هل إسرائيل على طريق التطبيع مع السعودية؟
المصدر
معهد القدس للاستراتيجيا والأمن

معهد يقدم مشورة سياسية وأمنية للقيادة الإسرائيلية، ويطرح سياسات براغماتية تهدف إلى المحافظة على أمن إسرائيل. تأسس في العام 2017. رئيسه الحالي هو إفرايم عنبار.

  • الرئيس بايدن مهتم بالتوصل إلى اتفاق أمني مع السعودية من أجل تحقيق عدة أهداف استراتيجية، بما فيها ترميم الصدقية الأميركية في الشرق الأوسط التي تضررت بعد الانسحاب الفاشل من أفغانستان، وتعزيز اتفاقات أبراهام ضد إيران، والتي ضعفت جرّاء الخلافات في إسرائيل بسبب الانقسامات بشأن الانقلاب القضائي، وتصاعُد العنف في الضفة الغربية، وتثبيت وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية في اليمن، وكبح التقارب السعودي مع الصين، وزيادة إنتاج النفط السعودي للتغلب على النقص جرّاء الحرب في أوكرانيا.
  • نقل السعوديون إلى بايدن لائحة مطالب، تشمل اتفاقاً دفاعياً شبيهاً بحلف الناتو، يدافع عن السعودية ضد هجمات تشمل هجمات من إيران، ومفاعلاً نووياً من أجل حاجات سلمية، وطائرات حربية متطورة أف-35، ومنظومة متطورة مضادة للصواريخ. وهم يشترطون التطبيع مع إسرائيل بتحسّن ملموس وعملي في علاقة إسرائيل بالفلسطينيين. والمقصود لائحة مطالب قصوى لا يمكن أن تقبلها الولايات المتحدة، لكن من خلال المفاوضات، يمكن التوصل إلى تسوية، مثلاً، يمكن للولايات المتحدة منح السعودية مكانة الحليفة غير العضو في الناتو، مثلما هو وضع إسرائيل، كما في إمكانها تزويدها بأسلحة متطورة، لكن ليس ببنية تحتية نووية.

السياسة في الولايات المتحدة وإسرائيل

  • الدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية مرتبط بالسياسة الداخلية، سواء في الولايات المتحدة أم في إسرائيل. أيّ اتفاق أميركي مع السعودية يتطلب موافقة الكونغرس. والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي انتقد النظام في السعودية بحدة، متهماً إياه بانتهاك حقوق الإنسان ومقتل الصحافي جمال الخاشقجي، وهو مواطن أميركي أيضاً. ومن المعقول أن يعارض هذا الجناح اتفاقاً يحسّن العلاقات بين الدولتين. في تقدير إدارة بايدن، إن دمج التطبيع مع إسرائيل في اتفاق مع السعودية سيحظى بتأييد كبير في الكونغرس، سواء من الديمقراطيين المعتدلين، أو من الجمهوريين.
  • تقليص حجة المعقولية في الكنيست في الأسبوع الماضي زاد في مخاوف الولايات المتحدة من خطوات الحكومة التي يمقتها بايدن، ووصفها بـ"الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل". لقد سبق أن وصف نتنياهو انضمام السعودية إلى اتفاقات أبراهام بأنه هدف استراتيجي أساسي مرتبط أيضاً بالحاجة إلى كبح النووي الإيراني. يحاول بايدن استخدام التطبيع للضغط على نتنياهو. فمنذ تأليف الحكومة الحالية، شددت الإدارة الأميركية عدة مرات على العلاقات الخاصة مع إسرائيل، والتي تعتمد على قيم ومصالح. كما شرحت الإدارة، وطالبت، ولمّحت إلى أن قيم بن غفير وسموتريتش وأجواء المتطرفين في الليكود لا تتلاءم مع القيم الأميركية، ورفضت الإدارة السياسة الصارمة إزاء الفلسطينيين، ورأت أن القيام بتغيرات كبيرة في العلاقة بين السلطات ممكن فقط في إطار إجماع سياسي واجتماعي واسع النطاق.
  • قال نتنياهو لبايدن وموظفيه، وفي مقابلات مع الإعلام الأميركي، إنه يسيطر على الحكومة، وسيعدّل الإصلاحات القضائية، وسيحاول التوصل إلى إجماع واسع من أجل تحقيق ذلك. إقرار الكنيست الأحادي الجانب لحجة المعقولية في الأسبوع الماضي أثبت للأميركيين واحداً من اثنين: إما أن نتنياهو يسيطر على حكومته، وبالتالي هو يخدعهم، أو أن المتطرفين هم الذين يسيطرون عليها. ليس واضحاً أيّ الاحتمالين هو الأسوأ. في المحادثة الهاتفية التي جرت في الأسبوع الماضي، وفي مسعى أميركي أخير لتأجيل التشريع القضائي الأحادي الجانب، قال نتنياهو لبايدن إنه من غير الممكن التوصل إلى اتفاق لأن "المعارضة أسيرة الاحتجاج". لم يقتنع بايدن، هو يعتقد أن نتنياهو أسير لدى المتطرفين في ائتلافه. وحقيقة إقرار قانون المعقولية بنسخته المتطرفة أثبتت أن نتنياهو لم يبذل الحد الأدنى من الجهد كي يجعله أكثر اعتدالاً.
  • في الأسبوع الماضي، سُئلت الناطقة بلسان البيت الأبيض كارين جان -بيار عمّا إذا كان بايدن يصدق نتنياهو. مجرد السؤال يدل على مشكلة. لكن الجواب لم يقلّ إشكاليةً، فقد تهرّبت الناطقة من الرد. المشكلة أن بايدن وزعماء دول صديقة في أوروبا لا يصدقون كلمة من نتنياهو. المفاوضات الطويلة التي سبقت تشكيل الائتلاف أثبتت أن شركاء نتنياهو في الحكومة لا يصدقونه. لذا، عندما قال نتنياهو إنه لم يكن هناك احتمال للتوصل إلى اتفاق واسع مع المعارضة على التعديلات القضائية، ببساطة، لم يصدقه بايدن.
  • الضغط الأميركي على نتنياهو لوقف التشريع المتطرف والأحادي الجانب للحكومة فشل. فقد أُقرّ بالقراءتين الثانية والثالثة، وتسبب بتعاظم الاحتجاج، وأدى إلى قرار المئات من الجنود، وربما الآلاف، عدم التطوع في الاحتياط، وفاقم التصدعات في المجتمع، كما أدى إلى صدور تحذيرات من هيئات مالية دولية للمستثمرين، وتدهور الاقتصاد. كل هذا يثير قلق الولايات المتحدة لأنه يُضعف إسرائيل، ويمكن أن يدفع أعداءها، وعلى رأسهم إيران ومَن يدور في فلكها، إلى التفكير في أن الوقت حان لإلحاق هزيمة بإسرائيل من خلال حرب شاملة متعددة الساحات.

استراتيجية العصا والجزرة

  • في ضوء الفشل الأميركي في وقف التشريع الأحادي الجانب، انتقلت الإدارة الأميركية إلى أسلوب آخر، هو أسلوب العصا والجزرة. التطبيع مع السعودية هو الجزرة، وإذا فشل، فمن المحتمل أن تتخذ الإدارة إجراء عقوبات مؤلمة. الأهداف الاستراتيجية للتطبيع هي إنقاذ حل الدولتين الذي يريد بن غفير وسموتريتش القضاء عليه، وإنقاذ الديمقراطية في إسرائيل، والتي يهددها الإصلاح القضائي، وترميم الردع الإسرائيلي الذي تضرر كثيراً، وإنقاذ نتنياهو من نفسه، ومن الورطة التي وضع نفسه فيها.
  • الدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية يعتمد على النموذج الثلاثي لاتفاقات أبراهام التي منحت فيها الولايات المتحدة الدول العربية مقابلاً ملموساً لقاء موافقتها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. في الجولة الأولى، كان الثمن الذي قدمته إسرائيل ضئيلاً: تعهّد نتنياهو الامتناع من ضم مناطق حتى سنة 2024، والتخلي عن معارضته تزويد الإمارات بطائرات حربية من طراز أف - 35. انضمام السعودية إلى اتفاقات أبراهام أمر أكثر دراماتيكيةً بكثير، لذلك سيُطلب من إسرائيل تقديم مقابل أكبر بكثير.
  • في الأسابيع الأخيرة، تحول المعلّق المشهور في النيويورك تايمز توماس فريدمان إلى ناطق بلسان بايدن. وبات ينقل رسائل من الرئيس إلى إسرائيل. في الأسبوع الماضي، نشر الشروط الأميركية للتطبيع مع السعودية، والتي شملت تعهدات بالامتناع من ضم مناطق من الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات، ومن تشريع البؤر غير القانونية، وتأهيل الأرض في مناطق ج لمصلحة السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، تطالب الولايات المتحدة بوقف كامل وفوري للإصلاحات القضائية. ومن الواضح أن المقصود مطالب استهلالية قصوى للمفاوضات، يمكن أن توضح علامَ سيوافق نتنياهو. وبسبب عدم الثقة به، فإن التصريحات والوعود لا تكفي، وهو مطالَب بتقديم خطوات ملموسة على الأرض.
  • تدرك الولايات المتحدة أن المتطرفين في الائتلاف الحالي غير مستعدين لقبول الشروط الأميركية والسعودية للتطبيع، لأنهم يفضلون عليها الضم أو الإصلاح القضائي. ويبدو أن الإدارة الأميركية معنية بالوصول إلى تغيير حكومي من دون انتخابات، من خلال طرد المتطرفين واستبدالهم بحكومة وحدة وطنية. من المحتمل أن يكون نتنياهو مستعداً لمثل هذه الخطوة، لكن ثمة شك في أن يكون زعماء المعارضة مستعدين لها، ولا سيما بعد أن لُدغ بني غانتس في الماضي من شراكته مع نتنياهو. ومن المحتمل أنه من أجل إحباط أي خطوة من هذا النوع، يضغط المتطرفون في الائتلاف، برئاسة سموتريتش وبن غفير وليفين، على نتنياهو كي يفرض وقائع على الأرض في المناطق، تتعارض مع الشروط الأميركية والسعودية.
  • الطريق إلى التطبيع مع السعودية سيكون طويلاً وممتلئاً بالعقبات، وثمة شك في أن يكون نتنياهو الضعيف، والذي يفتقر إلى الثقة، قادراً على القيام ذلك.
 

المزيد ضمن العدد