عميحاي إلياهو دمّر 60 عاماً من سياسة الغموض
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الوزير عميحاي إلياهو ألقى هذا الصباح قنبلة نووية، واقترح إلقاءها على غزة، لكنها سقطت على رأس دولة إسرائيل، وعلى مكانتها الدولية المهزوزة، وخصوصاً على تزوُّد أعدائنا بالطاقة النووية في ذروة حرب قاسية ودموية. كلامه السخيف، هو كقنبلة قذرة تنتشر مكوناتها وأضرارها بصورة أكبر بعد الضربة الأولى.
- منذ أكثر من 60 عاماً، تنتهج إسرائيل سياسة الغموض. وهي لا تؤكد، ولا تكذّب التقارير والتقديرات بشأن امتلاكها سلاحاً نووياً. الإعلان الرسمي الذي صاغه وزير الدفاع شمعون بيرس ورئيس الحكومة ليفي أشكول، اللذان قاوما الضغوط من الولايات المتحدة، ومن دول أُخرى كثيرة حاولت معرفة ماذا يوجد في ديمونا، مفاده إن "إسرائيل لن تكون أول دولة تُدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط". لاحقاً، كان هناك صيَغ لغوية أُخرى.
- هذه السياسة الحكيمة التي خرقتها تصريحات غير مسؤولة لرئيس الدولة أفرايم كاتسير، بعد حرب يوم الغفران، وتلميحات رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، صمدت دائماً عند الاختبار. وهي التي سمحت لدول الغرب، وفي طليعتها الولايات المتحدة، تجاهُل ادعاءات العالم العربي وإيران أن إسرائيل تملك سلاحاً نووياً، وعلى الرغم من أن معاهد أبحاث مهمة في العالم تقدّر أن لدى إسرائيل عشرات الرؤوس النووية. وباسم هذه السياسة، طُلب من الصحافيين الإسرائيليين إضافة عبارة "بالاستناد إلى تقارير أجنبية"، عندما نتحدث عن المشروع النووي الإسرائيلي.
- وإذا بوزير في الحكومة الإسرائيلية يقترح على رؤوس الأشهاد تحويل غزة إلى نسخة من هيروشيما وناغازاكي (كأن إسرائيل تنقصها متاعب نووية). كون المقصود هو وزير التراث وواحد من كثيرين يتولون وزارة مُكلفة وغير ضرورية، لا يقدم ولا يؤخر. فالعالم لا يعرف إرث وحجم مساهمة عمياحي إلياهو، وهو من الجيل الثالث من سلالة مسيانية متعصبة (كان جده عضواً في العصابة المتطرفة التي أرادت أن تقيم في إسرائيل دولة الهالاخاه في سنة 1950، ودعا والده إلى عدم تأجير منازل للعرب عندما كان الحاخام الرئيسي في صفد). بالنسبة إلى العالم، المقصود جهة رسمية في إسرائيل تعترف بأن لدى دولتها سلاحاً نووياً، وهي مستعدة لاستخدامه من أجل ارتكاب جريمة تدمير جماعي.
- لقد كانت تصريحاته أشبه بالموسيقى بالنسبة إلى آذان إيران، التي هي دولة على عتبة النووي، وتتردد منذ سنوات عما إذا كان عليها تجاوُز هذه العتبة. كلام الوزير إلياهو منح كل مَن يكره إسرائيل ويعتبرها دولة مجرمة لا تميز بين الإرهابيين وبين الأبرياء، دفعاً قوياً. وهو بذلك يقوّي "حماس" التي في إمكانها الادعاء أن إسرائيل تنوي ارتكاب جرائم حرب، وكذلك جهات قانونية دولية تنتظر إسرائيل لملاحقتها في اليوم التالي للحرب. على خلفية هذا الكلام السخيف الذي ترافق مع كلام بأن المخطوفين الذين سيُقتلون هم "ثمن لا بد من دفعه"، ضاع الحافز لدى "حماس"، حتى الآن، على الإبقاء على المخطوفين الإسرائيليين لديها في قيد الحياة. فإذا كانت إسرائيل لا تحافظ على إبقائهم أحياء، فلماذا تفعل "حماس" ذلك؟
- لكن الضربة الأقسى وجّهها الوزير إلياهو إلى الولايات المتحدة التي لا يمكن إلا الحديث عن أهمية مساعدتها لإسرائيل في هذه الحرب. منذ اليوم الأول للحرب، تبذل إدارة الرئيس بايدن جهدها للسماح لإسرائيل بإدارة الحرب، من دون إزعاج وضجة، على الرغم من المعارضة الداخلية لها، وما دامت إسرائيل تبذل جهدها من أجل تقليص "الأضرار الجانبية" والمسّ بالمدنيين. الآن، في واشنطن يشدّون بشعورهم.
- من الواضح أن ليس لدى الوزير إلياهو فكرة عما يتحدث عنه. صحيح أنه وزير ثانوي، لكن الضرر الذي أحدثه كان كبيراً جداً. وهو يضاف إلى القلق الذي ازداد في الغرب خلال الأشهر العشرة الأخيرة للاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، والتساؤل هل إسرائيل – التي تُعتبر دولة نووية - هي دولة عاقلة وعقلانية في ظل حُكم بنيامين نتنياهو؟ وكما كتبت هنا في الماضي، كما يطرح العالم تساؤلات عن باكستان، الدولة التي تقوم على أسس إسلامية أصولية، وتملك ترسانة نووية معلنة، يمكن طرح التساؤلات أيضاً بشأن إسرائيل، وفي طليعة هذه الأسئلة: من هو الشخص الذي يضع يده على الزر.
- رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تحفّظ عن كلام الوزير إلياهو، وعلّق حضوره الجلسات الحكومية، لكن ليس لهذا القرار مغزى قانوني. إلياهو نفسه أصدر توضيحاً بأنه تحدّث عن قنبلة نووية بصورة "مجازية"، لكن الضرر حدث.
- يواصل الوزير إلياهو تحمُّل مسؤولياته كوزير في الحكومة، ويتعين على نتنياهو إقالته من منصبه. لكن نتنياهو يواصل خوض سياسة البقاء على الرغم من الحرب، ولن يجرؤ على القيام بهذه الخطوة، وهو بذلك يمنح شرعية لهذه الحكومة الواهمة، ولتصريحات أعضائها الخطِرة.