في الوقت الذي تظاهرتم في "كبلان"، ازدهرت في الضفة أنظمة الملاحقة البيومترية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • خذوا اليوم أي إسرائيلي بالصدفة في الشارع وستجدون أن لديه رأياً في فصل السلطات ومنظومات التوازن الدقيقة في نظام الأقدمية، والتمثيل الإثني في المحكمة العليا. كلمة "ديمقراطية" على لسان الجميع في كبلان- تل أبيب [ساحة تظاهرات الرافضين للانقلاب القضائي]، وأيضاً في القدس، من اليمين ومن اليسار. لكن في الوقت نفسه، سيكون من الأصعب العثور على إسرائيليين لديهم رأي في "الذئب الأزرق"، أو "الذئب الأحمر"، أو يعلمون أصلاً علامَ يدور الحديث.
  • وهكذا في الوقت الذي نتظاهر دفاعاً عن "الديمقراطية"، يتم تصوير الفلسطينيين الذين يعبرون الحواجز من دون أخذ رأيهم، وتجمع منظومات التعرف إلى الوجوه صورهم في مخازن المعلومات المحوسبة والمخفية. وفي الوقت الذي تُكتب المقالات عن القضاة، يوقف الجنود في الضفة الأطفال الفلسطينيين في الطرقات، ويصورونهم كجزء من منافسة بين الوحدات في الجيش. وجزء من ألاعيب ديكتاتورية.
  • تقرير جديد صدر عن "أمنستي"، يستند إلى شهادات أفاد بها الجنود، يكشف حجم الاختراق التكنولوجي والملاحقة البيومترية في المناطق الفلسطينية، وضمنها القدس الشرقية. في الخليل، حيث يتم دائماً تجريب تطبيقات سيطرة جديدة قبل تعميمها على الضفة، تُشغّل منذ أعوام منظومة تحت اسم "مدينة ذكية". وهي شبكة كاميرات ذكية تغطي المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل، وأحياناً، تصور داخل منازل الفلسطينيين مباشرة. الخصوصية هي امتياز محفوظ لليهود. عندما كشفت "هآرتس" أن الشرطة تلاحق نشطاء الاحتجاجات استخباراتياً، أصيب المحتجون بصدمة. "هذا جنون"، قالت إحدى الناشطات. في الضفة، حيث الاحتجاج بحد ذاته غير قانوني، لا حاجة إلى أن تكون ناشطاً كي يلاحقوك. الملاحقة هي الوضع الطبيعي.
  • هذه ليست رؤى من الصين، أو تهويلات على طريقة جورج أورويل [مؤلف رواية عن نظام الرقابة بعنوان 1984)، أو تحذيراً من المستقبل. هذا هو الحاضر. هذا ما قمنا به، وما نقوم به، وما نطوّره. من المتوقع أن يتم تسويقه أيضاً على هذا الأساس. اختراق خصوصية كل فلسطيني، أكان مشتبهاً فيه أم لا، بصورة تلقائية، من دون أي تمييز، ومن دون مراقبة برلمانية أو جماهيرية، ومن دون سلطة يمكن التوجه إليها في حال وقع أي خطأ، بهدف الشرح وتقديم شكوى، أو التصحيح - هذا كله يعتبره الجيش "تحسين الخدمة".
  • وهنا، يجب الإشارة إلى أنه، وعلى عكس ما تدل عليه عبارة "تحسين الخدمة"، فإن الفلسطينيين ليسوا من مستهلكي الخدمة الإسرائيلية، ولا يستطيعون أصلاً اختيار أي بديل منها. هم يعلمون هذا جيداً. الجنود الذين قدموا الشهادات لنا بشأن أدوات الملاحقة هذه، يعلمون هذه الحقيقة أيضاً. بالأساس، نحن نكذب على أنفسنا.
  • الشهر الماضي، قامت جرافة كان يقودها مستوطن بهدم بعض الدكاكين الفلسطينية الموجودة في منطقة المستوطنات اليهودية في الخليل. كانت هذه الجرافة موجودة في إحدى أكثر المناطق التي تحتوي على كاميرات في الضفة، حيث يوجد حاجز طيار في كل زاوية، ولا تبعد كثيراً عن حاجز الأمن الخاص بـ"الشاباك"، الموجود بالقرب من بيت الوزيرة أوريت ستروك. الجيش اعتبر الحادث "خطِراً"، ولكن أحداً لم يرَه، ولم يُعتقل أحد. البلدة ذكية فعلاً، ولذلك تتعامى حيال جرائم اليهود.
  • من الصعب تفسير المشكلة لدى مَن جعلته عشرات الأعوام من النظام الوحشي يفقد حساسيته التاريخية وحسّه السليم. الجميع يصور، ما المشكلة؟ الأمن هو الأمن. صحيح يمكنك تفسير هذا لمن لم تكن حقوقه يوماً موضع تساؤل، ولم يشعر يوماً بالخوف من أنه لن يستطيع الوصول إلى العمل لأن قريباً بعيداً من عائلته ارتكب جريمة. فجوة عميقة تفصل ما بيننا وبينهم. لكن الاستبداد ليس شيئاً جامداً، كما تعلمنا. بل يتوسع ويمتد. وإن اعتقدتم أن السجن الذي نطوره في الضفة سيبقى فقط مشكلة فلسطينية، فإن هناك "إصلاحات" أُخرى يجب القيام بها.

 

 

المزيد ضمن العدد