بعد أن قمنا بإضعاف عباس طوال سنوات، فجأة نريد منه تخليصنا من الوحل الغزي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لمّا تنته الحرب في قطاع غزة بعد. في إسرائيل، تسود التقديرات أن هذه الحرب قد تستمر عدة أشهر قبل أن يتم تركيع "حماس". في هذه المرة، وخلافاً للحملات الأُخرى التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، لا أحد يتحدث عن صورة النصر. فمن غير المعقول تحقيق النصر بعد "السبت الأسود"، حتى لو تم القبض على يحيى السنوار و"قطع رأسه"... حتى لو تم "قطع رأس" كل مَن يعتقد أنه نجح في الهروب عبر أنفاق غزة، من سائر أعضاء قيادة الحركة، على المستويَين العسكري والسياسي. مَن يعتقد ذلك، فهو لا يعرف قيمة الشهادة في أوساط الإسلام الأصولي.
  • وبعد تضييق الخناق حول عنق "حماس"، لأنه ما من طريقة أُخرى لإسقاط حكمها، ستبدأ مرحلة "اليوم التالي". في الواقع، منذ الآن، وقبل أن تنتهي الحرب، تدور حوارات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتعلق بهذا اليوم، وهما تكتشفان أنه لا فكرة لديهما، في المطلق، بشأن مَن سيحل محل "حماس".
  • تعتري البعض فانتازيا تقوم بموجبها قوات السلطة الفلسطينية التابعة لمحمود عباس، بإغداق أفضالها علينا، بقبول الدخول إلى قطاع غزة واستعادة السلطة التي انتُزعت منها بالقوة في حزيران/يونيو 2007، في الانقلاب الذي نفّذته "حماس". فجأة، صار مَن يصفه نتنياهو بـ"الإرهابي" و "داعم الإرهاب" و"المشجع على الإرهاب"، هو حلمنا، وهو الذي سيوافق على استلام مفاتيح قطاع غزة الذي أغلقته إسرائيل قبل فرض الحصار على القطاع، ثم قامت بإلقاء المفاتيح بعيداً.
  • وحتى في هذه الأيام، التي لا زلنا نحلم فيها بأن عباس هو الحل بالنسبة إلى قطاع غزة، فإن كلاً من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يلعبان دور الأبطال، من دون أن يدركا الفرق بين السلطة و"حماس"، وأي أثمان دفعتها إسرائيل عندما فضّلت تقوية "حماس" وإهانة عباس. هذان الرجلان دائماً لديهما حل للمسألة الفلسطينية. وبعد أن نجح قادة المنظومة الأمنية الإسرائيلية بـ "إقناع" وزير المالية [سموتريتش] بأن مصلحة إسرائيل تكمن في تحويل أموال الضرائب الخاصة بالسلطة إليها، كتب صديقه الاستراتيجي، بن غفير، على منصة x [تويتر] تغريدة تقول: "رأيت هذا المساء خبراً يقول إن السلطة الفلسطينية تهددنا بألا تستلم أموال الضرائب إذا تم اقتطاع أموال قطاع غزة منها... إنني أدعو السلطة إلى الثبات على رأيها، وألّا تقبل الأموال".
  • إن بن غفير وسموتريتش، وحتى نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، ليسوا هم مَن اخترع سلاح وقف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة. إن مخترع هذا السلاح، الذي اكتشفنا أنه سيف ذو حدين، هو رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت...
  • أموال الضرائب هذه ليست منّة إسرائيلية، بل تحول إلى السلطة بموجب اتفاقية تم توقيعها بين السلطة وإسرائيل في 29 نيسان/أبريل 1994، فيما يطلق عليها اسم اتفاقية باريس، المتفرعة من اتفاقية أوسلو الثانية. وبحسب هذه الاتفاقية، يتم ربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي. في حين تقوم إسرائيل بجباية الضرائب المتعلقة بجميع البضائع والمواد الخام التي تقوم السلطة باستيرادها عبر الجو، أو البر، أو البحر، ومن ضمن هذه الضرائب ضريبة القيمة المضافة، ثم تلتزم إسرائيل بتحويل المال مرة شهرياً إلى وزارة المالية الفلسطينية. إن أكثر من 60% من ميزانيات السلطة الفلسطينية مصدره أموال الضرائب. من دون هذا المال، ستنهار السلطة. وبعد أن فازت "حماس" في الانتخابات البرلمانية في سنة 2006، قرر أولمرت معاقبة عباس بسبب نتيجة الانتخابات، كأن الهزيمة التي لحقت به في ذلك الحين لم تكن كافية، وهكذا، جاء أولمرت ليستكمل المهمة...
  • ثم جاء نتنياهو. لقد قرر الرجل، ولأسباب سياسية داخلية، أن عليه شيطنة مَن يجلس في المقاطعة، لأنه بهذه الصورة وحدها قادر على تجميع صفوف اليمين الإسرائيلي في قبضته، بعد أن انفضّ هذا اليمين من حوله في انتخابات 1999، عندما خسر لمصلحة إيهود باراك بفارق كبير...
  • عندما عاد نتنياهو إلى الحكم في سنة 2009، تبنى سياسة مزدوجة. أحد طرفيها يتمثل في التشهير بعباس، وفي الوقت ذاته تشجيع التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة.
  • أطلق نتنياهو على محمود عباس لقب "مصدر الإرهاب"، وانتشر هذا اللقب، ونجح في التغلغل حتى لدى ناخبي تيارات اليسار والوسط. لا يوجد مَن نتحاور معه في الطرف الفلسطيني. هذا كان الفهم السائد. لقد تم تثبيت هذا الفهم في الرأي العام الإسرائيلي. أما في جهاز الشاباك، فقد أغلقوا أفواههم. فعلى الرغم من كل شيء، فإن نتنياهو هو رئيس الحكومة، وهم رجال الظل والصمت.
  • هكذا، صارت لدينا "حماس" قوية في قطاع غزة، وسلطة في الضفة الغربية آيلة إلى الانهيار في أي لحظة تقرر إسرائيل التنكيل فيها، أو توقف تحويل أموال الضرائب...
  • والآن، لدينا التالي: عباس ضعيف، في حين أن "حماس" هي ما نراه الآن: "مجرمو حرب ". وهكذا، بعد أن قمنا بإضعاف عباس، لا زلنا نتوقع أن يقوم بإنقاذنا من الغرق في الوحل الغزي.
  • قال لي أحد عناصر "فتح" القدماء، الذي غضّنت وجهه الحروب وخيبات الأمل: "اذهبوا وبلطوا البحر، أيها الحمقى".
 

المزيد ضمن العدد