صرخة ألم خرقت الصمت: محمد التميمي ابن العامين ونصف العام مات. بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي هذا كان خطأ في العنوان
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ماذا يقال لأب بعد لحظات قليلة من تبليغه الخبر الرهيب بأن طفله، ابن العامين ونصف العام، توفي متأثراً بجراحه؟ ماذا نقول لأب رأى طفله يصاب بإطلاق النار أمام عينيه من قناص في الجيش الإسرائيلي؟ ماذا نقول لأب رأى النار تُطلق على سيارته وسارع إلى إغلاق بابها ليرى ابنه الطفل مستلقياً على المعقد الخلفي ينزف من الجهة اليمنى من رأسه، حيث أصيب برصاصة، وذلك بعد لحظة واحدة من وضعه هناك، وهما في طريقهما للاحتفال بعيد ميلاد إحدى القريبات؟ ماذا نقول لأب في حالة صدمة تامة، مصاب برصاصة في كتفه، يئن من الألم ويتمتم طوال الوقت بالصلاة، كأنه يصلي لنجاة طفله، على الرغم من أنه كان يعلم في تلك اللحظة بأن فرص نجاة طفله محمد معدومة، وأن الصغير محمد مات؟
- عندما وصلنا ظهر الأمس (الإثنين) إلى قرية النبي صالح، التقينا في البداية شهود عيان شاهدوا حادثة إطلاق النار التي وقعت يوم الخميس مساء. وقبل الساعة الثانية بعد الظهر، اتصلنا هاتفياً بمنزل الطفل الذي جُرح في الحادثة، وطلبنا رؤيته. نصحنا أقرباؤه بالمجيء بسرعة "لأننا لا نعرف ماذا سيحدث." بعد وقت قصير، وصلنا إلى منزل عمّ الطفل محمد. كان الصمت يسود غرفة الضيوف الصغيرة، فجأة، خرقت الصمت صرخة ألم جاءت من الغرفة الثانية، حيث تجلس نساء العائلة، وفهمنا فوراً: مات محمد.
- توفي محمد ظهر أمس في غرفة العناية الفائقة في مستشفى صفرا للأطفال في تل هاشومير. ابن العامين ونصف لفظ أنفاسه الأخيرة، وكانت بقربه أمه وجدّته، وكان والده زاره في الأول من أمس بضع ساعات، لكنه لم يكن قادراً على البقاء بسبب جراحه. 80% من دماغ محمد الصغير أصيب بالرصاصة التي انفجرت في رأسه وتسببت بموته. كان طفلاً أشقر الشعر، مثل أغلبية الأطفال في هذه القرية المميزة، ومثلهم، كبر في قرية-سجن مع برج حراسة محصّن على مدخلها. ومن هذا البرج، أُطلقت الرصاصة على رأس محمد.
- الجيش الإسرائيلي نشر في الأمس نتائج تحقيقه، واعترف "أخطأنا في الهدف". القناصة أطلقوا النار بواسطة مناظير ليلية، لكنهم أخطأوا العنوان. ألم تسمح لهم مناظيرهم المتطورة بأن يروا أنهم يطلقون النار على رأس طفل؟ ألم يروا الأب قبل لحظة وهو يحمل محمد ويُجلسه على المقعد الخلفي للسيارة ويسارع إلى الجلوس في مقعد السائق، ويصاب بإطلاق النار قبل دخوله إلى السيارة؟ هل الخطأ في تحديد العدو يشمل أيضاً الخطأ في تقدير عمر العدو؟ هل الجندي كان يعرف، أو لا يعرف على مَن يطلق النار؟ فإذا كان يعرف لماذا أطلق النار، وإذا لم يكن يعرف لماذا أطلق النار؟
- هيثم، والد الطفل المصدوم، قال في الأمس إنه لم يسمع أي إطلاق نار قبل إدخال محمد إلى سيارته. وبذلك، هو يناقض رواية الناطق بلسان الجيش الذي ادّعى أن إطلاقاً للنار حدث قبل مقتل الطفل. ابن عم والد الطفل سامح التميمي مهندس سيبراني من سان فرانسيسكو كان في زيارة إلى البلدة، طرح في الأمس احتمال أن يكون الذي أطلق النار على محمد مريضاً نفسياً. "مَن غير هذا يطلق النار على رأس طفل؟" تساءل ابن العم من أميركا. وسائل الإعلام الإسرائيلية سارعت إلى القول إن إطلاق النار كان عن طريق الخطأ، مَن قال لهم ذلك؟ هل كانوا موجودين هناك؟ وهل رأوا الساحة؟ يكفي أن الناطق بلسان الجيش أعطاهم توجيهات لقول ذلك.
- لكن الناطق زعم أيضاً أنه سبق الحادثة إطلاق نار، وفي القرية لم يسمعوا شيئاً. ولو كان هناك إطلاق للنار، من الطبيعي أن الأب لم يكن ليُخرج ابنه من المنزل إلى السيارة. كان الأب وطفله في طريقهما إلى القرية القريبة، دير نظام، للاحتفال بعيد ميلاد خالة الطفل أخت الأم. والأب هيثم الذي يعمل في مخبز للحلويات، حمل معه قالب حلوى لصاحبة العيد من محل الحلويات الذي يعمل فيه، وأخذه معه قبل اصطحاب ولديه. من حسن الحظ أن ابنه الثاني أسامة، ابن الخامسة، بقي في المنزل.
بعد ظهر أمس، جلس الأب الثاكل، وجلس شقيقه وهو يمسح الدموع من عينيه، وجلس والده المُسن صامتاً، كان يبدو كأنه منفصل عن الواقع، ولم يعد قادراً على تحمُّله، كان يتمتم بالصلاة والبكاء المكبوت ويحدّق في فضاء الغرفة. وشيئاً فشيئاً، بدأ المعزّون بالحضور، ورويداً رويداً، بدأ يتسلل الإدراك أن محمداً لن يحتفل بعيد ميلاده الثالث.
الكلمات المفتاحية