"حماس" تستخدم الوسطاء لتحديد وتيرة المفاوضات والحرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • على الرغم من القصف المكثف وإصابة مئات الأهداف التابعة لـ"حماس" وتدمير قيادات الحركة ومنشآتها، يبدو أن خطوط الاتصالات بين قيادة الحركة في غزة وبين العالم الخارجي لا تزال تعمل، وتسمح بإدارة المفاوضات بينها وبين الدول التي تقوم بالوساطات، مثل مصر وقطر وتركيا، وعلى ما يبدو، مع قيادتها في الخارج. فرضية العمل التي ينتهجها الوسطاء، هي أن "حماس" ليست مهتمة فقط بإجراء مفاوضات من أجل الضغط على إسرائيل والحصول على تنازلات جوهرية - بدءاً من تحرير الأسرى، مروراً بوقف الهجمات على غزة، ووصولاً إلى حلٍّ ما، يسمح لها بالاستمرار في السيطرة على غزة- بل أيضاً تقدّر أن مثل هذه الإنجازات ممكن بمرور الوقت. وهذا الافتراض هو الذي سيظل يوجّه الجهود الدبلوماسية، ما دامت إسرائيل تؤجل العملية البرية. ومع بدء هذه العملية، فإن "حماس" ستفسّر ذلك بالتخلي عن استمرار المفاوضات بشأن إطلاق المخطوفين، وبالتالي، سيتعين عليها تغيير طريقة تحرُّكها.
  • عدد المخطوفين لدى "حماس" والجهاد الإسلامي، ولدى تنظيمات أُخرى، غير معروف. قبل أسبوعين، قال زعيم الجهاد زياد النخالة إن لدى التنظيم أكثر من 30 مخطوفاً، من عسكريين ومدنيين. لكن من الواضح أن المفاوضات تجري فقط مع "حماس"، وليس هناك معلومات عن تنسيق فيما بينها وبين الجهاد بشأن مسألة الترتيبات لإعادة المخطوفين، ومطالب كل تنظيم، أو القدرة على التوصل إلى وساطة مع الجهاد. المفاوضات مع "حماس"، تجريها مصر وقطر، وبصورة أقل تركيا، والجزء الأكبر من الاتصالات يجري مع إسماعيل هنية ورجاله في تركيا. لدى مصر اتصالات بالجهاد الإسلامي، لكن ليس لديها أدوات ضغط على الحركة، لا مدنية ولا عسكرية. فهذه الوسائل تملكها إيران، وإلى حد ما، حزب الله، المقرب جداً من النخالة، ومن زعيم الجناح العسكري لـ"حماس" في الخارج، صالح العاروري، المسؤول عن الضفة الغربية، والمقيم ببيروت.
  • وهناك دور مركزي للولايات المتحدة التي تضغط في هذه الأثناء من أجل لجم الهجوم البري الإسرائيلي، وكذلك تفعل مصر وقطر. وبذلك، تكون الولايات المتحدة شريكة مباشرة في عملية المفاوضات، ما دامت مستمرة، ومن دون أن تحدد موعداً لانتهائها، أو للتخلي عنها. وفي الواقع، فإن الجزء الأكبر من ثقلها ناجم عن علاقتها بإسرائيل، لكن لقطر ومصر اعتبارات وازنة جداً، لإظهار قدراتهما إزاء الولايات المتحدة. فقد بلورت قطر في العقود الأخيرة صورة لها كدولة موالية للغرب، وتستضيف على أراضيها أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وتستثمر في الولايات المتحدة والدول الأوروبية بمئات مليارات الدولارات، كما أثبتت نجاعة وساطتها عندما ساهمت في التوصل إلى اتفاق بشأن تبادُل الأسرى بين واشنطن وإيران. قبلها، كانت شريكة فاعلة وجوهرية في صوغ الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، قبيل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. ولهذا، حصلت من الرئيس الأميركي على مكانة رسمية، كحليفة رفيعة المستوى من خارج حلف الناتو.
  • وقطر هي المورّد الأساسي للغاز إلى أوروبا، ومؤخراً، وقّعت عقداً جديداً لتوريد الغاز السائل إلى ألمانيا لمدة 15 عاماً، بقيمة مليارات اليوروهات. في الوقت عينه، قطر هي الدولة التي تموّل وتدعم الميليشيات في سورية وليبيا، وهي الملاذ لجزء من قادة "حماس". حاكم قطر الأمير تميم بن حمد غادر المؤتمر الدولي الذي عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من دون أن يلقي كلمته. لقد أوضح الأمير تميم سبب مغادرته، لكن المحللين نسبوا هذه المغادرة كرد على كلام الأمين العام لجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذي وصف "حماس" بأنها حركة "إرهابية".
  • مصر التي تعاني جرّاء أزمة اقتصادية عميقة، وتلقّت ضربة بتقليص 80 مليون دولار من المساعدة الأميركية لها بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، تتمتع بوضع "دولة حيوية بالنسبة إلى المصالح الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط"، كما وصفها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ذات يوم، في ردّه في الكونغرس عن سؤال: لماذا يجب عدم تقليص 320 مليون دولار من المساعدة المقدمة إلى مصر. لقد كانت مصر شريكة في المقاطعة التي فرضتها السعودية والبحرين ودولة الإمارات على قطر في سنة 2017، وكانت آخر مَن تصالح معها. ومنذ المصالحة التي وُقّعت في سنة 2021، أودعت قطر نحو 3 مليارات دولار في المصارف المصرية، وتعهدت توظيف استثمارات بحجم 5 مليارات دولار. لكن الشكوك المصرية لم تتبدد فعلاً حيال نشاطات قطر، كونها إحدى الدول الأساسية التي تؤيد حركة الإخوان المسلمين، التي تخوض مصر ضدها حرباً لا هوادة فيها.
  • مصر لها تجربة طويلة في الوساطات والمحادثات مع "حماس"، سواء في مسائل الوساطة بينها وبين "فتح"، أم بشأن ترتيبات التهدئة ووقف إطلاق النار اللذين يجري التوصل إليهما بعد كل عملية عسكرية، وأيضاً لأن مصر من بين الدول الأساسية التي قامت بإعادة إعمار القطاع حتى اندلاع الحرب. لذلك، فإن قطر ومصر بحاجة إلى إنجازات الوساطة، و"حماس" بحاجة إلى تعزيز علاقات جيدة معهما، لأن قطر تمولّها، ولأن معبر رفح، أنبوب الهواء الاقتصادي، في يد مصر.
  • وعلى ما يبدو، حاجة "حماس" إلى الموازنة بينهما، أدت إلى توزيع "المكافآت" بينهما، أي تحرير المخطوفين. لقد حصلت مصر على ثناء كبير لمساهمتها في إطلاق سراح المخطوفتين الإسرائيليتين يوخفيد ليفشيتس ونوريت كوفر، وقبل يوم، كانت قطر هي التي حصلت على الثناء لإطلاق يهوديت ونتالي رعنان. التكتيك الذي سيُعتمد لاحقاً ليس واضحاً، هل ستزداد وتيرة إطلاق المخطوفين، أم ستتوقف، ويبدو حتى الآن، أن أدوات الوساطات السياسية التي تستخدمها "حماس"، تنجح في تحديد وتيرة المفاوضات والجدول الزمني للحرب.
  • التخوف الأكبر هو من المرحلة التي تصل فيها المفاوضات إلى حائط مسدود، ويتضح لـ"حماس" أنها لن تحصل على أكثر من شاحنات الغذاء والدواء لمواطني غزة، وأن قطر ومصر، وحتى الولايات المتحدة، لن تفلح في وقف الهجوم البري. لقد سارعت إسرائيل إلى تشبيه "حماس" بـ"داعش" بسبب "الوحشية اللاإنسانية" التي أظهرتها في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. لكن هذا التشبيه يمكن أن يتحقق، إذا فهمت "حماس" خلال المفاوضات بشأن إطلاق المخطوفين، أنها تخوض معركة حياتها. خلال سنتَي 2013-2014، أسرت "داعش" رهائن غربيين في سورية. وطلبت من العائلات كلها دفع فدية تقدَّر بملايين الدولارات. وكل الدول الغربية، باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا، دفعت الفدية. وأطلقت جميع الرهائن، باستثناء الرهائن الأميركيين والبريطانيين، الذين تعرضوا للتعذيب وأُعدموا. إطلاق المخطوفين، بالقطارة، كما تفعل "حماس" الآن، يمكن أن يتحول إلى إعدامات محسوبة، وبطيئة، ومدروسة، لا يمكن أن نعرف كيف ستؤثر في الرأي العام في إسرائيل. وباستثناء التصريحات العلنية التي تقول فيها إسرائيل إنها ستعمل على مسارين، إطاحة "حماس" وتحرير المخطوفين، من الصعب رؤية كيف ستتحقق هذه الاستراتيجيا على أرض الواقع. المخطوفون رصيد بالغ الأهمية، ما داموا يُستخدَمون في المفاوضات لوقف الحرب. وعندما تبدأ الحرب البرية، فإن قيمة هذا الرصيد ستتضرر، ومن الممكن أن تتحول إلى عبء على "حماس".
 

المزيد ضمن العدد