إسرائيل قدّرت أن التحسن الاقتصادي في القطاع سيؤدي إلى هدوء بعيد الأجل لكن "حماس" تتصرف بصورة مختلفة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تجري في الأيام الأخيرة اتصالات حثيثة، بمشاركة إسرائيل و"حماس" والأمم المتحدة ومصر وقطر، في محاولة لتهدئة التصعيد المستجد على الحدود مع قطاع غزة. منذ أسبوعين، تقام في كل ليلة تظاهرات فلسطينية عنيفة في مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي على طول السياج الحدودي. حكومة "حماس" في القطاع هي التي تمسك بالخيوط، لكنها تتجنب حتى الآن تحمُّل مسؤولية التظاهرات بصورة علنية.
- وما يجري ليس احتجاجاً شعبياً فقط، فبين المتظاهرين يتواجد شبان مسلحون بالمسدسات، يطلقون النار من مسافة عشرات الأمتار على الجنود الإسرائيليين. وقعت حادثة في منتصف هذا الشهر بالقرب من السياج، حيث قُتل 5 فلسطينيين في "حادث عمل" في أثناء زرعهم عبوة ناسفة: ويمكن التقدير أن هذه العبوة كانت ستتسبب بوقوع خسائر لو تم تفجيرها ضد آلية عسكرية إسرائيلية مصفحة.
- الحوادث التي تقع بالقرب من السياج لها علاقة بمحاولة "حماس" تحصين مكانتها على الساحة الفلسطينية، وبطلباتها من قطر وإسرائيل، وهي: تحويل المساعدة المالية من قطر بالكامل، وزيادة عدد العمال من القطاع الذين يحق لهم العمل في إسرائيل. لكن يبدو أنه يوجد في الخلفية إدراك قيادة "حماس" في غزة أن هامش المناورة الإسرائيلي تقلّص. وبحسب هذه النظرة، فإن الحكومة الإسرائيلية مشغولة بالأزمة السياسية التي صنعتها هي، ومن الصعب أن تجنّد اهتمامها وجهدها للقيام بعملية عسكرية في القطاع. من المحتمل أن تكون "حماس" على خطأ، وتكتشف أن الاحتكاك العسكري يخدم الحكومة، تحديداً، ويحوّل الانتباه عن التعقيدات في الساحة الداخلية موقتاً.
- كانت بداية التظاهرات على طول السياج بـ "مسيرات العودة" في سنة 2018، واستمرت عامين، وتوقفت مع تفشّي وباء الكورونا عالمياً. في سنة 2021، وبعد عملية "حارس الأسوار"، وصلت إلى الحكم في إسرائيل حكومة بينت-لبيد، وقامت بتغيير أساسي، فقد سمحت للمرة الأولى تقريباً منذ عقدين لقرابة 17.500 غزّي بالعمل في إسرائيل.
- وكانت الفكرة أنه إذا تحسّن الوضع الاقتصادي، بعد أعوام طويلة من الانهيار، فسيهدئ "حماس" ويجبرها على كبح العنف كي يستمر تدفُّق الأموال، حتى لو أدى ذلك إلى اشتباكها مع فصائل فلسطينية صغيرة. وهذا الأسلوب في العمل تبنّته حكومة نتنياهو، إلى حد ما، عندما عاد اليمين إلى الحكم، على الرغم من استمرار التصريحات بشأن الحاجة إلى استخدام المزيد من القوة ضد "حماس".
- لكن حتى في الأسلوب الحالي، هناك نقاط ضعف. أولاً، واصلت "حماس" التحريض بقوة على القيام بعمليات "إرهابية" في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، من خلال تدفّق المال وتوجيه التعليمات إلى الشبكات العسكرية هناك. ثانياً، لم تتوقف "حماس" عن بناء قوتها العسكرية في القطاع، ومؤخراً، بدأت بالسماح بالقيام بأعمال عنف على طول السياج الحدودي.
- في هذه الأثناء، تضافر جهد "حماس" مع تحرُّك تقوم به إيران وحزب الله، هدفه تهريب البنادق والمسدسات والعبوات الناسفة إلى المناطق. كما أن التوترات الأخيرة لها علاقة بما يجري في القدس. في الأسبوع المقبل، من المنتظر وصول أعداد كبيرة من اليهود إلى حرم المسجد الأقصى مع بدء الاحتفالات بعيد العرش [يبدأ بعد عيد الغفران ويستمر 8 أيام]. على هذه الخلفية، هناك حالة غليان وسط الجمهور الفلسطيني، ودعوات إلى منع وصول المصلّين اليهود إلى الحرم بالقوة. التحركات السياسية التي تجري حالياً من وراء الكواليس، الغرض منها التهدئة في غزة ومنع تجدُّد التوترات في القدس.
- من التسهيلات التي يجري البحث فيها بصورة غير مباشرة مع "حماس"، زيادة عدد العمال من غزة الذين يحق لهم العمل في إسرائيل إلى 20 ألفاً، وذلك وفقاً للخطة التي أعدّتها المؤسسة الأمنية قبل عدة أشهر (لقد مُنع دخول العمال مؤخراً، رداً على العنف على السياج، وسُمح هذا الصباح، بعد مرور ليلة هادئة نسبياً). لقد امتنعت الحكومة والمؤسسة الأمنية من القيام بفحص السياسة إزاء غزة. يمكن الادّعاء، بقدر كبير من الصدق، أنه مقارنةً بالمخاطر في الساحات الأُخرى (الأزمة الداخلية، الحدود مع لبنان، والضفة)، فإن الهدف هو تهدئة القطاع، حتى لو كان الثمن تحمُّل مخاطر معينة. لكن يبدو الآن أن إسرائيل تبيع نفسها نظرية خاطئة، مفادها أن "حماس" ملتزمة بتهدئة بعيدة المدى، وأن الجمهور الفلسطيني أحب التحسن الاقتصادي، وسيضغط على "حماس" كي لا تخرق الهدوء. وعملياً، وعلى الرغم من أن الغزّيين يخسرون قرابة 10 ملايين شيكل يومياً، منذ منع دخول العمال، فإن هذا لم يجعلهم يتراجعون حتى الآن.
الحلقة الضعيفة
- الجهد الإيراني لزيادة الهجمات برز في البيان الذي أصدره الشاباك أمس، وكشف فيه عن خلية مؤلفة من 3 فلسطينيين من الضفة وإثنين من العرب في إسرائيل، كانت تخطط للقيام بهجمات "إرهابية"، بتوجيهات من الاستخبارات الإيرانية. وسعت الخلية لتهريب السلاح إلى إسرائيل والمسّ بمسؤولين رفيعي المستوى هناك. وتمكن أعضاء الخلية من حرق سيارات في حيفا، بتوجيه من إيران.
- لقد كان المفروض أن يكون هذا اليوم يوماً كبيراً بالنسبة إلى بن غفير. إذ كشف البيان أن الوزير هو الهدف الإيراني الأساسي. لكن توقيت البيان لم يكن موفقاً بالنسبة إلى مهرج الأمن القومي. فقد أعلن قبل يوم من ذلك نيته المجيء اليوم إلى تل أبيب لأداء صلاة تفصل، علناً، بين النساء والرجال، احتجاجاً على الحوادث التي وقعت في المدينة في يوم الغفران. وأمس، قُتل 6 مواطنين عرب في أعمال قتل في بسمة طبعون [بلدة بدوية تقع في شمال إسرائيل] وحيفا. تُظهر الصور من الحادثة الأولى مقتل 5 مواطنين من عائلة واحدة بينما الحادثة الثانية، يبدو أنها انتقام لحادثة القتل.
- رغماً عنه، أعلن بن غفير إلغاء الصلاة المخطط لها بذريعة ضعيفة، وتوجّه إلى بسمة طبعون. لكن الأحداث الأخيرة في تل أبيب وفي الشمال جسّدت إلى أي حد تحول بن غفير إلى الحلقة الضعيفة في هذه الحكومة المجنونة. فهو لا يملك أي حلول لتفشّي الجريمة والسلوك الوحشي العنيف لأفراد من قوات الشرطة، ولا يقتصر الأمر على هذا فقط، بل نراه يضيّع وقته على التحريض ضد الاحتجاج على الانقلاب القضائي. يرى المحتجون في بن غفير، وعن حق، أنه الحجر الضعيف في الحائط الائتلافي. إن جزءاً لا بأس به من نشاطه يعتمد على ميوله الكهانية السابقة، وبفضل نتنياهو، وجد نفسه وزيراً كبيراً في المجلس الوزاري المصغر، وهذا المنصب أكبر بكثير من حجمه وقدراته.