لماذا لم يشارك العرب في الاحتجاج بكثافة؟
تاريخ المقال
المصدر
- خرج معسكر السلام إلى الشوارع للتظاهر ضد حكومة نتنياهو السادسة، حين لم يبق لديه خيار آخر: إصلاح قضائي غير مسبوق يمكن أن يغيّر طبيعة النظام، اتفاقات ائتلافية تشكل تمييزاً كبيراً ضد الأقليات عموماً، والعرب والمثليين خصوصاً، وزراء في الحكومة يهددون بإغلاق قنوات تلفزيونية-وأعضاء في الائتلاف يطالبون بفرض قيود على مساهمة النساء في المجتمع، وفي تربية الأولاد وتأسيس عائلة. هذا الجمهور الذي يتظاهر اليوم في الشوارع ضد الحكومة هو الذي ألّف أول حكومة يشارك فيها العرب الذين غابوا عن التظاهرات بصورة كبيرة.
- صحيح أن منصور عباس وأيمن عودة عبّرا عن تقديرهما لمنظّمي الاحتجاج من خلال حضورهما في التظاهرة-من دون مشاركة الجمهور، على الرغم من دعوات المنظمين العرب إلى المشاركة-ومن دون شك، فإن أغلبية الأعلام الفلسطينية التي رُفعت في ساحة هبيما، رفعها يهود وليس عرباً. وباستثناء بضع عشرات، فإن العرب غابوا عن الساحة.
- الجمهور العربي مهدد أكثر من أي جزء آخر من المعسكر الاحتجاجي، لكنه لا يشعر بالحاجة إلى المجيء إلى تل أبيب للتظاهر ضد الحكومة لعدة أسباب. هناك مَن يقول إن حكومة بن غفير وسموتريتش ونتنياهو ليست أسوأ، بصورة جوهرية، من سائر الحكومات الإسرائيلية على مدى السنوات في سياستها حيال العرب، وخصوصاً في موضوعات أساسية تتعلق بالحقوق والمساواة، وقانون القومية والعلاقة بالمشكلة الفلسطينية.
- وهناك من يدّعي، وخصوصاً من المقترعين المتماهين مع حداش-تاعل، أن المتظاهرين في تل أبيب ليسوا شركاءهم في النضال، ولا ينظرون إلى النضال بالطريقة نفسها: وهم اعتبروا حكومة بينت-لبيد السابقة حكومة خطِرة ويجب إسقاطها، وحاربوا ضد مشاركة راعام في هذا الائتلاف، واعتقدوا أن هذه الخطوة غير صائبة، وتؤذي الشراكة اليهودية –العربية التي يريدون الدفع بها قدماً، والتي لا تتطابق مع معايير بني غانتس وجدعون ساعر ونفتالي بينت ومنصور عباس ويائير لبيد.
- وما لا يقل أهمية عمّا ذُكر أعلاه الإحباط واليأس اللذان يرافقان كل حديث وتحرُّك سياسي للعرب في إسرائيل. المواطنون العرب لا يشعرون بأن لديهم ما يتطلعون إليه، أو يحاولون تغييره، بعد خمس معارك انتخابية وأحزاب مروا بها. وبخلاف كامل مع الذين يعتبرون أنهم يخوضون حرباً دفاعاً عن دولتهم، يشعر الجمهور العربي بعدم انتماء واضح للدولة التي لم تنجح في منع مقتل 116 مواطناً بريئاً في كل عام-وخصوصاً أن الوزير المسؤول عن الشرطة في الحكومة هو أحد الأطراف الأكثر عداءً للجمهور العربي، ولممثليه في الكنيست.
- عدم الثقة وعدم الانتماء هما الكلمتان الأساسيتان في الخطاب السائد بشأن عدم مشاركة العرب في التظاهرات. وعندما يكون الطلب الأساسي للمتظاهرين هو إلغاء الإصلاح الذي يقترحه الوزير ليفين الذي يسعى لإحداث تغيير بعيد الأجل في نظام القضاء، وفي اختيار القضاة في إسرائيل، يجب طرح سؤال آخر: مَن قال إن الجمهور العربي يشعر بأن هؤلاء القضاة والمنظومة القضائية يتعاملون معهم بصورة عادلة، وبالتالي هناك حاجة إلى الدفاع عنهم؟
- وفي الواقع، هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الجمهور العربي والجمهور اليميني فيما يتعلق بعدم الثقة بالمنظومة القضائية، مقارنةً بناخبي الوسط-اليسار. في قضيتين أساسيتين تتعلقان بالجمهور العربي، حكمت المحكمة العليا، بأغلبية ساحقة في معظم الأحيان، ضد حقوق العرب: على سبيل المثال، في قضية النزاع على الأراضي ومصادرة الدولة لها منذ سنة 1948، وكذلك في قضية تشريع المستوطنات وخطوات اتخذتها الحكومات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية طوال أعوام. هذا من دون الحديث عن عدم وجود قضاة عرب في المحاكم عموماً، وفي المحكمة العليا خصوصاً.
- ومن المهم القول إنه على الرغم من هذا كله، فإن الأحزاب العربية لا تقاطع التظاهرات، وتحاول (من دون أن تفلح) إشراك الجمهور العربي فيها. وهي تدرك أن عليها المحافظة على الحيز الديمقراطي الضيق الباقي من أجل النضال، دفاعاً عن المواطنين العرب، وليس إقامة معادلة خطِرة مفادها: كل شيء أو لا شيء.
- في وسط الجمهور العربي، هناك مَن يعتقد أن الاشتباك بين المواطنين العرب وبين هذه الحكومة مضرّ بهم، ولا يساهم في حل المسائل الحادة التي يعانيها المجتمع العربي. مثلاً المهم أكثر ربما رسالة التحذير التي بعثت بها السلطات العربية مؤخراً إلى نتنياهو، وطالبته فيها بعدم المسّ بميزانيات المجتمع العربي التي أقرّتها الحكومة السابقة.
- هذا التوجه إلى رئيس الحكومة يؤكد أن زعماء السلطات العربية سيفحصون الحكومة بناءً على أعمالها، ولن يخرجوا بصورة تلقائية ضدها، على الرغم من الاتفاقات الائتلافية المقلقة التي تقدم خطة من شأنها تعميق التمييز ضد العرب في الجليل والنقب. أطراف في اللجنة من زعماء السلطات العربية يعتقدون أن خطهم المهادن حيال حكومة نتنياهو أثمر في الماضي تعاوناً ناجحاً في الحكومات التي ترأسها، وذلك على الرغم من أن الصورة العامة لهذه الحكومات توحي بأنها معادية للجمهور العربي. وتدل تجربة الماضي مع نتنياهو على أن لا حاجة إلى التسرع، بل على العكس.
- في النقاش الذي دار في لجنة المتابعة العليا للجمهور العربي التي تجمع كل أنواع التمثيل السياسي العربي في إسرائيل، بما فيها أحزاب وحركات تقاطع المشاركة في الكنيست، جرى الحديث عن "نزاع يهودي-يهودي في إسرائيل". مسؤولون شاركوا في النقاش قدموا نتائج عمل شاق قام به طاقم بشأن أهداف الحكومة الجديدة خلال العامين المقبلين، فوجئوا بأن هذه الأهداف تتركز بصورة خاصة على تصفية الحسابات مع الجمهور اليهودي بالذات، وليس مع العرب. في البداية، الجمهور اليهودي-العلماني، والمثليون والنساء... وفقط في نهاية القائمة يأتي المجتمع العربي.
- في نهاية النقاش، توصل زعماء الجمهور العربي إلى خلاصتين أساسيتين: الأولى أن مشاركة الجمهور العربي في الاحتجاج ضد الحكومة سيفتح أعين المتطرفين في هذه الحكومة على الجمهور العربي ويؤدي إلى تصفية حسابات. وليس هذا هو الوضع المطلوب حالياً، بعد حصول عدد من زعماء السلطات على وعود من رئيس الحكومة بالمحافظة على كل الميزانيات التي أقرّتها حكومة بينت-لبيد.
- الخلاصة الثانية: ليس للجمهور العربي ما يربحه من الانضمام إلى النضال الحالي غير تعزيز المشاركة مع أحزاب الوسط-اليسار التي لا تتفق فيما بينها على الدفع قدماً بالمطالب الأساسية التي يطالب بها الجمهور العربي، وناضل من أجلها ضد الحكومات الإسرائيلية السابقة. وكما وصف أحد المشاركين في النقاشات الموقف: "في حرب اليهود بين بعضهم البعض على الطابع الديمقراطي للدولة، يجب علينا الوقوف موقف المتفرج وتمنّي النجاح للطرفين."