نهاية ولاية أبو مازن لا تُقلق الفلسطينيين إنما الفوضى التي سيتركها وراءه في السلطة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "أنا لا أخاف على حياتي، الأعمار في يد الله. في أي لحظة يمكنهم اغتيالي، حتى في فلسطين، أو بيد إسرائيل، أو آخرين. المسألة ليست شخصية، إذا رحلت، فسيأتي أحد آخر مكاني، لأننا دولة بكل عناصرها. شيء واحد ناقص - أن ينتهي الاحتلال." هذا ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس (87 عاماً) لقناة العربية في أثناء زيارته إلى الرياض قبل أسبوعين. جاء كلامه هذا في سياق نقاش يدور مؤخراً فيما ستبدو عليه الساحة الفلسطينية، ليس في اليوم التالي لعباس، بل بعد قيام حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، والتصعيد على الأرض، وفي ظل غياب أفق سياسي.
  • كما نشرنا في "هآرتس" في الأسبوع الماضي، أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للعلوم السياسية أن هناك ارتفاعاً واضحاً في نسبة تأييد الكفاح المسلح في الساحة الفلسطينية، وخصوصاً في الضفة الغربية، ويبرز الدعم الشعبي الواسع للفصائل المسلحة، مثل عرين الأسود أو كتائب جنين، وهو ما جرى التعبير عنه بصورة واضحة في الأشهر الأخيرة. وفي الوقت عينه، لا يوجد لدى الرأي العام جواب واضح عمّا يمكن أن يجري بعد انتهاء ولاية عباس الذي لا يزال في منصبه منذ سنة 2005.
  • واستمراراً لتوجهات الأعوام الأخيرة في الاستطلاع الأخير الذي أجراه د. خليل الشقاقي، قالت أغلبية الفلسطينيين إنها تريد إجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان. وقرابة 69% من الفلسطينيين، سواء في الضفة أو في غزة، تريد انتخابات في أقرب وقت، بينما يعتقد 64% أن الانتخابات ستجري قريباً.
  • وعلى الرغم من التأييد الكبير للانتخابات، فإن 46% فقط من الذين شملهم الاستطلاع ولهم حق الاقتراع، قالوا إنهم سيشاركون فيها إذا جرت الآن. معظم التأييد يحظى به زعيم "حماس" إسماعيل هنية - 54% -  بينما قال 36%  فقط إنهم سيؤيدون عباس. في حال عدم ترشُّح محمود عباس وترشُّح مروان البرغوثي، العضو في "فتح" الموجود في السجن الإسرائيلي والمحكوم عليه بالسجن المؤبد، تتغير الصورة: البرغوثي سيحظى بـ61% وهنية بـ34%. وسترتفع نسبة التصويت إلى 62%. برزت أسماء أُخرى في الاستطلاع، مثل رئيس الحكومة الحالي محمد اشتية وحسين الشيخ المقرب من عباس وزعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار وعضو "فتح" السابق الموجود في الإمارات محمد دحلان، لكن نسبة تأييدهم لم تتخطّ الـ5%.
  • الزعامة الفلسطينية في رام الله تدّعي أن سبب عدم إجراء انتخابات هو عدم الموافقة الإسرائيلية على مشاركة القدس الشرقية فيها. معارضو السلطة يدّعون أن هذه الادعاءات لا صحة لها، وأن قيادة "فتح" تخاف من خسارة الانتخابات. أيضاً تتخوف فصائل أُخرى ممثلة اليوم في مؤسسات السلطة من خسارة تمثيلها.
  • يعتقد عدد غير قليل من الخبراء الفلسطينيين أن عدم الدفع قدماً بالانتخابات هو مصلحة إسرائيلية، وربما دولية. ففي رأي الباحث في المجتمع الفلسطيني والمحلل السياسي هاني المصري، انتخاب زعامة تحظى بشرعية شعبية يمكن أن تقوّي الفلسطينيين وتضع إسرائيل والمجتمع الدولي أمام الحاجة إلى الدفع قدماً بالعملية السياسية، لذلك، ليس هناك رغبة إسرائيلية ولا دولية، في الضغط في هذا الاتجاه، ولا سيما لدى الولايات المتحدة.
  • مسألة وراثة أبو مازن ليست مطروحة اليوم على رأس سلّم أولويات الجمهور الفلسطيني، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية د. مصطفى البرغوثي يشرح في حديث مع "هآرتس" رأيه في أن الاعتراف بأن حل الدولتين غير قابل للتحقيق بدأ يتغلغل في الوعي الفلسطيني، وخصوصاً وسط الجيل الشاب أكثر فأكثر، وليس هناك ما يمكن البناء عليه مع حكومة إسرائيلية، وخصوصاً الحكومة الآخذة في التشكل، والتي تبحث في الضم وتقوية المستوطنات وتدمير حقوق الفلسطينيين. "هناك قناعة لدى جيل الشباب بأن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة والمقاومة"، يقول البرغوثي. "وبين تأييد الكفاح الشعبي غير المسلح وبين الكفاح المسلح، يبرز التأييد الشعبي للمجموعات المسلحة في جنين ونابلس."
  • في المقابل، هناك إدراك في الساحة الفلسطينية أن الواقع سيفرض سيناريو يوجب اختيار بديل من أبو مازن الذي بلغ الـ87 من عمره. وفقاً للقانون الفلسطيني، إذا توقف رئيس السلطة عن ممارسة مهماته لسبب أو لآخر، فإن رئيس البرلمان هو الذي يدير شؤون السلطة موقتاً حتى إجراء انتخابات جديدة. وعملياً، لا يوجد اليوم مجلس تشريعي فلسطيني فاعل بعد سيطرة "حماس" على القطاع في سنة 2007، والانفصال المستمر منذ ذلك الحين. بالإضافة إلى ذلك، رئيس البرلمان الذي انتُخب في سنة 2006 د. عزيز الدويك من "حماس" لا يمكن أن تقبل به السلطة الفلسطينية و"فتح" بأي شكل من الأشكال، ولو موقتاً.
  • هناك سيناريو آخر، مع شغور موقع الرئاسة، يمكن أن تتوجه القيادة في رام الله إلى المجلس الوطني الفلسطيني من أجل انتخاب رئيس. والمجلس هو التنظيم الذي يشمل كل المؤسسات الوطنية الفلسطينية، ومن خلاله، يجري انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير المؤلفة من 18 عضواً، وتمثل كل الفصائل، مع أغلبية كبيرة لـ"فتح". رئيس المجلس الوطني هو روحي فتوح، شخصية متنورة من "فتح" من جيل المؤسسين، لكنه لا يملك نفوذاً سياسياً وليس لديه سيطرة عملياً.
  • مَن يُطرح كوريث للأمين العام للجنة التنفيذية في منظمة التحرير هو حسين الشيخ، الرجل الأقوى في محيط عباس، والذي يرافقه مع رئيس الاستخبارات ماجد فرج في زياراته الرسمية المهمة، والذي عيّنه عباس مسؤولاً أيضاً عن إدارة المفاوضات بدلاً من د. صائب عريقات الذي توفي متأثراً بالكورونا قبل عامين. هذا المنصب منح حسين الشيخ علاقة مباشرة بممثلي الإدارة الأميركية في واشنطن وأوروبا. والشيخ هو المسؤول عن التعاون المدني مع إسرائيل، ويُجري اتصالات يومية مع جهات إسرائيلية. والمهمات التي يتولاها تجعله في موقع أساسي كي يكون الرئيس المقبل، على الرغم من أنه شخصياً يبدو حذراً، ويصرّح في كل حديث معه بأن الزعيم المقبل سيختاره الشعب الفلسطيني، وفقط من خلال الانتخابات.
  • يُجمع مسؤولون وناشطون رفيعو المستوى تحدثت معهم "هآرتس" على أنه في الواقع القائم، من المنتظر حدوث صراع داخلي مؤسساتي على هوية وريث عباس، وهم يتخوفون من أن يؤدي هذا الصراع إلى الفوضى، وخصوصاً في ضوء الإحباط المتزايد وسط الشباب ومجموعات المسلحين التي تزداد في مخيمات اللاجئين في مدن الضفة. والكل مُجمع على الحاجة إلى استقرار النظام في مواجهة التحديات التي تطرحها إسرائيل وحكومتها الآخذة في التشكل.
  • في الأشهر الأخيرة، يطرحون في "فتح" في أحاديث مغلقة اسم نائب رئيس الحركة محمود العالول كمرشح تسوية. ويُعتبر العالول من الجيل المؤسس للحركة وأحد أقدم قادتها، سبق له أن عمل في الأردن ولبنان في السبعينيات والثمانينيات، وكان نائباً لخليل الوزير المعروف لدى الإسرائيليين بأبو جهاد. عاد العالول إلى الضفة مع قيام السلطة وعُيّن محافظاً لنابلس. وهو من بين العائلات الثكلى، فقد خسر ابنه البكر جهاد قائد كتائب شهداء الأقصى في نابلس لدى اشتباكه مع قوة من الجيش الإسرائيلي في اليوم الأول من الانتفاضة الثانية في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2000. في "فتح" يطرحون اسمه كوريث، لكن ثمة شك في أن يتولى كل المهمات التي تولاها عباس.
  • من بين الخيارات المطروحة توزيع مهمات عباس على 3 أشخاص: رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس منظمة التحرير، ورئيس "فتح". عملياً، هذه المسألة يمكن أن تؤدي إلى صراع على الصلاحيات والنفوذ لدى اتخاذ القرارات، وخصوصاً حيال الأجهزة الأمنية والسيطرة الاقتصادية. ومن بين الاحتمالات، أن تكون مهمة رئيس الحكومة أهم بكثير، بحيث يكون رئيس الحكومة هو فعلياً رئيس السلطة، وفوقه رئيس منظمة التحرير، وإلى جانبه رئيس اللجنة التنفيذية في "فتح" - اللذان سيتوليان إدارة الساحة السياسية الفلسطينية، وبصورة خاصة في الضفة الغربية إلى حين إجراء الانتخابات.
  • يعترفون في "فتح" بأن بقاء أبو مازن هو الخيار الأفضل في ظل الوضع الناشىء، وفي ضوء عدم اليقين بعد التطورات في إسرائيل، على الأقل في الأشهر القريبة. يحاولون في "فتح" تنظيم مؤتمر عام، يجري في إطاره انتخاب زعامة جديدة ولجنة مركزية، لكن الخلافات في الرأي تؤدي إلى تأجيله المرة تلو الأُخرى. في نهاية الأمر، فإن عدم اليقين هو المسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني حتى الآن.

 

 

المزيد ضمن العدد