موعد الحملة البرية على غزة يقترب، ويحظر علينا أن نعلّق عليها كثيراً من الآمال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • خلال أيام قليلة، سيبدأ على الأرجح التحرك البري الكبير في حرب "السيوف الحديدية". من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسريع الساعات المختلفة في المنظومة المعقدة التي تعمل إسرائيل في داخلها، بصورة كبيرة: محاولة الحؤول، بقدر الإمكان، دون اشتعال الحدود الشمالية؛ المنظومة الإقليمية والدولية التي تكاد تصل إلى نقطة الغليان؛ وطبعاً، القضية المؤلمة المتمثلة في مئات المخطوفين الإسرائيليين في القطاع.
  • يقدم الجمهور الإسرائيلي دعماً واضحاً للاجتياح البري، إلى جانب توقعات هذا الجمهور بشأن تحقيق أهداف الحرب التي حددها المجلس الوزاري المصغّر: تقويض حُكم "حماس"، وإبادة قدراتها العسكرية، وإنهاء تهديد "الإرهاب" من القطاع (إلى جانب إعادة المخطوفين وحماية حدود الدولة ومواطنيها). ينبع هذا التوقع أيضاً من أن سحابة من الوعي تظلل الاجتياح البري، يعود تاريخها، في أقل تقدير، إلى 17 عاماً، منذ حرب لبنان الثانية: إذ يُنظر إلى الاجتياح، بصفته دليلاً على جهوزية إسرائيل، وعلى إصرارها ورغبتها في تحقيق الانتصار، مع تعريض حياة الجنود للخطر والاستعداد لتقديم التضحيات. ووفقاً لهذا التصور، فإذا امتنع الجيش الإسرائيلي من تنفيذ الاجتياح الآن، بعد كل هذه المشاهد الفظيعة التي رأيناها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفي ظل الشعور بالتهديد الوجودي في أوساط قطاعات كبيرة من الجمهور، سيُنظر إلى الأمر على أنه تراخٍ غير مقبول، يثبت لأعدائنا، بصورة قاطعة، بأننا فعلاً "أوهن من بيت العنكبوت"، وهذا سيجلب لنا حرباً عظيمة.
  • في نظري، فإن المقولة التي فات زمنها، والتي تفيد بأن "الشعب ليس مستعداً لتحمُّل الخسائر"، وهي مقولة شاع استخدامها أيضاً بين كبار المسؤولين العسكريين، كذريعة للتقاعس عن التحرك، لم تكن صحيحة في المطلق، وفي هذه المرة أيضاً، من المؤكد أن علينا عدم التشكيك في جاهزية المقاتلين لتعريض أرواحهم للخطر، والجمهور للخسائر. لكن هذا العبء النفسي يجب ألّا يكون حائلاً بيننا وبين النظر، بصورة واقعية، إلى أهداف المناورة البرية وإنجازاتها المحتملة، -واستباقاً، ودرءاً لأيّ تشكيك، أصرّح بأنني أدعم شنّها- مَن يتحدث عن حملة "سور واقٍ" في غزة، يتجاهل سخافة المقارنة التاريخية، ذلك بأن الاجتياح البري، مهما كان ناجحاً، فإن نجاحاته ستكون محدودة، لذلك، فإن الاجتياح يجب أن يكون جزءاً من منظومة متكاملة، ليتحقق النجاح."
  • كان هدف حملة "السور الواقي" السيطرة على مدن الضفة، في ظل وجود حد أدنى من المقاومة (23 من قتلى الجيش الـ 30 في هذه الحملة سقطوا في معركة جنين)، في حين لم يكن هناك مصاعب عسكرية في الاحتفاظ بالأرض بعد احتلالها. وحتى هذه الحملة الناجحة، لم تفلح في وقف "الإرهاب"، ففي حزيران/يونيو 2002، قُتل 57 إسرائيلياً في هجمات متنوعة. وقد كان هناك حاجة إلى حملات استكمالية (حملة "الطريق الحازم" في أيلول/سبتمبر 2002)، والسيطرة التامة على الأرض على مدار أكثر من عامين، إلى أن خبَت نار "الإرهاب". من المهم في هذا النقاش قول التالي: إن قتل العدو والاحتكاك به لم يكونا هدفين قائمَين بذاتهما في حملة "السور الواقي"؛ أما في الاجتياح الذي يقترب أوانه في غزة، فإن هذين الهدفين، بالذات، سيكونان الأساسيَين، من حيث كون الاجتياح تعبيراً ملموساً عن السعي للقضاء على قدرات "حماس" العسكرية، إلى جانب القضاء على كبار قادتها. لن يتم تركيع "حماس" بواسطة الحملة البرية فقط. إن ترسيم أهداف غير واقعية، من شأنه أن يخلق لدينا إحساساً خطِراً بالفشل.
  • ستدخل قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة، وهذه القوات، باستخدامها وسائل عديدة، عليها أن تزيد كثيراً في قدرتها على الفتك في أوساط مقاتلي "حماس"، وتدمير بناهم التحتية وشبكاتهم التنظيمية. وبعكس الوضع الذي نشأ في "يهودا والسامرة"، يتعين علينا عدم البقاء في غزة وقتاً طويلاً جداً، كي لا نعرّض مقاتلينا للمخاطر التي ينطوي عليها الاحتلال الثابت: التعرض لقذائف الهاون، ورصاص القنص، والكمائن، والعمليات "الانتحارية". يجب أن تحقق هذه الحملة هدف قتل "المخربين" وتدمير الأهداف، ثم التحرك قدماً، وفي نهاية المطاف أيضاً: التحرك إلى خارج القطاع. وبعد ذلك، ستستمر المعركة بالنار، وربما تُشَنّ حملات برية إضافية، إلى أن يتم تدمير ما يكفي من القوة العسكرية والسلطوية لحركة "حماس".
  • سيتم ضمان عدم قدرة "حماس" على تجديد قوتها، من خلال عمل متواصل ومستمر مع الوقت، يتمثل في إحباط بناء شبكات جديدة، قد يشمل هذا العمل أيضاً مناورات برية إضافية. وفي المقام الأول، إن هذه الهندسة ستضمن لنا تشكيل تحالُف إقليمي ودولي تقوده الولايات المتحدة وتدعمه، ويضمن أن إعادة إعمار غزة، لن تعني هذه المرة إعادة إعمار "حماس"، كما ينبغي لهذا التحالف أن يوفر لنا الوقت والشرعية لمواصلة العمل، حسبما وعدنا الرئيس جو بايدن.
  • المناورة البرية الآتية ليست سوى أداة من ضمن مجموعة من الأدوات، ومهما بلغت أهميتها وقوتها، لن تكون إلّا جزءاً من ترسانة كاملة من الأدوات المطلوبة لتحقيق الهدف. علينا ألّا نعلّق عليها كثيراً من الآمال، فهذا سيؤدي، بالضرورة، إلى خيبة الأمل، لأنها لن تحقق "سوى" الإضرار الخطِر بالناس والبنى التحتية، وهي خيبة أمل ستزعزع، أكثر فأكثر، الثقة الشعبية بقدرات الجيش. يتعين علينا عدم التحدث عن حرب تستمر عدة أشهر، وأن نبدأ بعدّ الدقائق والساعات وإلقاء اللائمة على الجيش الذي لم يتحرك بعد، على الرغم من أنه في أتم الجاهزية. إذا كانت الأداة جاهزة، فهذا لا يعني أنه يجب علينا استخدامها في أيّ وقت، وعلينا انتظار الوقت اللائق، من أجل تحقيق الهدف اللائق، ومع تعليق توقعات لائقة بهما.
  • ما لا يقلّ أهميةً عمّا تقدم، هو التالي: إذا كان هناك فرصة لتحقيق إنجاز في قضية المخطوفين، على غرار تحرير عدد كبير منهم في مقابل ضمان إسرائيل تقديم إغاثة إنسانية، فهناك واجب أخلاقي وعملاني ينبغي له أن يدفعنا إلى تنفيذ الأمر. واجب أخلاقي، لأن إسرائيل أخفقت في حماية مواطنيها المخطوفين؛ وعملاني، لأن هذا سيكون الإنجاز الأول في العمل القتالي.
  • حين يشبّه رئيس الولايات المتحدة حركة "حماس" بـ "داعش"، فهو لا يعني فقط مقارنة "الفظائع التي ارتكبها هذان التنظيمان الإرهابيان"؛ فهو يعني أيضاً أن "علينا تركيع ’حماس’ كما ركّعنا ’داعش’": في معركة مشتركة مدعومة بتحالُف دولي، عبر تشكيلة من الوسائل العسكرية، وعلى مدار وقت طويل. طبعاً، لا يمكن أن نجري مقارنة، "داعش" لم تقُم بذبح آلاف المواطنين على أراضي الولايات المتحدة، ولم تطلق الصواريخ على واشنطن. لكن مَن يسعى حقاً لتركيع "حماس"، واجتثاث قدراتها العسكرية، وضمان عدم قدرتها على تجديد هذه القدرات، عليه أن يدرك أنه لا يمكن فعل ذلك، فقط بواسطة الاجتياح البري، مهما كان هائلاً، وأن تعليق الآمال غير الواقعية على خطوة واحدة، من شأنه التسبب ببثّ الشعور بالفشل، وهذا الشعور، في ظل الوضع الحالي، خطِر جداً.
 

المزيد ضمن العدد