شهادة من الملجأ في "كفار غزة": القصف العشوائي لغزة ليس هو الحل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لقد كنت هناك. كنت أزور عائلتي الحبيبة في كيبوتس "كفار غزة"، وهو الكيبوتس الذي وُلدت وكبرت فيه، الكيبوتس الذي يعيش فيه كثيرون من أهلي، وأفراد عائلتي، وأبناء فرقتي، وأصدقائي، وأصدقاء أسرتي، وأعضاء الكيبوتس، الذين يشكلون معاً تجمعاً سكانياً متعاضداً ومتآلفاً.
  • كنت في الملجأ عندما بدأنا بإدراك ما الذي يجري حولنا، بيْد أننا لم نفهم شيئاً حقاً. عندما توقفت زوجة أخي عن الرد عن الرسائل الممتلئة بالقلق، وعندما كان ضجيج الرصاص والقذائف يحيط بالملجأ الصغير. حين وصلت ابنة أختي مع صديقها الذي أصيب بالرصاص في أثناء محاولته سدّ باب ملجأ شقته. لقد مرّوا عبر الكيبوتس بشجاعة كبيرة، ووصلوا إلى منزل أهلها، منزل أختي، مصابين ومرعوبين.
  • كنا هناك، قلقين على حياتنا، كنت مع أختي وزوجها وابنتيهما الصغرى والوسطى، وصديق ابنتها، وكلبتهما. في غرفة ملجأ مكتظة، مع مصاب بالرصاص ممدد على السجادة، قمنا بمعالجته بالوسائل القليلة التي كانت في حوزتنا؛ انتظرنا وصول مخلّص على مدار ساعات طويلة، من دون أن يأتي هذا المخلّص. كنا جالسين في الظلام، نحاول الحفاظ على الصمت (بقدر الإمكان، في ظل وجود فتى شاب يعاني جرّاء آلام مبرحة نتيجة رصاصتين أصابا كفّتيْ يديه، وكسور في ذراعيه)، لكي يعتقد "المخربون" أن لا أحد في المنزل. كنا نشعر بالعجز التام. كنا خائفين إلى حد الموت.
  • كنت هناك، ورائحة المعارك التي عبقت في المروج الخضراء والأرصفة التي أمضيت فيها طفولتي، تملأ أنفي، وهي تملأ أنفي حتى اللحظة. لا يزال الخوف يجعل عضلاتي كلها منقبضة، ومتدفقاً في شراييني. بعد ساعات طويلة، تم إنقاذنا وإخلاؤنا في عملية مفتقرة تماماً إلى المسؤولية، ومنطوية تماماً على المخاطرة بحياتنا. إنه الرعب مجدداً.
  • لا فكرة لديّ في كيفية تأثير ذلك فيما تبقى من حياتي. هل سأفلح في عدم الخوف من أيّ ضجيج صغير، أو عدم تخيُّل العيارات النارية في عتمة الليل؟ لكنني أشعر بأمر واحد، أكثر وأقوى من ذي قبل: يجب كسر حلقة الدم المستمرة هذه. يجب صبّ جميع القوى والجهود في التفكير في المدى البعيد: كيف يمكن بناء مستقبل هادئ وآمن لجميع الذين يعيشون في هذا المكان. لن ينتهي الأمر بمجرد استخدام كلمات، مثل "ردع"، و"ضربة قاضية"، و"حسم". لن نحقق الهدوء سوى باستخدام الوسائل السياسية.
  • لا رغبة لديّ في الانتقام، فلا شيء سيعيد الكثيرين الذين لم يعودوا معنا: نسيبتي ميرا، وطال، ابن مجموعتي، مجموعة "شاكيد"، وبيلا، الصديقة الأقرب إلى أمي منذ طفولتهما، وحفيدها، وزوج ابنتها، ولفناتوأفيف، الذي كانت عائلته جارتنا على مدار سنوات، وأطفالهم، وميخال التي كانت مرشدتي في أثناء مراهقتي، وابنها، وسمادار، أخت ليرون، وزوجها، وإيلي، والد أفنر، والمئات الآخرين.
  • إن القصف العشوائي في غزة، وقتل المدنيين غير الضالعين في الجرائم ليس هو الحل. بل على العكس، فهذه الأعمال هي الضمانة الأكيدة لتخليد العنف، والإرهاب، والحزن، والثكل.
  • لديّ حاجة إلى المعرفة، معرفة أن هنالك مَن يفكر ويقلق منذ الآن على مستقبل الباقين، مستقبل "كفار غزة"، وغلاف غزة، مستقبل جميع البشر المنصفين الذين يعيشون هنا، من إسرائيليين وفلسطينيين.
  • لست ساذجة. أنا أعرف كم سيكون الأمر طويلاً وصعباً، ولكن السنوات العشرين الماضية، وبصورة أكبر: أحداث ذلك السبت الملعون، قد أثبتا بأن أيّ قوة عسكرية في العالم لن تتمكن من توفير الحماية والأمن. إن التوصل إلى حل سياسي هو الأمر البراغماتي الوحيد الذي يمكن اتخاذه، ومن الواجب اتّباعه، وأنا أعرف أن علينا العمل على تحقيق ذلك، منذ اليوم.
 

المزيد ضمن العدد