افتداء المخطوفين والأسرى: بأيّ ثمن؟ وأيضاً ليس من خلال الحسابات السياسية الصغيرة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • تعيش إسرائيل مرحلة صدمة وجحيم، تتخللها لحظات بطولة رائعة، ولكن غير المتحمس لموضوع تسوية غزة بالأرض، يدرك أن القضية المؤلمة والفظيعة التي قد تجرّ علينا جهنم أُخرى، تنتظرنا في الأيام القليلة المقبلة. إنها قضية افتداء السجناء والمخطوفين، والثمن الذي سندفعه لقاء هؤلاء!
  • "لا تفتدِ الأسير بأكثر مما يستحق" و "لا تحكم على صديقك من دون أن تكون مكانه". هاتان الفتويان الشرعيتان، ستُحدثان هزة في المجتمع الإسرائيلي، وتضعانه في مواجهة خلاف سيؤدي إلى تمزيق وانقسام الشعب إلى جيدين وسيئين، ويساريين ويمينيين، ومتدينين وعلمانيين، ومقاتلين في الوحدات القتالية، والذين يخدمون في المناصب اللوجستية في الجيش، وفتيان وفتيات، إلى عائلات جنود أسرى، وعائلات مدنيين مخطوفين، إلى آباء لأطفال رضّع مخطوفين، وأحفاد لمخطوفين آخرين، ويبدو أن الانقسام المدمر سيطال كل بيت.
  • لقد بدأت، فعلاً، حملة الضغط التي يقوم بها أهالي المختطفين والأسرى ضد الحكومة. هناك تظاهرات ولافتات تنطلق وتُرفع منذ اللحظة في منطقة الكرياه [مربّع المكاتب الحكومية والأمنية الإسرائيلية]، وتمتزج في هذه التظاهرات المعاناة الإنسانية بالنقاشات السياسية الصغيرة، الأمر الذي من شأنه تلويث أجواء الألم الحقيقي. مَن يقوم بإدارة حملة الضغط هذه، هي مكاتب علاقات عامة انتهازية لا تربأ باستخدام آلام العائلات، والآن، هي تحاول امتطاءها. وعليكم أن تثقوا بأن هؤلاء الانتهازيين سيحرصون على تأجيج الألم، وصيانته، على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، لأن هذا يصبّ في مصلحتهم.
  • لن تكون مكاتب العلاقات العامة وحدها التي ستحاول ركوب الموجة، وبناءً على خبرتنا في الماضي، يمكن لنا أن نكون متأكدين أن المحكمة العليا تقوم منذ الآن بتحضير وتلميع بنود قضائية لكي تناقش قضية تبادُل الأسرى، وهكذا، يُصَبّ المزيد من الزيت على قضية الإصلاحات القضائية. ألا تتذكرون كيف تصرفت المحكمة العليا في قضية جلعاد شاليط، ونتائج الخلاف الخطِر آنذاك: كم "مخرباً" بالضبط يساوي جلعاد شاليط؟
  • إذا اعتقدنا أن لجنة شمغار، اللجنة التي أقيمت لمناقشة قواعد ومبادئ افتداء الأسرى والمخطوفين، قد تمكنت من حل الموضوع المعقد، فنحن مخطئون، فلا حلول ولا قواعد مكتوبة علنية صادرة عن هذه اللجنة. لقد تم تصنيف توصيات لجنة شمغار بصفتها "سرية للغاية"، ولذا، فإن مضمونها سرّي، لكن التسريبات تشير إلى أنه لا خلاص من القضية المؤلمة، وأنه من المؤكد عدم وجود قواعد واضحة وملزِمة لافتداء الأسرى. لكن كل ما يمكننا العثور عليه في تعريف اللجنة لنفسها، هو مجموعة من العبارات المكررة، على غرار: لقد قررت اللجنة عدم استخدام كلمة "ثمن"، بل استبدالها بكلمة "مقابل"، وهو ما يحيل مسألة تبادُل الأسرى إلى عملية تجارية لا غير.
  • لقد حددت اللجنة أنه يجب التمييز بين أنواع الأسرى والمخطوفين، بمعنى أنه علينا التمييز بين الجنود الأسرى والمدنيين المخطوفين. وقد قامت اللجنة بتحديد المنطق الذي يقف وراء هذا التمييز الفظيع، بالاستناد إلى قواعد القضاء الدولي، والمعاهدات المتعلقة بالأسر، لكن علينا ألّا نحسد جال هيرش [المسؤول الذي عيّنه نتنياهو، لمتابعة موضوع الأسرى الإسرائيليين في القطاع] على موقفه، حينما يتعين عليه أن يقوم بإجراء تمييز بين جنود أسرى ومخطوفين مسنين. سيتم صلب هذا الرجل في ميدان عام، ومَن سيقوم بذلك هي مكاتب العلاقات العامة المذكورة سابقاً.
  • ما سبق، يثير تأملات مؤلمة في المسألة الجوهرية: ما هو الثمن المناسب لافتداء المخطوفين الأسرى؟ هل مقاربة "علينا افتداؤهم بأيّ ثمن" التي تتبناها عائلات الأسرى التعيسة، هي مقاربة أخلاقية؟ وهل المطالبة بالتضحية بسريّة من الجنود في مقابل تحرير أسير واحد هي أمر أخلاقي؟
  • إليكم سؤال مؤلم، لكنه حقيقي، في ضوء تاريخ إسرائيل: ألا يمكن أن تكون مسألة الأخلاقية مستمدة من ثراء العائلات؟ من قوتها الاجتماعية وقدرتها على الوصول إلى وسائل الإعلام؟ جميعنا يعلم بأن عائلة إيلي كوهين [الجاسوس الإسرائيلي المولود في الإسكندرية الذي أعدمته سورية في سنة 1965] لم تكن تملك القدرة على الوصول إلى وسائل الإعلام، حتى يتم الحؤول دون تنفيذ حُكم الإعدام به. وعلى الأقل، لو كانت تملك مثل هذا النفوذ، لكانت رفاته، على الأقل، دُفنت في إسرائيل منذ وقت بعيد.
  • علاوةً على ما تقدّم، هل سمع أحدكم عن أسرى فضيحة لافون [العملية السرية الإسرائيلية الفاشلة لمهاجمة أهداف أميركية في مصر (1954)] قبل أن يتم إطلاق سراحهم بالكامل؟ وأن غولدا مئير لم تكشف عن اسم الأسيرة مارسيل نينو [العضو في خلية لافون]، إلّا بعد هبوطها في مطار بن غوريون؟
  •  ثم: ما الذي سيحدث لروح الوطنية؟ وأيهما سيكون أقوى: افتداء الأسرى بأيّ ثمن، أم تحقيق الهدف [العسكري] بأي ثمن؟ على أولئك الذين لديهم إجابات واضحة وأخلاقية على المعضلات المذكورة أعلاه، أن يقدموا لنا الإجابات.
  • وأخيراً، نداء مؤلم إلى أهالي المخطوفين والأسرى: إن قلب الشعب بأسره معكم، ومعاناتكم هي معاناتنا جميعاً، وألمكم هو أيضاً جحيمنا، لكننا حين ننتقد فكرة تحرير الأسرى "بأيّ ثمن"، فإنه من المهم أن تعلم الأجيال المقبلة بحدود الثمن. ورجاءً: اتركوا السياسات الصغيرة والانتهازية.
 

المزيد ضمن العدد