نحن على أعتاب كارثة تاريخية (لإسرائيل أيضاً)
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إسرائيل على وشك أن تشنّ - أو ربما شنّت عند نشر هذه السطور، اجتياحاً برّياً كارثياً في قطاع غزة. هذا الاجتياح يمكن أن ينتهي إلى فشل لم تشهده قط، لا إسرائيل، ولا غزة. ويمكن أن تتحوّل الصور التي تصل من غزة في الأيام الأخيرة إلى مجرد مقدمة؛ وأن نجد أنفسنا أمام مذبحة جماعية. كثيرون من الجنود الإسرائيليين سيُقتلون بلا سبب، وسيكون سكان القطاع أمام نكبة ثانية يمكن رؤية مؤشراتها على الأرض. هذه الكارثة، لن يخرج أحد منها منتصراً.
- الصور من غزة تبدو مخيفة أكثر فأكثر، وساعة بعد ساعة. الإعلام الإسرائيلي المجنّد يخون وظيفته، ويمنع وصول الصورة إلى قرّائه. هو يكتفي بحديث الجنرالات الذي لا ينتهي، لكن الحقيقة التي تخفيها إسرائيل بشأن غزة، لا تعني أن الكارثة لا تحدث هناك. أكثر من مليون إنسان هربوا، خوفاً على حياتهم، أو لا يزالون يتشبثون بمنازلهم المهدّمة بيأس، نصفهم أطفال، كبار في السن، نساء، ومن ذوي الحاجات الخاصة؛ المرضى يهربون جنوباً، سيراً على الأقدام، أو على غطاء محرك سيارة، أو على الحمير، أو الدراجات الهوائية، يحملون القليل من أمتعتهم. يذهب الناس إلى الهلاك وهم يعلمون بذلك. لا يوجد أحد في هذه القوافل الهائلة المتجهة نحو الجنوب متيقّن من أنه سيكون لديه منزل يعود من أجله. لا يوجد أحد لم يتذكر النكبة التي عاشها آباؤهم قبل 75 عاماً. غزة كانت بالأمس مثل ناغورنو كاراباخ.
- أين سيذهب فلسطينيو قطاع غزة؟ أين سيختبئون؟ وأين سيجدون الملجأ؟ ربما في البحر. من دون كهرباء، ومن دون ماء، ومن دون دواء، ولا إنترنت.
- هذا الإخلاء هو عقاب جماعي يبشّر بالقادم. إسرائيل تقول إنها تريد تطهير شمال قطاع غزة، ثم ستنطلق جنوباً. مليونا إنسان، أو مَن سيتبقى منهم في قيد الحياة، سيطالَبون بالهروب مرة أُخرى، شمالاً، من أجل تطهير الجنوب. المهمة ستُستكمَل، والجيش سيحصي الكثيرين من القتلى، ويدّعي أنهم، في أغلبيتهم، كانوا نشطاء في "حماس"- كلّ فلسطيني يُقتل، سيُتّهم بأنه عضو في حركة "حماس". وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 724 طفلاً قُتلوا حتى يوم أمس ظهراً، حتى قبل أن يبدأ الاجتياح البرّي. وهؤلاء ليسوا أعضاء في "حماس".
- إسرائيل ستنتصر. غزة ستُمسَح، وسيتم تطهير الأنفاق، واغتيال "الحيوانات البشرية"، رائحة الموت ستخرج من القطاع وتندمج في صور الجائعين والمحتضرين في المستشفيات المكتظة، والعالم سيستمر في دعم إسرائيل. لقد تم الهجوم عليها "ببربرية"، ولم يكن لديها خيار آخر. المخطوفون الإسرائيليون يمكن أن يدفعوا الثمن من حياتهم. وبعدها، عندما سيعلَن وقف إطلاق النار في غزة المدمرة، ماذا بعد؟ مَن سيحكم القطاع؟ ممثلون للوكالة اليهودية؟ أو متعاونون من غزة؟ وماذا ستربح إسرائيل من ذلك؟ لم نقُل بعد أيّ كلمة عن الحرب المتعددة الجبهات التي يمكن أن تندلع وتغيّر قواعد اللعبة كلياً.
- إسرائيل تشنّ عملية خطِرة، ومن دون أيّ أفق. يمكنها أن تسأل الحلفاء في واشنطن: ماذا حصدوا من حروب الولايات المتحدة الكاذبة لتغيير الأنظمة في العالم. ملايين الأشخاص ماتوا من دون أيّ معنى، ومَن وصل إلى الحكم على حراب أميركا؟ ولكن، لسنا بحاجة إلى أميركا، حتى أنه لا حاجة إلى التفكير في مصيبة الفلسطينيين لكي نفهم أننا على أعتاب كارثة تاريخية، لإسرائيل أيضاً.
- إذا تم استكمال المهمة، وهدمت إسرائيل قطاع غزة، بحكامه وسكانه، فهذا الأمر سيُحفَر في وعي العالم العربي والإسلامي، وأيضاً العالم الثالث. "النكبة الثانية"، ستمنع مئات ملايين البشر في كل أصقاع العالم من قبول إسرائيل. سيكون هناك أنظمة عربية تتردد في البداية، ولكن الرأي العام في بلادهم لن يسمح لهم بالاستمرار في التجاهل. إسرائيل ستدفع الثمن، وسيكون أثقل مما يبدو لها الآن.
- إسرائيل على وشك الدخول في حرب كارثية، أو هي دخلتها فعلاً.
الكلمات المفتاحية