حملة تكتيكية، وسياسات هدّامة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • حققت حملة الجيش في جنين نجاحاً على الصعيد التكتيكي - العملياتي، لكن لا يجب التفاخر أكثر من اللازم بذلك؛ فالعدو الذي هرب من المخيّم لا يشبه أي قوة مقاتلة يمكن أن يواجهها الجيش في غزة أو لبنان. لم تكُن المشكلة التي دفعت إلى القيام بالحملة العسكرية في نوعية "المجموعات الإرهابية" أو قوّتها هناك، إنما في الحرّية المطلقة التي كانت لديها، والتي صعّبت كثيراً عمليّات الإحباط التي تقوم بها القوى الأمنية.
  • كان هذا هو الهدف المحدود والتكتيكي للحملة؛ استعادة حرية العمل لعمليات الإحباط الخاصة بالجيش و"الشاباك". خلال الأشهر الأخيرة، كان يتوجب على الوحدات، التي تدخل لتنفيذ اعتقالات أو تفكيك مجموعات تنوي تنفيذ عمليات، أن تقوم بذلك خلال ساعات النهار، أو بقوات كبيرة وخاصة، وذلك لأن المجموعات هناك نجحت في صنع حلقة حماية من الكاميرات وأدوات أُخرى، منحتهم إنذاراً مسبقاً بالاقتحامات الليلية، وحلقة مادية من العبوات الناسفة كتلك التي انفجرت بمركبة عسكرية تابعة للجيش قبل نحو أسبوعَين. هناك ثمن للعمليّات الكبيرة، أو العمليات في وضح النهار، لا يُحصر بإمكان تورّط القوّة المنفّذة، بل أيضاً بوقوع مصابين في الجانب الآخر، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إشعال مناطق أُخرى في الضفة، أو حتى التورط في جبهات أُخرى.
  • لقد أعادت الحملة العسكرية - القوية، والذكية وذات الأهداف الميدانية المحددة - الوضع إلى ما كان عليه، وبعثت برسالة فحواها أن إسرائيل لن تسمح لهذه "المحميات الإرهابية" بأن تتطور. وعلى الرغم من الألم بسبب سقوط المقاتل في وحدة "إيغوز" دافيد يهودا يتسحاك، فإن الانطباع العام هو أن مستوى التنفيذ كان جيداً. عدا ذلك، فإن كل ما تبقى هو الخطاب العدائي الصادر عن أعضاء الائتلاف الحالي، والوهم الأبدي من دون أي فائدة بشأن "القضاء على الإرهاب"، وسحب كل موضوع، حتى لو كان أمنياً موضعياً، كحرية الحركة في مخيم اللاجئين إلى المستنقع المشتعل لسياسة الهويات داخل إسرائيل.
  • لقد عكست الشاشة المنقسمة إلى جزئين منذ يوم الاثنين (الصور من جنين من جهة، والمتظاهرين وَهُم يشتبكون مع الشرطة خلال احتجاجات في مطار "بن غوريون" من جهة أُخرى) الوضع المستحيل الذي دفعت الحكومة قيادات الجيش إليه؛ فمن جهة، هُناك حاجة إلى القيام بالخطوة المطلوبة وإحباط "الإرهاب" من دون الانجرار إلى مواجهة واسعة، وذلك في الوقت الذي يندفع فيه الوزراء المنفعلون، ويطالبون بالمزيد من "الإنجازات" التي لا معنى لها، ومن جهة أُخرى، هناك جنود الاحتياط المقتنعون بأن كل ما تقوم به الحكومة، وضِمنه الخروج في حملة عسكرية، يهدف إلى توجيه اهتمام الجمهور بعيداً عن الانقلاب القضائي. وهذا ما سيتعزز خلال أشهر الخريف والشتاء، إذ سيكون قانون "التجنيد" في مركز النقاش.
  • لكن الأهم من هذا كلّه هو أن الحملة تعكس نتائج السياسة التي تبنّتها حكومات إسرائيل كلّها خلال الأعوام الماضية؛ إضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية "حماس". بالنسبة إلى نتنياهو - وسموتريتش وشركائه طبعاً - هذه خطوة موجّهة، الهدف منها إلغاء إمكان أي تسوية سياسية. لقد تبنّى آخرون هذه السياسة للوصول إلى هدوء مؤقت في قطاع غزة. والجدير بالذكر أن "حماس" خرجت أقوى من هذه العملية أيضاً، إذ إن إسرائيل، كما في عمليّتَي "بزوغ الفجر" و"الدرع والسهم"، تقوم بكُل ما يمكنها لتقول لها إنها غير معنية بمواجهة مع الحركة.
  • لا يوجد فراغ في العالم؛ إن وجود سُلطة ضعيفة يعني وجود فوضى في الضفة، ستدخلها "منظّمات إرهابية" برعاية إيران، وستقوم بتنظيم مجموعات على نمط هذه الموجودة في جنين. وفي الوقت الذي تستهدف فيه الحملات الإسرائيليّة الأعداء الأضعف لإسرائيل (الجهاد الإسلامي في غزة أو المجموعات في جنين)، فإن الأعداء الأخطر يزدادون قوة وثقة بالنفس، يبثّون لأبناء شعبهم رسالة، فحواها أن الطريق الوحيد للحصول على شيء من إسرائيل هو المقاومة والقوّة.
  • لا يمكن أن نتوقع من الحكومة الحالية، التي جوهرها تأبيد سيطرة إسرائيل على الضفة والقضاء على إمكان الوصول إلى تسوية، أن تعمل لتقوية الشريك الممكن في رام الله. وهذه السياسة التي ستكون لها إسقاطات تاريخية على مكانة إسرائيل وصورتها، لا توجد أيضاً معارضة جدّية لها في السياسة الإسرائيلية، أو في الاحتجاجات ضد المسار التشريعي، التي تجنبت حتى الآن أي تعاطف مع معارضة الاحتلال. لكن حتى من يُريد الحديث عن الأمن الخالص، وكأنه يوجد شيء كهذا أصلاً، يجب أن يتذكر إسقاطات سياسة إسرائيل؛ سُلطة فلسطينية ضعيفة تعني "إرهاباً" قوياً يقوم في هذه المرحلة بصناعة محميات كتلك الموجودة في جنين، ستفرض على سلاح الجو وأفضل الوحدات في الجيش أيضاً التعامل معها، وفي المرحلة القادمة يمكن أن يدفع قدماً بهجمات قاسية ويشعل حريقاً كبيراً.
 

المزيد ضمن العدد