعوام "تنوفا". بحسب رؤية كوخافي، الجيش استند إلى دمج قاتل للاستخبارات، والتكنولوجيا المتطورة والنيران الدقيقة، بالإضافة إلى نجاعة تجميع الأهداف والهجوم.
  • وكعامل مساعد، تمت تقوية المناورة البرية قليلاً. وهنا، يوجد خلاف ما بين كوخافي، الذي يعتقد أنه قام بثورة في هذا المجال، وبين منتقديه الذين يدّعون أن البنية مفككة جداً، بسبب ضعف بعض وحدات الاحتياط، وهو ما سيمنع تحقيق الأهداف في حالة الحرب. السؤال الإضافي في حالة الحرب يتعلق بموقف الحكومة والمجتمع من الحرب الشاملة. هل ستؤدي الأضرار على الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى دعم، وحتى مطالبة بخطوة هجومية واسعة يقوم بها الجيش، على الرغم من الخسائر الناجمة عنها؟
  • ولاية هليفي ستكون استمرارية. فهو يعلم بأن جزءاً من وظيفته سينصب على جعل بعض أفكار كوخافي الطموحة، التي لم يتم تطبيقها بالكامل وبقيت داخل وحدات النخبة، أكثر واقعية ومنتشرة في الوحدات البرية الكبيرة. في الأشهر الأولى، سيكون عليه الهروب من فخّين بانتظاره ومرتبطان ببعضهما بشكل أو بآخر: الأول، هو الأزمة السياسية الحادة، بسبب نيات الحكومة ضد النظام القضائي؛ أما الثاني، فيتعلق باحتمال التصعيد في الضفة الغربية، كنتيجة للتوتر مع الفلسطينيين، والذي يمكن أن يتصاعد بسبب الخطوات التي يدفع بها اليمين المتطرف في الحكومة. يمكن لإسرائيل أن تجد نفسها في ظل تصعيد مضاعف-داخلي بسبب الوضع السياسي، وعسكري مقابل الفلسطينيين. وفي هذه الظروف، يمكن لهذا المزيج أن يؤثر في الدافع إلى الخدمة العسكرية، وبصورة خاصة في وحدات الاحتياط.
  • كان كوخافي على أعتاب انتفاضة ثالثة العام الماضي. لم تحدث، لكن الضفة تعيش حالة ثابتة من المواجهة على درجة متوسطة، تتطلب من الجيش التركيز وتحويل الموارد أكثر فأكثر. في سنة 2018، وخلال نهاية ولاية غادي أيزنكوت كرئيس لهيئة الأركان، تفاخر الجيش بعودته إلى نموذج 17:17، أي أوقات متساوية من التدريب والعمليات في الوحدات البرية والدبابات.
  • في العام الماضي، انخفضت وتيرة التدريبات بالتدريج، بسبب التصعيد في الضفة الغربية. هيئة الأركان تأمل هذا العام، وفي أفضل الأحوال، بالوصول إلى 12 أسبوع تدريب في الوحدات القتالية-معطى قليل جداً. هليفي الذي يميل إلى كونه محافظاً بكل ما يخص بناء القوة، سيكون عليه الانشغال بالفيل داخل الغرفة: نموذج التجنيد الحالي الذي لم يعد ملائماً لمتطلبات الجيش، ويعاني جرّاء مشاكل على طول الطريق-التجنيد، والتوقيع على خدمة ثابتة، ومنظومة الاحتياط.
  • مركز "القدس للاستراتيجيا والأمن" عقد أول أمس ندوة تحت عنوان "أزمة منظومة الاحتياط: هل نحن مستعدين للحرب المقبلة؟" آراء الكثير من المشاركين، من جنرالات سابقين وقادة وحدات في جيش الاحتياط، كانت متشائمة بشكل ملحوظ. المتحدث الرسمي الوحيد من طرف الجيش الجنرال ساعر تسور، لم ينضم إلى الإقرار أن الحديث يدور عن أزمة، إنما اعترف بوجود صعوبات.
  • الجيش يعي حجم الضغط على عدد قليل من جنود الاحتياط-1% فقط من المواطنين يخدمون في جيش الاحتياط بصورة فعلية، أي تمت دعوتهم لأكثر من 20 يوماً متراكماً للخدمة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية (سقف منخفض جداً). هذا بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يزداد التصعيد الأمني في الضفة، وهو ما سيزيد في الضغط على وحدات الاحتياط في العام المقبل. الرسالة المركزية لتسور، بالتنسيق مع هليفي مسبقاً: الجيش يولي أهمية عالية لوحدات الاحتياط، والحاجة إليها ستستمر، ولا يخطط لأي تقليص إضافي في المنظومة خلال الأعوام المقبلة.

ثمن العملية

  • في الأشهر الأولى بعد انتشار وباء كورونا في سنة 2020، كانوا في هيئة الأركان متفائلين، على الأقل في موضوع واحد. حالة الطوارئ التي دخلت فيها الدولة والإغلاقات الطويلة، التي دفعت بالجيش إلى الدخول إلى الصورة. تم تفعيل الجبهة الداخلية بصورة واسعة، بهدف مساعدة الحكومة والسلطات المحلية. مساعدة خاصة كانت مطلوبة في البلدات العربية التي تلقت ضربات كثيرة وصعبة نسبياً في بداية الجائحة، وشعر سكانها بالأضرار الاقتصادية نتيجة إغلاق السوق. التفاؤل جاء بسبب "الترحيب" الذي استُقبل فيه ضباط وجنود الجبهة الداخلية في البلدات والقرى العربية. للمرة الأولى، لم يكن هناك أي مشكلة في الوجود هناك بالملابس العسكرية.
  • التعاون بات أفضل. حتى أن المتفائلين ذهبوا إلى استنتاجات بخصوص المستقبل. وقدّروا أنه من الممكن أن نكون على أعتاب تغيير أكبر. تقوية العلاقات مع الدولة يمكن أن تنعكس، مستقبلاً، في استعداد الشباب للمشاركة في الخدمة الوطنية، إذا استثمرت الحكومة، وافتتحت مسارات خدمة داخل التجمعات العربية.
  • هذه التوقعات لم تتحقق حتى اليوم. وأكثر من ذلك، ما جرى هو مسار عكسي تبين أنه أقوى، تأثر وانعكس في حملة "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021. حينها، وفي أعقاب التوتر في القدس والمواجهة العسكرية مع "حماس" على حدود قطاع غزة، اندلعت مواجهات صعبة في البلدات العربية، وبصورة خاصة في "المدن المختلطة"، كالرملة واللد وعكا. وكجزء من "العنف المتصاعد"، كان هناك محاولات لإغلاق محاور الطرق الرئيسية في الدولة، بشكل ذكّر بأحداث "تشرين الأول/أكتوبر 2000"، حين "قُتل" 13 مواطناً عربياً في المواجهات مع الشرطة.
  • عملية "حارس الأسوار" أيقظت مخاوف قديمة. بعد ذلك بعام ونصف، بات من الواضح الاتجاه الذي يميل إليه الجيش. ففي الوقت الذي يتجهز الجيش والجبهة الداخلية لحرب متعددة الجبهات، يمكن أن تتضمن الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، إلى جانب مواجهات داخل الخط الأخضر، لا يوجد الكثير من الآمال بشأن "الأخوّة بين الشعوب". الوحدة مع الجمهور العربي محصورة في الكوارث الطبيعية والأوبئة. أما سيناريوهات الحرب الشاملة، فإنها تتضمن تدريبات على مواجهات عنيفة ومحاولات لإغلاق الطرق.
  • وفي هذا الإطار، تم مؤخراً رصد نحو 90 موقع احتكاك ممكناً، سيكون على المنظومة الأمنية "فرض النظام" فيها، من خلال وحدات "الحرس القومي" (هذه الأماكن الآن في يد الجيش، وذلك من خلال وحدات الاحتياط التابعة لحرس الحدود)، وإلى جانبها قوات احتياط تابعة للجبهة الداخلية. طريقة التفكير تغيرت. ومجرد الانشغال بإمكانية التصعيد والمواجهة، يقلل من احتمال تحسين العلاقات مع الجمهور العربي وقياداته المحلية في حالات الطوارئ التي لا تتضمن حرباً.

صورة تخريج

  • بعد تسلُّم هليفي منصبه، باتت القيادة الأمنية الإسرائيلية جميعها، وللمرة الأولى، مركّبة من خريجي الوحدات الخاصة. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس الموساد دافيد برنيع، هم خريجو وحدة "متكال"؛ هليفي كان قائد الوحدة؛ أما وزير الأمن يوآف غالانت فكان قائداً للكوماندوس البحري. الخلفية المتشابهة تشير مرة أُخرى إلى قدرة الجيش على رصد القدرات المهمة-المبادرة، القدرة على حل المشاكل، والقيادة-وفي مراحل مبكرة، في أوساط المتجندين أبناء الـ 18 عاماً. وعلى الرغم من ذلك، فإن نقاشاً قديماً يدور حول ما إذا كانت الفقاعة النخبوية للوحدات الخاصة تعكس ما يجري في الجيش، أو أن الامتحان الحقيقي يجري في قيادة الوحدات الأقل نخبوية.
  • ومن بينهم جميعاً، يبدو مسار هليفي العسكري مختلفاً: لقد بدأ مسيرته في الوحدات البرية، ثم انتقل إلى وحدة "متكال"، فقط بعد أن خدم كقائد في وحدة المظليين. وهذه الأعوام-أعوام الانتفاضة الأولى في الضفة والحزام الأمني في الجنوب اللبناني-هي التي شكلت شخصيته كقائد. صديق أنهى دورة قيادة برفقة هليفي في سنة 1987، أرسل لي هذا الأسبوع ورقة التخريج من الدورة، التي يوصف فيها قائد هيئة الأركان المستقبلي بأنه "شخصية مميزة ذات صفات فريدة". خريجو الدورة نفسها، أربعة منهم على الأقل، هم قيادات وحدات خاصة. هذه هي المجموعة التي قادت الجيش المقاتل في الأعوام التي تلت الانتفاضة الثانية وكل ما حدث بعدها.
  • وفي هذه الجماعة أيضاً هناك الكثير من المقاعد الفارغة، التابعة لمن قُتلوا على الطريق، وبصورة خاصة في لبنان وفي عمليات أُخرى وتدريبات في التسعينيات، عندما كانوا لا يزالون شباباً. قبل عامين، انضممت إلى وزير الدفاع السابق بني غانتس خلال "زيارة" إلى الضفة. جزء كبير من القادة الذين التقاهم هناك كانوا جنوداً لديه سابقاً، مظليين، وفي وحدات الربط مع لبنان في قيادة الجبهة الشمالية. وفي ختام "الزيارة"، وبعد أن ودّع قائد المنطقة، ذكر غانتس: كان معه هناك 7 مثله في وحدة المظليين، جميعهم قُتلوا.
  • فقدت وحدة المظليين في تلك الفترة عدة قيادات واعدة، كان من المفترض أن تشكل القيادة المستقبلية. الرواية التي استناداً إليها، يجب على الضابط أن يهاجم على رأس جنود ويقود الهجوم عندما يجب، دفعت الثمن مرتفعاً. هذه نقطة يجب أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار الخروج في عملية عسكرية مستقبلاً.
 

المزيد ضمن العدد