محور إيران وروسيا يتماسك، وهذا ما يجب على إسرائيل القيام به
تاريخ المقال
المصدر
- الولايات المتحدة هي الحليف الأهم لإسرائيل - أحياناً الوحيد، والعلاقات معها هي العامود الفقري لأمننا القومي. الدعم والدفاع الدبلوماسي في الساحة الدولية عموماً، وفي الأمم المتحدة خصوصاً، والتعاون الاستخباراتي والعملياتي والاستراتيجي، أمور ضرورية جداً لإسرائيل - وكذلك بالنسبة إلى التزويد بالأسلحة المتطورة، والمساعدات العسكرية بمبلغ 3.8 مليارات دولار في العام، والدعم القوي من يهود الولايات المتحدة. عشية تأليف حكومة نتنياهو، يخيم بعض التوتر على العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، وينعكس في تصريح الإدارة بأنها ستفحص الحكومة الجديدة، استناداً إلى ما ستقوم به على الأرض.
- على رئيس الحكومة المقبل بنيامين نتنياهو البدء مع واشنطن بشكل صحيح بشأن 4 قضايا استراتيجية مركزية - إيران، وأوكرانيا، والصين، والقضية الفلسطينية - وبذلك يقوي هذا التحالف المهم - ويمنع إضعافه، وهو ما يتمناه أعداء إسرائيل والمنظمات التي تعاديها في المنطقة والعالم.
- نتنياهو سيبدأ ولايته السادسة أمام الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي عامة، وهو يحمل ثقلاً كبيراً: المقصود شريكاه من اليمين - الوزيران المستقبليان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والأيديولوجيا المتطرفة التي يصممان على الدفع بها. ولهذا تضاف تراكمات الماضي أيضاً من سنوات التعامل مع الإدارة الديمقراطية وبصورة خاصة الصراع مع الرئيس أوباما، الذي وصل إلى ذروته في خطاب الكونغرس ضد الاتفاق النووي في سنة 2015.
- على الرغم من التحديات الكبيرة الماثلة أمامه، فإن لنتنياهو أفضلية بسبب العلاقة العميقة والطويلة بالرئيس بايدن، وبالولايات المتحدة ونظامها السياسي. والأهم - التطورات التي حدثت في الساحة الدولية في فترة كان نتنياهو في المعارضة، تسمح له بدخول سَلِس في العلاقات مع إدارة بايدن. معادلة النجاح هي الانحياز إلى الولايات المتحدة في عدة قضايا مهمة بالنسبة إليها: الصين وأوكرانيا وروسيا، وطريقة أفضل للتعامل مع المشروع النووي الإيراني، وتوضيح سياسة الحكومة المستقبلية في القضية الفلسطينية، إلى جانب التشديد على حدود صلاحيات الوزراء المتطرفين فيها.
- الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة إلى أمن إسرائيل، هو التقدم الإيراني إلى مرحلة العتبة النووية، والإمكانية الواردة بأن تزحف، أو تقرر إنتاج قنبلة. إدارة بايدن أرادت بشدة العودة إلى الاتفاق النووي، لكنها لم تنجح بسبب مطالب إيران، والآن تفهم أن الاتفاق لم يعد ممكناً. قمع الاحتجاجات بقوة في إيران وتزويد روسيا بالأسلحة التي تقصف بها البنى التحتية الأوكرانية سيصعب العودة إلى الاتفاق على إدارة بايدن - التي تضع قضايا "حقوق الإنسان"، والدفاع عن "العالم الحر" في مكانة عالية في سلّم أولوياتها.
- هذا بالإضافة إلى أن إيران وقفت في معسكر "الأشرار" إلى جانب منافِستيْن للولايات المتحدة - الصين وروسيا - إذ بات الصراع على الترتيبات الجديدة في العالم يدور في خمس ساحات: أوكرانيا، الشرق الأوسط، منطقة المحيط الهادي، الاقتصاد والتكنولوجيا. وفي هذا السياق، يقف كلٌّ من نتنياهو وإدارة بايدن على الجهة نفسها ضد إيران، وهناك فرصة لبناء حوار في الموضوع - ليس من وجهة نظر عدوانية، بل استناداً إلى شراكة استراتيجية - للوصول إلى الهدف المعلن لإسرائيل والولايات المتحدة: أن لا تملك إيران سلاحاً نووياً قط. لذلك، يتوجب على الدولتين صوغ خطة تفصيلية لوقف المشروع النووي الإيراني - الموجود اليوم في أكثر نقطة متطورة تاريخياً.
- مكونات الخطة لوقف المشروع النووي الإيراني هي:
- ضغوط قصوى وزيادة العقوبات
- الدفع قدماً بخطوة إعادة العقوبات مقابل خرق الاتفاق مع الدول الأوروبية
- مساعدة الاحتجاجات في إيران وتشجيعها
- هجوم على التوسع الإيراني و"الإرهاب" الإيراني في المنطقة
- ضرب مشروع الصواريخ والمسيّرات الإيرانية وانتشارها
- الدفع قدماً بمنظومة دفاع جوي إقليمي ضد هذه التهديدات
- وضع خطوط حمراء في طريق إيران إلى القنبلة
- تحضير إمكانية عسكرية موثوقة في الدولتين في حال جرى خرق الخطوط الحمراء.
- أوكرانيا - موجودة في مكانة عالية في سلّم الأولويات بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين الذي يرون في الحرب تهديداً للنظام الدولي ولأمنهم، وكذلك هي امتحان للانضمام إلى "المحور الصحيح" بالنسبة إلى الحلفاء. موقف إسرائيل، كما تم صوغه في بداية الحرب، يتم التعامل معه أميركياً على أنه حيادي، وترى المجتمعات أكثر من الحكومات أن عليها أن تكون ملتزمة أكثر. نتنياهو يستطيع منح أوكرانيا أسلحة دفاعية ضد المسيّرات والصواريخ الإيرانية التي تصيب المواطنين والبنى التحتية المدنية في أوكرانيا، بالإضافة إلى زيادة المساعدات الأمنية للدول الأوروبية، وبذلك يقوّي دفاعاتها ويسمح لها بتمرير الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا.
- خطوة إسرائيلية واضحة لترك الحيادية والانضمام إلى "الجانب الصحيح" في التاريخ ستشكل أساساً جيداً لبناء الثقة والتعاون مع حكومة إسرائيل المقبلة أمام كلا الحزبين في أميركا - حيث موضوع الوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد العدوانية الروسية مكان إجماع بين الحزبين بشكل واسع. هذا بالإضافة إلى أن التعاون العسكري المتصاعد ما بين موسكو وطهران، الذي في إطاره، تساعد روسيا إيران بالطائرات والتكنولوجيا العسكرية وغيرها، يشدد على العلاقة بين ما يحدث في أوكرانيا وبين جبهة الشرق الأوسط، حيث تهدد إيران جيرانها وإسرائيل.
- على إسرائيل أن تعمل مقابل شركائها في الخليج، بهدف التشديد على هذا التهديد وتشجيعهم على اتخاذ سياسات ملائمة، والضغط على روسيا لتقليل المساعدات لإيران، والسعي إلى تقليل تأثيرها في المنطقة - التي تبدو كتهديد لأمن الكثيرين من السكان فيها. ومن جانب آخر، لا يجب على إسرائيل المبالغة بالتهديد الروسي لحرية حركة سلاح الجو في سورية، وأشك فيما إذا كانت موسكو ستمسح لنفسها في الظرف الحالي المخاطرة بأرصدتها العسكرية وقدراتها الدفاعية بسبب تهديدها لطائراتنا. ومن المهم لنتنياهو، الذي تربطه ببوتين علاقات وثيقة ومستمرة العمل لتحقيق مصالح إسرائيل، وألا يتنازل أمام المعركة الروسية على الوعي والابتزاز الذي تمارسه موسكو.
- موضوع الصين يعكس أكثر من أي موضوع آخر، الاتفاق الواسع بين الحزبين في الولايات المتحدة - وفي هذه الجبهة، يستطيع رئيس الحكومة نتنياهو أن يجمع "نقاطاً إيجابية" كثيرة بثمن منخفض لإسرائيل. نتنياهو الذي قاد في الأعوام العشرة الماضية سياسة واضحة لتقوية العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية مع الصين، استجاب في سنة 2019 لضغوط واشنطن، وأقام منظومة رقابة على الاستثمارات الخارجية في إسرائيل. "حكومة التغيير" التي ورثت هذا الوضع، وسعت لتعاون تكنولوجي-استراتيجي مع الولايات المتحدة، إلى جانب علاقات اقتصادية آمنة مع الصين، قامت بتقوية منظومة الرقابة، ودفعت بحوار استراتيجي بشأن التكنولوجيا، بدأ بـ"إعلان القدس" للرئيس جو بايدن ورئيس الحكومة يائير لبيد.
- على نتنياهو، الذي أوضح سابقاً أن العلاقات الاقتصادية مع الصين ستُدار بحسب المصلحة القومية، أن يتبنى الحوار الاستراتيجي بشأن التعاون التكنولوجي المتطور، وأن يوضح للإدارة البوصلة الاستراتيجية لإسرائيل- تعاوُن عميق ووطيد ومتطور مع الحليف الأكبر، إلى جانب علاقات اقتصادية آمنة مع الصين. في واشنطن، هناك توقعات من إسرائيل أن توضح للدول الخليجية المخاطر الكامنة في تعميق علاقاتها مع الصين، وهو ما سيضر بإمكانية نشر منظومات دفاع أميركية في المنطقة. وضمنها تلك التي تدافع عن إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة العرب.
- على عكس القضايا الثلاث الأولى (إيران وأوكرانيا والصين)، الموضوع الذي من المتوقع أن يكون تحدياً جدياً أمام رئيس الحكومة لتأسيس علاقات تعاوُن إيجابية مع الولايات المتحدة هو الموضوع الفلسطيني. فبسبب الاتفاقيات الائتلافية، التي تؤدي إلى مخاوف كثيرة في واشنطن، من المهم لرئيس الحكومة أن يوضح للأميركيين أنه يملك الصلاحية العليا في القضايا الحساسة في الضفة - وعلى الرغم من الإعلانات والطموحات المستقبلية للوزراء من أحزاب اليمين المتطرف، فإن سياسة إسرائيل الحذرة في الأعوام العشرة الأخيرة ستستمر، وسيكون للتوصيات الأمنية للمستوى "المهني" في الجيش و"الشاباك" وزن ثقيل، وحتى أنه حاسم في اتخاذ القرارات.
- من المهم لرئيس الحكومة أن يوضح أنه ملتزم بـ"اتفاقيات أبراهام" في موضوع الضم، التي تتضمن التزاماً إسرائيلياً بالامتناع من تنفيذه. رغبة رئيس الحكومة المستقبلي في إحراز تقدم مع السعودية يحتاج إلى سياسة حذرة في الساحة الفلسطينية عموماً، وبصورة خاصة في الحرم القدسي. فمنذ يومها الأول، سيكون على الحكومة الجديدة أن تتعامل مع التوتر الأمني في الساحة الفلسطينية ومع التحديات السياسية، كقرار الأمم المتحدة بشأن تحقيق تقوم به المحكمة الجنائية الدولية في موضوع الاحتلال، وخطوات قانونية في الكونغرس، بالإضافة إلى تحقيق الـFBI في مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. مؤخراً، أوضحت الإدارة علناً أنها ستفحص الحكومة، استناداً إلى سياساتها، وبذلك ستكون تطمينات رئيس الحكومة لواشنطن خاضعة لامتحان التطبيق، في مقابل الوعود التي منحها لشركائه الائتلافيين في أثناء تأليف الحكومة.
- في الخلاصة، الهدف من هذه الخطوات المقترحة هو الحاجة الضرورية، ليس فقط إلى الامتناع من توتير العلاقات مع واشنطن والضرر بها، بل تعميق التعاون معها وتوسيعه، في فترة مهمة ومتعددة التحديات الأمنية، بعضها غير مسبوق. يجب القيام بذلك مع الانتباه بصورة خاصة لحاجات وحساسية الولايات المتحدة، بطريقة تشجع الدعم من الحزبين لإسرائيل، وترفع من أهمية إسرائيل في الولايات المتحدة، إلى جانب الحفاظ على المصالح المركزية المرتبطة بأمنها القومي ومستقبلها - كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة و"عادلة".
الكلمات المفتاحية