معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- يجب فحص سلوك الجبهة "المدنية" في إسرائيل خلال حملة "درع وسهم" عبر ثلاثة أبعاد مرتبطة ببعضها البعض: تصرُّف الجبهة الداخلية في ظل هجمات "الجهاد الإسلامي" وإسقاطات ذلك على مواجهات مستقبلية؛ حصانة المجتمع الإسرائيلي في إطار العلاقة المباشرة بالجولة القتالية؛ والحصانة الإسرائيلية في السياق الأوسع خلال الأزمة السياسية/الاجتماعية التي اندلعت بقوة بسبب مبادرة الحكومة إلى القيام بـ"إصلاحات قضائية".
- أولاً، يجب الاستنتاج والقول إن منظومات الجبهة المدنية في إسرائيل تصرفت خلال الجولة القتالية بمعقولية. التطور التدريجي للقتال خلق توقعات لدى المجتمع بأنه سيكون هناك جولة إضافية، وخلقت لديه وعي طوارئ أمني. لكن قدرة الجبهة المدنية على التعامل مع العدو كانت نابعة بالأساس من الفجوة الكبيرة جداً بين قدرات الهجوم والدفاع لدى إسرائيل، مقارنةً بالضعف الاستراتيجي والتكتيكي لدى "الجهاد الإسلامي"-بالتأكيد مقارنةً بحزب الله و"حماس" أيضاً. هذه الفجوة يمكن أن تتقلص كثيراً في مواجهة واسعة، يمكن أن تكون متعددة الجبهات، ولذلك، يمكن أن تفرض تحديات أكبر بكثير على قدرة وفاعلية هذه المنظومات التي بُنيت في إسرائيل خلال الأعوام الماضية كي تعمل بصورة صحيحة في مواجهة أمنية. هذه الفاعلية انعكست أيضاً، بوضوح، في السياق العسكري-الهجومي-توجيه ضربة قاسية إلى التنظيم "المتطرف" وتقليص احتمال التهديد من طرفه؛ وأيضاً في السياق العسكري-الدفاعي (على الرغم من وجود خلل تقني في منظومة الدفاع "القبة الحديدية"، وخلاله قُتلت مواطنة في رحوفوت). وفي هذا الإطار، عملت منظومات الجبهة الداخلية جيداً، وتضمّن ذلك أيضاً منظومة الإنذار وإطلاق صفارات إنذار متطورة ومتقدمة، بالإضافة إلى خطوات إرشادية وتوجيهات للجمهور، إلى جانب الرد الأولي المدني. والخلاصة من هذا كله أن الرد الإسرائيلي في مواجهة تهديد صاروخي محدود، موجود-على المستوى العملياتي-معقول، حتى لو لم يكن صارماً بشكل تام.
- هذا الإنجاز مهم ومبارك. وينعكس في العدد القليل للمصابين في الجانب الإسرائيلي (قتيلان و32 مصاباً، و45 إصابة بالهلع). وعلى الرغم من ذلك، فإن الإنجاز على الصعيد العسكري لا يشير إلى جديد بالنسبة إلى موازين القوى ما بين إسرائيل وقطاع غزة، أو عما يمكن أن يحدث في مواجهة محتملة مستقبلاً، في حال كانت أوسع، أو متعددة الجبهات، وتشارك فيها "التنظيمات الإرهابية" الأُخرى، وضمنها حزب الله اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية. مواجهة واسعة كهذه ستترافق مع تهديد أوسع بكثير مما شهدناه مؤخراً في الجبهة الإسرائيلية. وأشك كثيراً في أن يكون الأداء الإسرائيلي على الصعيد الدفاعي شبيهاً بما شهدناه في الجولة القتالية الأخيرة مع "الجهاد الإسلامي".
- الدليل الأبرز على هذه الفجوة هي في مجال الملاجئ في الدولة عموماً، وفي الجبهة الشمالية خصوصاً. الوضع في هذا المجال غير كاف. تنفيذ الخطة المتعددة الأعوام لتعزيز الملاجئ في الجنوب تأجّل عدة مرات منذ أعلنتها الحكومة في سنة 2018، وفقط مؤخراً بدأ التنفيذ، بالتدريج، في أماكن قليلة في بلدات قريبة من الشريط الحدودي مع لبنان. عملية بناء الملاجئ هي شرط ضروري كي تتعامل الجبهة الداخلية بشكل ناجع في حالات الطوارئ الأمنية، وبالتالي ضرورية لحصانة الجمهور المدني.
- نموذج آخر هو القضية الحساسة، الإجلاء الذاتي والمنظّم للمواطنين من المناطق التي ستكون مستهدفة بصواريخ لديها مسارات ملتوية. بدأ نقاش هذه القضية منذ حرب لبنان الثانية، حين قام ما يعادل ثلث سكان الشمال بعمليات إجلاء ذاتي من بيوتهم في أوقات متفاوتة، من دون أي استجابة حكومية لأزماتهم. حتى الآن، لا تزال حكومة إسرائيل تمتنع من تجهيز رد نظامي شامل على هذا التحدي، الذي يمكن أن يندلع من دون سابق إنذار، وذلك إما بسبب حدث أمني واسع وأضرار كبيرة، وإما بسبب هزة أرضية صعبة. الحل التكتيكي والصغير الذي كان هذه المرة على شكل خطة تسمح للأفراد والمجموعات من مستوطنات "غلاف غزة" بالقيام بإخلاء المناطق بحسب رغبتهم، بتمويل من الحكومة، لعدة أيام "للترفيه عن النفس"، بعيد كل البعد عن كونه رداً نظامياً في سيناريو واسع. المطلوب وعي قومي وخطة شاملة وقُطرية ممولة، بالإضافة إلى تحضيرات لوجستية مفصلة، وشرح وتدريب.
- وأكثر من ذلك، فإن مجموعة الجولات القتالية مع "تنظيم إرهابي" فلسطيني ضعيف وصغير في القطاع، من دون تدخُّل "حماس"، الأقوى منه بأضعاف، يمكن أن تدفع المجتمع الإسرائيلي إلى حالة وهم وكسل خطِرة بشأن قدرة إسرائيل على التعامل بنجاح مع هجمات صاروخية. الخبرة تشير إلى أن الوعي الذاتي بقدرات التعامل مع هجوم معين مختلفة عن سيناريو تهديد مختلف. هذا أيضاً يمكن أن يؤثر سلبياً في الالتزام من طرف المستوى السياسي لاستثمار الموارد المطلوبة من أجل الدفاع عن الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ وتعزيز الحصانة الاجتماعية.
- بحسب الأدبيات البحثية، فإن الحصانة الاجتماعية تنعكس في قدرة المجتمع والجماعة على التعامل بنجاح مع حالة ارتباك صعبة، واحتوائها بمرونة، والحفاظ على هيكلية قيادية خلالها، والشفاء منها بسرعة (bouncing back)، والتطور بعدها إلى أبعاد إضافية ومحسّنة في مجال النجاعة النظامية (bouncing forward). من وجهة النظر هذه، يجب التعامل مع فاعلية المجتمع الإسرائيلي خلال جولة "درع وسهم" على صعيدين متوازيين: أولاً، على الصعيد الضيق، حيث تكون الجولة القتالية ذاتها حلقة إضافية في سلسلة لا تنتهي من الجولات القتالية، وشبيهة من حيث مميزاتها وأيضاً نتائجها؛ وثانياً-على الصعيد القومي الواسع أكثر، المرتبط تحديداً بحصانة وقدرة المجتمع الإسرائيلي وفاعلية الأداء في هذا الوقت، حيث يعيش حالة (موقتة؟) من الأزمة الاجتماعية/ السياسية الكبيرة التي اندلعت في أعقاب "الإصلاحات القضائية"، وبين الجولة الأمنية ذاتها.
- بشأن الحصانة الاجتماعية خلال الحملة الأخيرة، يبدو أن المجتمع الإسرائيلي، في أغلبيته، تصرّف بمسؤولية، وبصورة عامة بحسب توجيهات الجبهة الداخلية، وفي الوقت نفسه، حافظ على روتين الحياة قدر الإمكان، بحسب التهديد المتغير في مناطق مختلفة، إلى جانب مبادرات ذاتية أكثر حذراً من رؤساء السلطات المحلية في منطقة "الوسط"، حيث ألغوا فعالية ثقافية وتعليمية غير رسمية، التزاماً بتوجيهات قيادة الجبهة الداخلية. حالة الطوارئ التي كانت موجودة في معظم المناطق في البلد، تشير إلى نموذج الاحتواء والمرونة، وهو مركّب من مركّبات الحصانة.
- هذا بالإضافة إلى أن الجمهور منح الدعم اللازم عموماً لسياسات الحكومة في مواجهة العدو، وكذلك إدارة الجيش للمعركة في قطاع غزة. وهو ما قامت به أيضاً أحزاب المعارضة الكبيرة. الأمر الذي يضاف إليه أيضاً بعض مجموعات الاحتجاجات القيادية ضد "الإصلاحات القضائية" التي أعلنت أخذ "إجازة" من التظاهرات خلال الجولة، وضبطت نفسها، تخوفاً من ضرر يلحق بالمواطنين المحتجين، وأيضاً تعبيراً عن التضامن مع سكان غلاف غزة الموسع. ولقد شكّل ذلك تعبيراً عن صحة الافتراض السائد القائل أنه في حالات الطوارئ والتهديدات الأمنية الخارجية (وبالأساس في حالات لا تبادر فيها إسرائيل إلى مواجهة عسكرية، علناً)، تحدث ظاهرة تسمى "الدخول تحت العلم".
- هذه المرة دخلت إسرائيل في مواجهة أمنية خلال فترة اضطرابات صعبة وأزمة سياسية/ اجتماعية عميقة، عكست بالأساس زعزعة في قيم التضامن، وأيضاً الاستقطاب الآخذ بالتطرف في المجتمع الإسرائيلي. في هذه المرحلة، يبدو أن قيم التضامن في المجتمع خلال حملة "درع وسهم" جاءت بسبب حدث خارجي، وتركزت في تبرير طريقة العمل الإسرائيلية ضد "الجهاد الإسلامي". لذلك، لا يزال مبكراً الحكم على تأثير الأزمة السياسية/ الاجتماعية في الحصانة القومية في حال حدوث جولة عسكرية.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنه وفي الطروف الحالية للأزمة السياسية/الاجتماعية-فإن مجرد التطرق إلى الحصانة القومية مع مكوناتها المختلفة، وخاصة التضامن الاجتماعي والثقة بمؤسسات الدولة، يتحول إلى قضية هوية سياسية لدى المواطنين والجماعات التي ينتمون إليها. يبدو أن الحديث يدور عن اختلافات آخذة بالتصاعد في مرحلة استقطاب بين الرؤى المتناقضة في التعامل مع قضايا الأمن القومي، كما ظهر فيما يتعلق بالتجنيد للجيش والالتزام بالخدمة العسكرية. كقاعدة، كلما تعززت هذه الظاهرة، ومع استمرار الأزمة الاجتماعية/ السياسية، فإنه سيكون لذلك إسقاطات صعبة أكثر فأكثر على الأمن القومي، الضروري لإدارة ناجعة للمواجهات العسكرية الواسعة المتوقعة.