الأمن الروتيني، ولا شيء غير ذلك
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

– قناة التلفزة الإسرائيلية
  • "روتيني"، هو المصطلح الدقيق، التراجيدي تقريباً، الذي يمكن من خلاله وصف العملية التي نُفِّذت أول أمس السبت في بلدة حوارة، وقُتل خلالها مواطنان إسرائيليان. عمليات شبيهة بها جرت مؤخراً في الضفة (وضمنها حوارة)، وللأسف، يبدو أن عمليات مشابهة لها، وحتى أصعب منها، ستُنفَّذ مستقبلاً.
  • العملية هي بمثابة تذكير بالتحديات الاستراتيجية الآخذة بالتصاعد من جانب المنظومة الفلسطينية، وعلى رأسها "الإرهاب" المتصاعد، الذي يتم الدفع به على يد أفراد أو مجموعات - بالأساس جيل الشباب - غير المنظّم في إطار الفصائل. وهؤلاء يتأثرون عادة بالتحريض الذي تقوم به "حماس" عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالأساس، وفي الخلفية أيضاً تتصاعد "تدخلات" إيران التي تسعى لاستغلال الأزمة الداخلية في إسرائيل، بهدف تعميق قدرة تأثيرها في الساحة الفلسطينية وتعزيز التهديدات ضد إسرائيل.
  • ما حدث في حوارة يُضاف إلى العملية في تل أبيب قبل نحو أسبوعين، والتي قُتل فيها رجل الأمن حان أمير، وهي الأُخرى عكست استمرارية التهديدات من طرف المنظومة الفلسطينية، وعلى رأسها تصدير "الإرهاب" من شمال الضفة، على الرغم من حملة "بيت وحديقة" في جنين، وعلى الرغم من جهود السلطة الفلسطينية لتعزيز سيادتها في المنطقة. وليس اعتباطاً أن تشدد "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على أن سلسلة العمليات تعكس عدم نجاح إسرائيل في ردع أو إحباط مَن يدفع بـ"الإرهاب" من الضفة، وقدرتهما على إزعاجها من دون توقف.
  • تستوجب العملية في حوارة أن نلقي نظرة على السياق الاستراتيجي الواسع. على مدار 15 عاماً تقريباً، تفتقد إسرائيل إلى سياسة منظمة إزاء الموضوع الفلسطيني: هناك عملية ملاحقة مستمرة للتهديدات الأمنية "اليومية" والتزام مهووس بـ"التسهيلات الاقتصادية" التي يتم التعامل معها على أنها استراتيجية، وفي الوقت نفسه، لا يجري أي حوار جاد بشأن الواقع الذي سيعيشه الشعبان بعد عدة أعوام، لا على مستوى القيادة، ولا على مستوى الجمهور.
  • عملياً، وتحت الرادار، يتم الدفع قدماً بسياسة، الهدف منها الدمج ما بين الضفة وإسرائيل. ما يقوم به الوزير سموتريتش يعكس جهوداً متعددة الأبعاد، الهدف منها، كما صرّح الأخير عدة مرات، محو الخط الأخضر وفرض السيادة على الضفة بالتدريج. وهو ما انعكس منذ بداية العام بوتيرة غير مسبوقة من خلال إعطاء تصاريح البناء في المنطقة، وتخصيص جزء كبير من ميزانية وزارة المواصلات لتطوير الضفة، بالإضافة إلى تشريع 10 بؤر استيطانية والسعي لتوحيد البلدات اليهودية إدارياً على جانبيْ الخط الأخضر.
  • هذا كله يهدف، حتى من دون إعلان أو حوار سياسي واعٍ، إلى واقع دولة واحدة، فيها شعبان لديهما مكانتان مدنيتان منفصلتان. وفي الواقع الذي تُلغى فيه كل الحدود المادية التي تفصل بين العرب واليهود، فإن عمليات صعبة كهذه التي نُفّذت أول أمس في حوارة، ستكون هي الروتين اليومي، وفي أعقابها، من المتوقع أيضاً أن تجري اشتباكات عنيفة بين المجتمعيْن اللذين يعيشان سوياً في نموذج بلقاني دامٍ.
  • ممنوع تلخيص الرد على الهجوم من خلال الصيغة الروتينية التي تقوم على إلقاء القبض على المسؤولين عن ذلك، أو اغتيالهم، وتعزيز الجهود الاستخباراتية والعملياتية، أو حتى إعلان توسيع البناء في الضفة. وفي الوقت نفسه، يجب على السياسة الإسرائيلية العامة في السياق الفلسطيني ألّا تتلخص في "مهدئات" على شكل تسهيلات اقتصادية للمجتمع الفلسطيني أو السلطة، وهو ما لا يمكن اعتباره حلاً للمشكلة الأساسية المتمثلة بتصاعُد عملية صهر المجتمعيْن، ومن المتوقع ألّا تقدم الحد الأدنى من الشروط للدفع بالتطبيع مع السعودية مستقبلاً.
  • من أجل المحافظة على المصالح الوجودية، على إسرائيل البدء بصوغ استراتيجيا بعيدة المدى في الموضوع الفلسطيني، وفي المقابل، أن تحاول - أكثر ما يمكن - الدفع بحوار مع القيادة في رام الله بشأن ترتيبات مستقبلية. هذا الحوار لن يؤدي، كما يبدو، إلى تفاهمات واسعة بين الطرفين، أو إلى نهاية الكراهية والتهديد ضد إسرائيل، لكنه سيكون كافياً إذا وُضعت في إطاره، بالاتفاق، أو بشكل أحادي الجانب - حدود معقولة تراعي الحسابات الأمنية الإسرائيلية، وتؤدي إلى تقليص خط التماس بين الشعبين.
  • بعد أقل من شهر، سنحيي "من دون طبول وأبواق" الذكرى الثلاثين لاتفاقية "أوسلو". وإلى جانب النقاش الداخلي الحاد والمهم بشأن الموضوع القضائي، سيكون من الضروري أن يبدأ المجتمع، وأيضاً القيادة، بحوار بشأن مستقبل الموضوع الفلسطيني الذي لا تقل أهميته عن أهمية الموضوع القانوني، وحتى أنه يمكن أن يكون أهم. على هذا الحوار أن يكون خالياً من أوهام اليوتوبيا، ويرتكز على المعطيات (بالأساس في الموضوع الديموغرافي) مترافق بالإدراك أن الزمن لا يلعب لمصلحة أيٍّ من الأطراف. على المجتمع الإسرائيلي أن يفهم أنه وفي هذا السياق، إذا وصلنا إلى نقطة اللا عودة، حيث الدولة الواحدة، فسيكون على إسرائيل أن تكون إمّا يهودية، وإمّا ديمقراطية، ولكن لن يكون ممكناً الاستمرار في وجود هذين المكونين الأساسيين في الوقت نفسه.