لسنا بحاجة إلى حرب كبيرة لإبعاد حزب الله عن الحدود
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- لا شك في أن الصاروخ المضاد للدروع الذي تم إطلاقه اليوم (الأحد) من لبنان، وأصاب خمسة مدنيين في "موشاف دوفيف" هو ضربة موجهة، ولا شك في أن الجيش الإسرائيلي سيقوم بجباية ثمنه بصورة تؤلم حزب الله. عندما أتحدث عن "الثمن"، فإنني لا أتحدث عنه بمفهوم الانتقام نتيجة المساس بالمدنيين، بل أقصد، بصورة أساسية، ثمناً يتسبب بتآكل قدرة التنظيم على تكبيد سكان وبلدات الشمال خسائر. صحيح أن مكوّن الانتقام موجود في مثل هذه العمليات، لكنه ليس الدافع الأساسي.
- يعمل مجلس الكابينيت الحربي، والجيش الإسرائيلي، وسائر الأذرع الأمنية، منذ 11 تشرين الأول/أكتوبر، بحسب مخطط استراتيجي واضح، يتمحور حول تغيير الحالة الأمنية الإسرائيلية من الأساس، ليس فقط على الصعيد الغزّي، بل أيضاً، وبصورة أساسية في مواجهة حزب الله في لبنان، في حين أُدرِجت، تراتبياً، التنظيمات الدائرة في فلك إيران في الإقليم في المكانة الثالثة. الأولوية في هذا المخطط هي لتحقيق الإنجاز المزدوج في غزة: تقويض سلطة "حماس"، وتحرير جميع المخطوفين. يبدو أن هذين الهدفين طموحان جداً، وهما يستوجبان استخدام جميع القدرات العسكرية العظيمة، والحنكة، والقدرات الدبلوماسية التي يمكن تجنيدها. في لحظة اتخاذ القرار بشأن الأولوية الكامنة في غزة، تم اتخاذ القرار الاستراتيجي الذي لا يقل أهمية، والمتأتي من المبدأ الحربي الكلاسيكي والجيد: تركيز الجهد العسكري. مفاد هذا القرار بأنه علينا أيضاً تغيير الوضع القائم على الحدود في الشمال من أساسه، لكن هذا لا يجب أن يتم، بالضرورة، في هذه اللحظة، وبكامل القدرة النارية.
- يعرف الجيش الإسرائيلي أنه يمكنه، من ناحية عديد القوات وغزارة الموارد، خوض الحرب على جبهتين، لكن من المستحسن عدم خوض الحرب بالتوازي، بل بصورة متداخلة، وخصوصاً حين يدور الحديث حول أعمال قتالية، لها انعكاسات دولية وتوعوية شديدة التعقيد، كالأعمال القتالية الدائرة في وسط الأماكن الآهلة بالسكان المدنيين. لا يُكثر وزير الدفاع يوآف غالانت من التباهي، أو الانجرار وراء العواطف، عندما يقول إن سلاح الجو يمكنه تحويل بيروت إلى غزة، كما أن قوات المشاة يمكنها القيام بمناوراتها داخل لبنان، لكن من المفضل أن يحدث هذا في التوقيت الذي تختاره إسرائيل، وفي الوقت الذي يكون كامل الانتباه العسكري والسياسي مركّزاً على المهمة الشمالية، لا في وقت نُضطر إلى تقسيم جهودنا على كلٍّ من غزة وبيروت معاً.
- كل ما سردناه أعلاه، معلوم جيداً لدى زعيم حزب الله حسن نصر الله، وقد كان أثره جلياً في خطاب الرجل بالأمس. لقد توصل إلى استنتاج، مفاده بأنه قادر على شدّ الحبل أكثر، وأن يظهر للعالم العربي، وخصوصاً لراعيته إيران، أنه يقاتل ويقدم العون للغزيين أكثر من أي جهة أُخرى. وهو لا يزال يفسّر ضبط النفس الاستراتيجي الذي تمارسه إسرائيل بأنه ضعف يتيح لحزب الله تكبيدها الخسائر في الأرواح (في موازاة أرقام الخسائر في طرفه، والتي تُعد محتملة، في نظره)، لكنه لم يدرك بعد أمراً أساسياً واحداً: لقد انتهى موعد سريان المعادلات التي يقوم بترسيمها الآن، وتلك التي قام بترسيمها في الماضي.
- يخوض الجيش والدولة الإسرائيليان الأعمال القتالية، في المقام الأول، بموجب حاجاتهما الأمنية، لا بموجب الخوف مما يمكن لحزب الله أن يقوم به، ولا حتى بموجب ما يمكن أن تقوله الولايات المتحدة في حال تنفيذ إسرائيل عملاً هائلاً في لبنان. وكما تعلمون، فإن سياسة الجيش الإسرائيلي في استخدام القوة في الشمال، مستمدة من الأهداف الإسرائيلية الطويلة الأمد، ومن الأثمان التي هي مستعدة لدفعها، لتحقق ضبط النفس الاستراتيجي في الشمال. ضبط النفس هذا الذي، بالمناسبة، يهدف إلى إتاحة المجال أمام إسرائيل لاستكمال مهماتها في غزة، ليس سرمدياً، وله نهاية. وبكلمات بسيطة: قد يُفاجأ نصر الله من الثمن الذي سيضطر إلى دفعه، حتى لو أمهلته إسرائيل قليلاً، ذاك الثمن المتمثل في تحويل بيروت إلى مدينة خرائب.
- لتوضيح مسألة أن إسرائيل لم تعد تنصاع، من الآن، للمعادلات التي يفرضها حزب الله، يمكننا استخدام مثال الطائرات المسيّرة التي ضربت مدرسة في إيلات خلال الأسبوع الماضي. لم يكن عناصر حزب الله هم الذين أطلقوا تلك المسيّرة، بل مقاتلو ميليشيات شيعية قام حزب الله بتدريبها. لو جرى مثل هذه الحادثة في الماضي، لكان الجيش الإسرائيلي حاول ضرب عناصر الميليشيات نفسها، أو إطلاق إشارة تحذيرية إلى حزب الله. أما في هذه المرة، فقد تمثل دور إسرائيل في القتل المتعمد لسبعة من رجال نصر الله العاملين في سورية، بالتعاون مع تلك الميليشيات. هذا المثال يُضاف إلى بضع حالات إضافية يمكننا أن نستقي منها، بوضوح، أن إسرائيل لم تعد تسمح لحزب الله بتحديد ساحات وقواعد اللعب الخطِرة التي يريدها.
- في هذه الأثناء، يمكن القول إن الهجمات المضادة، والهجمات الوقائية التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي منذ الآن، تساهم في خلق تآكل واضح في قدرات حزب الله على تثبيت حضوره وخلاياه العسكرية في الجنوب اللبناني. وفي نهاية الحرب، قد يكتشف نصر الله أن الاستنزاف التكتيكي الذي مارسه حتى الآن، لمساعدة "حماس"، قد ساعد إسرائيل بالذات على مواجهة التهديد الاستراتيجي الذي يمثله حزب الله، بصورة أكثر نجاعة.
كيف يمكننا إبعادهم عن الحدود الشمالية؟
- لا يكتفي القادة الأمنيون الإسرائيليون بخوض الأعمال القتالية على الحدود الشمالية ومنطقة الجنوب اللبناني بصورة أكثر هجومية. فمنذ الآن، هناك أفكار جاهزة ومتبلورة بشأن اليوم التالي للحرب في غزة. من الواضح تماماً أنه لن يكون في الإمكان إعادة السكان الإسرائيليين إلى بلدات "شتولا"، و"زرعيت"، و"دوفيف"، و"أفيفيم" [المستوطنات الواقعة مباشرة على الحدود اللبنانية الفلسطينية]، ولا حتى إلى بلدات "غيشر هزيف"، والمطلة [الواقعة في جنوبي البلدات السابقة]، ما دامت قوة الرضوان التابعة لحزب الله باقية على الجدار. مردّ الأمر، ليس فقط إلى استنجاد السكان الإسرائيليين، لكن لأنه ما من حكومة إسرائيلية، بعد ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يمكنها أن تتحمل مسؤولية وجود واقع مماثل في الشمال، وخصوصاً في ظل وجود عدو أشد خطورة من "حماس".
- ليس فقط الحرب الشاملة هي التي من شأنها تحقيق النتيجة المرجوة. فهناك أيضاً عدة درجات وتدابير يمكن اتخاذها للتأكد من أن سكان البلدات المحاذية للحدود الشمالية سيتمكنون من العودة بأمان، وممارسة حياة طبيعية. إحدى هذه الخطوات تتمثل في تكثيف دائم لحضور القوات الإسرائيلية المدافعة عن الحدود والبلدات. قبل المجزرة، تولّت مسألة حماية الحدود مع غزة بضع نقاط عسكرية، إلى جانب بضعة عوامل، استندت بصورة أساسية إلى المعلومات الاستخباراتية الشاملة لعناصر الإنذار. لم يعد الأمر كافياً منذ تلك اللحظة. "علينا أن نضمن، عندما ينظر سكان الشمال في اتجاه الحدود، أن يروا حضوراً دائماً لمقاتلي الجيش الإسرائيلي، بدلاً من عناصر قوة الرضوان، المتنكرين بهيئة عناصر جمعية ’حراس الغابة اللبنانية‘"، حسبما صرّح مصدر أمني إسرائيلي.
- الأمر ليس بهذه البساطة، كما يبدو. سيتعين على الجيش الإسرائيلي زيادة حضور قواته العاملة على الحدود الشمالية بعدة نسب مئوية، وخصوصاً القوات البرية، لكي يتمكن من تطبيق أسلوب "الدفاع من الأمام"، المطلوب تطبيقه الآن على الحدود الشمالية. هذه هي الحال منذ الآن، فعلاً، حيث تنتشر قوات الجيش الإسرائيلي بين الحدود وبين البلدات، لكن يجب أن يستمر هذا التأهب - مع إجراء بضعة تعديلات وتكييفات طبعاً - في المستقبل أيضاً. هذا هو الدرس الأوضح الذي استنبطناه من هجمة "حماس".
- هناك تدبير آخر يتمثل في تكثيف وزيادة صلابة السياج الحدودي، ووسائل الردع المثبتة عليه في المنطقة الشمالية الجبلية المعقدة. هذا العائق، الذي تم إيقاف بنائه بسبب الحاجة إلى تحويل ميزانيات إلى الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحكومي، بغرض تشبيك التحالفات الائتلافية، يُعدّ أكثر أهمية من العائق الذي كان يحمي بلدات "غلاف غزة". وإلى جانب ذلك، يجب، وفي أقرب وقت ممكن، استكمال عملية تحصين جميع المنازل، في جميع البلدات المحاذية للجدار.
- لكن الأساس يجب أن يكون في عمل سياسي مُستند إلى تهديد عسكري حقيقي: لن يُسمح لحزب الله بالاحتفاظ بعناصر مسلحة في منطقة الجنوب اللبناني، فضلاً عن قوات الكوماندوس، حسبما حدد قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي مكّن من إنهاء حرب لبنان الثانية. من المعقول الافتراض أن تطبيق ذلك سيتطلب وساطة دولية تطلبها إسرائيل، وتهديداً عسكرياً حقيقياً من جانب الجيش الإسرائيلي، من أجل خلق دافع لدى نصر الله إلى الموافقة على الطلب والانصياع له، ليس بعد انتهاء الأعمال القتالية في غزة، بل بعد تمكُّن إسرائيل من تحقيق جزء كبير من الإنجازات التي تسعى لتحقيقها في القطاع، إذ سيكون في إمكانها، آنذاك، توجيه اهتمامها ومواردها السياسية والعسكرية، لمتابعة المسألة اللبنانية.
- علينا أن نؤكد هنا أن المطالبة بإبعاد مسلحي حزب الله، يجب أن تكون مستندة أيضاً إلى قدرة الجيش الإسرائيلي على التأكد من انصياع نصر الله للأمر، لا كما يحدث الآن، إذ لا يأبه نصر الله بعناصر القوة الأممية في لبنان. لو تم استخدام هذه الوسائل، في المجمل، في موعد زمني قصير بقدر الإمكان، سيكون في إمكان سكان بلدات الجنوب، التي لديها فرق تأهُّب مدربة ومسلحة على أكمل وجه، من العودة إلى منازلهم.