احتجاج الاحتياطيين - صورة الوضع والدلالات بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط-عال
  • هدأ احتجاج عناصر الاحتياطيين في الجيش خلال عطلة الكنيست وعيد الفصح وذكرى قيام الدولة، وشهر رمضان الذي مرّ بهدوء نسبي. حتى الآن، لا توجد تهديدات في وسائل الإعلام بعدم التطوع، كما لم تتحقق تهديدات سابقة بعدم التطوع. علاوةً على ذلك، وبعد إطلاق الصواريخ من لبنان، ومن قطاع غزة، جرت خلال عيد الفصح دعوة الاحتياط بشكل محدود وفق أمر التجنيد رقم 8. وكان حضور عناصر الوحدة السيبرانية والطيارين والطواقم التقنية واللوجستية كاملاً. وفي تلك الأيام، وبالاستناد إلى تقارير أجنبية، شنّ سلاح الطيران (الذي يضم طيارين في الاحتياط) هجمات على سورية، وكتائب الاحتياطيين في وحدات سلاح البر تتدرب كالعادة، ونِسب حضورها أعلى من العام الماضي. لكن مهارة المقاتلين وحضورهم هو وجه فقط من وجوه الأزمة التي يعانيها الجيش. هناك جانب آخر هو تأثير الاحتجاج في الاحتياطيين، وفي تماسُك الجيش، وفي إمكان الاستخدام السياسي للخدمة العسكرية.
  • عدم التطوع:
  • مع بداية الاحتجاج ضد الإصلاحات القضائية التي تدفع بها الحكومة قدماً، أُرسلت عشرات الرسائل الموقّعة من آلاف الجنود الذين هددوا بعدم التطوع في خدمة الاحتياط (الذي يسميه البعض "رفضاً"، لكنه بالأساس احتجاج). أغلبية الجنود الذين يهددون بعدم التطوع، تخدم في وحدات ومنظومات خاصة، في طليعتهم الطيارون الذين كانوا أول مَن كتب بحدّة، ووقّع، وأنشأ مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي. وبحكم موقعهم ووظيفتهم الحساسة في الجيش، استقطب الطيارون الجزء الأكبر من الاهتمام والردود. مع ذلك، فإن عدداً قليلاً جداً حتى الآن، وبالأساس في سلاح الجو، نفّذ تهديداته وتوقف عن التطوع. أغلبية الطيارين، وكذلك في المنظومات السيبرانية وفي الاستخبارات وفي الوحدات الخاصة من الذين وقّعوا رسائل التهديد بعدم التطوع، خدمت منذ ذلك الوقت في الاحتياطيين (سواء في عمليات عملانية، أو تدريبات). كذلك كان حضور الذين تم استدعاؤهم إلى الخدمة بموجب الأمر 8 خلال عيد الفصح كاملاً. وتجدر الإشارة إلى العدد القليل نسبياً من العرائض أو الرسائل الموقّعة من قادة وجنود الذراع البرية، والكتائب المدرعة والمدفعية والهندسة، أو سلاح البر. ولهذا المعطى أهمية كبيرة بالنسبة إلى طبيعة ومستقبل ونموذج تشغيل منظومة الاحتياطيين.
  • وبناءً على ذلك، هناك فجوة بين قوة التهديد والضجة التي يثيرها وبين تنفيذ التهديد. ويمكن التقدير أنه إذا جرى تشريع القانون المتعلق بتكوين لجنة القضاة، فإن احتجاج الاحتياطيين سيثور من جديد في غمضة عين، ونتوقع أن ينفّذ الكثيرون من الاحتياطيين تهديداتهم ويتوقفوا عن التطوع.
  • سياسة الاحتواء وتداعياتها:
  • مواجهة الجيش الإسرائيلي لظاهرة عدم التطوع في خدمة الاحتياطيين جرت على الصعيد الدعائي بصورة أساسية. وبحسب توجيهات رئيس الأركان، اجتمع القادة ورئيس الأركان نفسه بجنود وقادة في سلاح الاحتياط من أجل توضيح المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الجيش في حال عدم التطوع. وتطرقت المحادثات إلى هذه المخاطر، سواء على الصعيد الأمني الصرف (تراجُع الكفاءة العملانية في منظومة الاحتياطيين، وتراجُع الردع إن كان على الصعيد القيمي – الاجتماعي)، أو على صعيد الحفاظ على الالتزامات المتبادلة والحؤول دون تصدُّع سلاح الاحتياطيين، ستؤثر نتائجه في الجيش كله.
  • إن سياسة الجيش اليوم حيال التهديدات بعدم التطوع هي سياسة احتواء و"احتضان" المترددين، وإبعاد المترددين عن المهددين بعدم التطوع في الخدمة، انطلاقاً من فهم الحاجة إلى منظومة احتياط كفوءة ومتكاتفة. يبدو أن الصورة الحالية التي وصلت إلى رئيس الأركان وضباط قيادة الأركان العامة جعلتهم يصلون إلى الاستنتاج أن الخطوات التي اتخذوها حتى الآن كانت صحيحة ونتائجها مُرضية. ويبدو أن هذا الاستنتاج صحيح في هذه المرحلة، مرحلة "التهدئة"، لكنه لن يكون كافياً عندما يتجدد تهديد سن التشريع.
  • عقيدة الاحتواء، أي عدم المعاقبة أو الإبعاد، مقبولة جداً في سلاح الجو ولدى قسم من قادة الاحتياطيين في سلاح البر. مع ذلك، هناك جنود وقادة في سلاح البر والاحتياط يعتقدون أن عدم التطوع أو رفض الخدمة يجب أن يُرَد عليه بخطوات صارمة.
  • والانتقادات الأكثر حدّة التي وُجهت إلى الجيش وإلى رئيس الأركان ضد سياسة الاحتواء، جاءت من جانب المؤيدين للإصلاح القضائي. وتجلّت هذه الانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي، وشملت مطالبة واضحة من رئيس الحكومة، موجهة إلى رئيس الأركان والضباط في قيادة الأركان العامة، بإظهار المزيد من التشدد في معالجة مسألة رافضي الخدمة. أيضاً إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت فُسّرت بضعف معالجته مسألة عدم الحضور إلى الخدمة الطوعية. وعلى الرغم من الانتقادات، فإن الجيش يتمسك بسياسة الاحتواء. وهذه السياسة تكبد الجيش ثمناً باهظاً، وهي تُستخدم كوسيلة في يد الذين يريدون استغلال التجنيد في الجيش الإسرائيلي من أجل الدفع قدماً بأهداف سياسية.
  • نموذج بارز من ذلك، الردود على الحادث المهم الذي وقع قبل عدة أسابيع في الكتيبة 51 في لواء غولاني. فبعد نقل قائد الكتيبة من منصبه والرغبة في تعيين قائد من لواء المظليين، غادرت سرية من المقاتلين القاعدة، تاركةً وراءها سلاحها. بعض هؤلاء المقاتلين نشر تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي شرح فيها أنهم سيتغيبون لأنهم "لا يحبّون هذا القائد الجديد"، وبعد نقاش وكلام مع الجنود، عادوا إلى القاعدة. وعلى الرغم من أن ما جرى لا علاقة له باحتجاج الاحتياطيين، فإن الجيش الإسرائيلي يواجه معضلة لأن أطرافاً مختلفة تستخدمه سياسياً. وقبل أن يُحدَّد الحكم على هؤلاء الجنود، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالاتهامات بأن مَن تساهل مع رافضي الخدمة في سلاح الجو، عليه ألّا يتفاجأ بحدوثه في غولاني. ولقد ازدادت هذه الانتقادات عندما عُلم بأن مقاتلي غولاني عوقبوا بصورة رمزية من خلال إبقائهم في القاعدة (لاحقاً اتُّخذت خطوات أكثر صرامة ضد قسم منهم). في المقابل، إذا كانت العقوبات شديدة الصرامة، فإن الجيش سيُتّهم بأنه ينتهج سياسة تمييز بين الطيارين الذين يُعتبرون "نخبة" وبين جنود غولاني (ومن دون أي علاقة بالاعتبارات الموضوعية) من الطبقات الدنيا.
  • نموذج آخر هو العقوبة السريعة ضد ضابط شارك، بسلاحه ولباسه العسكري، في تظاهرة جماهيرية مؤيدة "للإصلاحات". وحُكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، وادّعت جهات يمينية في وسائل التواصل أن السبب هو أن الجندي يميني. في المقابل، لو لم يُعاقَب، لكان هناك مَن سيدّعي أن الجيش يخاف من الحكومة ويخفف العقوبة.
  • وتشير هذه الأحداث والردود عليها إلى أنه في الوقت الذي خمد احتجاج الاحتياطيين، فإن تداعياته لا تزال واضحة، ومن بينها التوظيف السياسي له.
  • قانون التجنيد
  • من المحتمل أن تحدّي الاحتياطيين الذين حذّروا من عدم الحضور، ومن عدم التطوع، إذا نُفّذت خطة "الإصلاح"، كان مقدمة فقط للتحدي الذي سيواجهه رؤساء المنظومة السياسية - الأمنية إذا جرى تمرير قانون التجنيد الذي يعفي من الخدمة مَن هم في عمر 23 عاماً (أو في عمر قريب منه)، والأخطر من ذلك، إذا طُرح للنقاش "قانون أساس تعليم التوراة" الذي يطالب بالمساواة بين طلاب التوراة وبين الذين خدموا "خدمة مهمة". الاحتجاج ضد "الإصلاح القضائي" يجعل هذا الموضوع في مركزه من خلال الدعوة الواضحة إلى عقد اجتماعي جديد تجري في إطاره المساواة في العبء. وضمن هذه الفكرة، جرى احتجاج تحت عنوان "يوم المساواة"، وطُلب من طواقم المفاوضات بشأن الإصلاح القضائي في بيت الرئيس معالجة الموضوع.
  • تمرير القانون المقترح يمكن أن يؤدي إلى تآكل الحوافز في الخدمة الإلزامية، وفي الاحتياط، ويمكن أن يهدد استمرار وجود نموذج "جيش الشعب". علاوةً على ذلك، معالجة الجيش (تحت مظلة وزارة الدفاع) لعمر الإعفاء من الخدمة وربطه بمكافآت تُدفع إلى الذين خدموا (قانون "أهمية الخدمة") يُقحم الجيش، رغماً عن إرادته، بصورة عميقة في المجال السياسي، ويمكن أن يُظهره كأنه يبارك هذا القانون. وهذه وصفة لتعميق الأزمة التي يواجهها الجيش.

خلاصة

  • على الرغم من انحسار احتجاج الاحتياطيين مؤخراً، فإن أصداءه تشغل كثيراً قيادة الأركان العليا ورئيسها الذين يجدون صعوبة (وعن حق) في تقدير إلى أين ستتجه الأمور. إن الجيش المعتاد على الإجراءات القتالية وعلى "الحوادث والردود عليها" والسيناريوهات المختلفة في ميدان القتال، من الصعب عليه الاستعداد لشيء يجهله في الساحة الاجتماعية، وخصوصاً في الساحة السياسية التي انزلق إليها رغماً عنه. القول "إن ساحة القتال هي مملكة عدم اليقين"، ينطبق أيضاً على المعركة الاجتماعية- السياسية، وأكثر حيال احتمال توسُّع احتجاج الاحتياطيين، وفي الوقت عينه، احتمال توسُّع الانتقادات للجيش بسبب سياسته الاحتوائية لاحتجاج الاحتياطيين. يستخدم منتقدو الجيش بكثرة سردية "إسرائيل الأولى" (الطيارون) و"إسرائيل الثانية" (جنود المشاة). وبذلك يقحمون الجيش في النقاش السياسي العام المتعلق بخطة "الإصلاح" والاحتجاج ضدها. وهذا السلوك ألحق ضرراً كبيراً بالجيش، والتغلب عليه سيستغرق وقتاً طويلاً.
  • على خلفية الصراع على صورة دولة إسرائيل، على قادة الجيش الاستعداد للمستقبل حتى لو أن التشريع الذي تقوده الحكومة سيطبّق بصورة جزئية فقط. على الجيش الاستعداد لهذا المستقبل من خلال استخدام واسع النطاق لأدوات سوسيولوجية - اجتماعية تختلف في طبيعتها عن الأدوات التي لديه في ساحات القتال الحقيقي في مواجهة أعداء الدولة. يبدو أنه من الأفضل التعامل مع الوضع الحالي فيما يتعلق بالخدمة العسكرية عموماً، وبخدمة الاحتياطيين خصوصاً، وفقاً للمبدأ القائل "توقّع الأفضل واستعد للأسوأ".

 

 

المزيد ضمن العدد