البعد الإقليمي للحرب: فتح الجبهة اليمنية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • مع استمرار العملية البرية للجيش الإسرائيلي في غزة، تتصاعد دوافع وكلاء إيران في المنطقة للاستجابة إلى ضغوطها، ورفع وتيرة ضرب إسرائيل، وإظهار "وحدة جبهوية"، وإبداء التضامن مع الفلسطينيين. لقد انضمت الميليشيات الحوثية، التي تسيطر على أجزاء واسعة من اليمن وتحظى بدعم من إيران وحزب الله منذ أعوام طويلة، إلى الحرب في مواجهة إسرائيل، لهذه الأسباب، إذ قامت في عدة مناسبات بإطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيّرة في اتجاه إسرائيل، وتم اعتراضها جميعها.
  • انضمام الحوثيين إلى الحرب إلى جانب "حماس"، بدأ بإطلاق التهديدات ضد إسرائيل منذ اليوم الثاني للحرب، حين أعلنوا نيتهم الانضمام إلى الأعمال القتالية وضرب إسرائيل. وقال رئيس حكومة الحوثيين إن "حماس جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ولا يمكن فصلها، أو فصل المقاومة عن الشعب. نحن جزء من محور المقاومة، وما من شيء سيعيق المقاومة في اليمن، على الرغم من البعد الجغرافي". وأعلن أن إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل سيستمر طالما استمرت جرائم إسرائيل. وبموازاة هذه التصريحات، تم إطلاق الهجمات، وكان أكبرها حتى الآن بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، وشملت إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيّرة. والتي اعترضتها سفن أميركية في البحر الأحمر، وبطاريات اعتراضية في السعودية، بعد أن مرّ صاروخان فوق الأراضي السعودية.
  • أحد أهداف إيران في هذا الوقت، يتمثل في توسيع حلقة المشاركين، على مستويات مختلفة، في الصراع ضد إسرائيل والولايات المتحدة، في محاولة منها لإظهار أن ما يحدث نضال إسلامي واسع النطاق. هذا ما حدده الزعيم الإيراني الخامنئي في لقاء مع طلاب جامعيين في الذكرى السنوية للاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران، لأن "المعركة ليست بين غزة وإسرائيل، بل بين قوة الإيمان وقوة الاستكبار"، وقد دعا الدول الإسلامية إلى وقف تصدير الوقود والغذاء إلى إسرائيل.
  • فعلاً، جاء انضمام الحوثيين إلى الحرب ضد إسرائيل ليعزز الفكرة التي تروّجها إيران منذ هجمة "حماس" على منطقة النقب الغربي، ومفادها أن هذه المعركة هي معركة "جبهة المقاومة" بأسرها ضد إسرائيل، وهي تُخاض من أجل مساندة "حماس". في نظر طهران، إن الجهد الإيراني طوال الأعوام الماضية من أجل تعزيز التصور القائل إن الميليشيات المدعومة من طهران، والتي تعمل في أرجاء الإقليم، تساعد بعضها الآخر، وهي موحدة، خصوصاً في مواجهة إسرائيل، وأن هذه الوحدة تثمر. وفعلاً، منذ اندلاع الحرب، انضمت الميليشيات إلى الحرب، بدءاً من حزب الله الذي فتح الجبهة الشمالية بوتائر نارية مختلفة، ولاحقاً، من خلال الميليشيات العراقية التي تضرب الوجود الأميركي في العراق وسورية، والآن، عبر الهجمات المباشرة التي ينفّذها الحوثيون ضد إسرائيل.
  • تعزز الخوف من أن يلقي دخول الحوثيين الحرب ضد إسرائيل بظلاله أيضاً على دول أُخرى في المنطقة، بعد وقوع حادثة في منطقة جيزان في السعودية، بالقرب من حدودها مع اليمن. حيث قُتل خلال الهجمة أربعة جنود سعوديين. من المحتمل أن تكون الحادثة عملية انتقامية، رداً على اعتراض أحد الصواريخ الحوثية التي تم إطلاقها في اتجاه إسرائيل. في أعقاب هذه الحادثة، تم رفع مستوى التأهب لدى الجيش السعودي. ينسجم هذا الحادث مع اتهام الحوثيين لكلٍّ من السعودية والإمارات بتعاونهما مع إسرائيل في حربها ضد "حماس". لقد صرّح محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي للحوثيين، بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر، بأن على الحوثيين "الاعتماد على محور المقاومة، وعلى الشعوب العربية، لا على المملكة العربية السعودية والإمارات، لدينا معلومات تفيد بأن أبو ظبي شاركت في العدوان على القطاع". هذا السلوك يضاف إلى التحذيرات الصادرة عن إيران ضد احتمالات التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وعلى الرغم من ذلك، فإن إيران لها مصلحة واضحة في استمرار حفظ العلاقات التي استؤنفت مجدداً مع السعودية، ولذا، هي أيضاً تُجري اتصالات مستمرة بالقيادة السعودية، وعلى أعلى المستويات.

تعقيد الساحة اليمنية

  • هناك عدد من القيود المفروضة على الحوثيين، تقلل من دوافعهم وقدراتهم على ضرب إسرائيل:
  • أولاً، تبعد الساحة اليمنية نحو 2000 كلم عن إيلات، وهو ما يفرض حصر القدرات الهجومية بالقدرات الجوية أساساً (صواريخ من أنواع مختلفة، وطائرات مسيّرة)، ومن البحر (ضرب السفن الإسرائيلية وحرية الملاحة في مضيق باب المندب)، هذا الأمر يسهّل على إسرائيل وشركائها مسألة المتابعة والاعتراض. وعلى الرغم من ذلك، فإن على إسرائيل أن تخصص لهذا الغرض انتباهاً وموارد، وهي بصورة أساسية موارد جوية وبحرية، بهدف الدفاع في ساحة البحر الأحمر. وفعلاً، وردت تقارير تفيد بأن إسرائيل قامت بنقل وسائل قتالية بحرية إلى هذه الساحة (تجدر الإشارة هنا إلى أن جزءاً من التجارة البحرية الإسرائيلية يمر عبر البحر الأحمر، وصولاً إلى إيلات، ويشكل البحر الأحمر عصباً اقتصادياً وتجارياً مهماً).
  • ثانياً، هناك شكوك في مصلحة الحوثيين في التسبب باشتعال حرب إقليمية كبرى، ولو أن مثل هذه الحرب سيهدد الإنجازات التي تمكنوا من حصدها في أعقاب التفاهمات بينهم وبين السعودية، ووقف إطلاق النار المستمر منذ نيسان/أبريل 2022. لدى الحوثيين أجندة مختلفة، وهم لا يحظون بمساندة كبيرة من مواطني اليمن، ويُحتمل أن يكون إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بالنسبة إليهم، وسيلة لتلافي الانتقادات. يُذكر أن ممثلي الحوثيين توصلوا، مؤخراً، إلى تفاهمات مع السعودية، حظيت مطالبهم المالية فيها، في معظمها، باستجابة إيجابية من السعودية، لذلك، سيكون من الصعب على الحوثيين المخاطرة بهذا الإنجاز، إلى جانب إنجاز اتفاقية وقف إطلاق النار، التي تتيح لهم صبّ اهتمامهم على موضوع بناء قوتهم العسكرية.
  • يتلقى الحوثيون دعماً من "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، ويشمل ذلك عمليات تهريب الأسلحة، والتدريب على القتال، والتمويل، وأيضاً المساعدة في إنتاج الوسائل القتالية. لقد تعاظم هذا الدعم على مدار العقد الماضي، وتعاظم أكثر بعد بدء الحرب مع السعودية سنة 2015، كطريق غير مباشرة سلكتها إيران لضرب السعوديين. وعلى الرغم من ذلك، وبعيداً عن رغبة الحوثيين في إظهار تضامنهم مع "حماس" وبقية الأعضاء في "المحور"، فإن منسوب التأثير الإيراني فيهم منخفض نسبياً نسبةً إلى حزب الله مثلاً. إن المسافة الجغرافية الفاصلة ما بين إيران واليمن، وغياب اتصال جغرافي برّي بينهما، يجعل توفير الدعم لهم أمراً صعباً.
  • يجب هنا التأكيد أن القيود وعوامل الكبح التي تؤثر في الحوثيين، تؤثر في إسرائيل أيضاً:
  • فالمسافة الجغرافية، وتعقيد الساحة اليمنية، سيجعلان من الصعب على إسرائيل تطوير استجابات تمسّ الحوثيين كردّ عليهم و/أو كردع لهم، لئلا يواصلوا هجماتهم. طوال حرب استمرت نحو سبعة أعوام، لاقت السعودية والإمارات مصاعب في مواجهة الهجمات الحوثية عليهما، على الرغم من القرب الجغرافي بينهما وبين اليمن، والتعاون الذي حصلوا عليه من جهات يمنية أُخرى، وأيضاً المساعدة الأميركية والغربية التي قُدمت لهما لفترة.
  • أي ردّ إسرائيلي، من أي نوع، يجب أن يكون بالتشاور والتنسيق المبكر، ليس فقط مع الولايات المتحدة التي كررت عدة مرات تصريحاتها بأنها غير معنية بتوسيع حلقة القتال، بل أيضاً مع شركاء إقليميين آخرين غير معنيين باتساع نطاق المعركة واندلاعها على أراضيها، وعلى رأس هؤلاء الشركاء، الإمارات والسعودية. المعضلة التي تواجه السعودية ليست معضلة بسيطة: فالسعوديون لهم مصلحة رئيسية في ضرب "حماس" وسحب أحد إنجازات "محور المقاومة"، لكن من الواضح أن السعودية تفضل البقاء خارج الصراع الذي في جوهره هو حرب بين إسرائيل و"حماس"، لأن من شأن هذا الصراع التغلغل إلى أراضيها. وبصورة عامة، إن الخطر المتصاعد من اندلاع حرب إقليمية يرفع منسوب الهلع في الخليج، وقد يدفع دول الخليج إلى تفضيل إنهاء الأعمال القتالية بصورة سريعة، والتخلي عن المنفعة التي قد تكون كامنة في ضرب "حماس".
  • يدرك كلٌّ من إيران والحوثيين ذلك، وهما يحاولان مفاقمة المعضلة التي تواجه السعوديين: ما مدى استعداد السعوديين لـ"الانحياز إلى أحد الطرفين" في هذه الحرب، والانضمام إلى الأميركيين، وما يعنيه ذلك من انضمام إلى إسرائيل أيضاً، وتعريض الامتيازات التي حصدوها من تحسّن علاقاتهم بإيران، ووقف إطلاق النار مع الحوثيين، للخطر؟ سيفضّل السعوديون الامتناع من الانحياز إلى طرف، وهم يطلبون من الإدارة الأميركية إظهار استعدادها لأداء دور مهم في الدفاع عن المملكة. لهذا السبب، انطلق كلٌّ من وزير الدفاع السعودي وأخيه، ولي العهد خالد بن سلمان، لإجراء محادثات في واشنطن، التقيا خلالها كلاً من وزير الدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.

هل على إسرائيل احتواء الهجمات، أم الرد عليها؟

  • إذا ما اندلعت حرب واسعة النطاق ضد إسرائيل، فمن شأنها أن تخدم إيران وتعزز مكانتها الإقليمية. وبناءً عليه، لإسرائيل مصلحة واضحة في مواصلة التركيز على ساحة المعركة في مواجهة "حماس"، فكلما كان الضرر الذي تصاب به "حماس" عميقاً وواضحاً، فلن تتسع المعركة، وهكذا، ستتضح حدود قوة "جبهة المقاومة" التي شكلتها إيران. إن اعتراض الصواريخ التي أطلقتها اليمن يوضح أيضاً محدودية قوة "المحور"، كما يُظهر نجاعة العمل العسكري الإقليمي تحت مظلة القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) وقدرة المظلة على مواجهة التهديد الصاروخي وتهديد الطائرات المسيّرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن للحوثيين أن يسجلوا إنجازاً معيناً لمصلحتهم، على مستوى الوعي، بصورة أساسية. فالحوثيون "يسددون دينهم" للمحور وإيران، و"حماس" على وجه الخصوص، (التي ربما توقعت مشاركة أكثر فعالية في الأعمال القتالية من بقية أعضاء المحور). الخشية هنا تتمثل في أن فشل الحوثيين حتى الآن في إيذاء إسرائيل، سيدفعهم إلى العثور على طرق عمل أُخرى تحقق هدف ضرب إسرائيل بصورة أقوى.
  • في النهاية، يجب النظر إلى نشاط الحوثيين في سياقه: فنطاق الضرر والمخاطر المتأتيَين من الساحة اليمنية لا يقترب من احتمالات الضرر من كلٍّ من حزب الله و"حماس"، ومن طرف تابعي إيران في سورية. ولذا، يجب بذل جميع الجهود من أجل احتواء النشاط الحوثي، إن لم يتسع نطاقه، ويجب تركيز الجهود على أعمال القتال الأساسية الدائرة في قطاع غزة. ومع ذلك، فمن المتوقع أنه كلما تصاعد الخوف الإيراني من ضعف "حماس"، كلما تصاعد الضغط من "حماس" وحزب الله على الحوثيين لتصعيد هجماتهم. عندها ستواجه إسرائيل مصاعب في احتواء هذه الهجمات، وهو ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات تكبّد الحوثيين أثماناً، بهدف ردعهم. من شأن رد إسرائيلي كبير أن يدفع الحوثيين إلى العمل ضد دول الخليج، والذي قد يؤدي إلى تجدُّد اشتعال الحرب اليمنية - السعودية، وإلى اشتعال أوسع نطاقاً، يشمل الإقليم كله.
 

المزيد ضمن العدد