نتنياهو يلمّح إلى أنه مصمم على مواصلة القتال، لكن الشكوك بدأت بتصديع التأييد الشعبي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • استئناف القطار الجوي لزيارات كبار المسؤولين الأميركيين إلى إسرائيل منذ يوم الخميس الماضي، يتيح القليل من الوضوح بشأن استمرار الحرب في قطاع غزة. وعلى الرغم من امتناع الطرفين من الدخول في تفاصيل علنية، فمن الواضح أنه جرى، خلال المحادثات، تحديد تاريخ معيّن للانتقال إلى مرحلة أُخرى من القتال في غزة. وهذا يمكن أن يحدث في منتصف كانون الثاني/يناير المقبل، إذ من المتوقع أن تتغير وتتقلص العمليات الهجومية للجيش الإسرائيلي في غزة.
  • في الزمن المتبقي حتى حدوث هذا التغيّر، من المحتمل أن تتعمق العملية وتمتد إلى مناطق أُخرى. المشكلة أن هذا يجري تحت سحابة ثقيلة من أثمان الحرب: التأييد الشعبي الكبير للمناورة البرية الذي تعزّز، على خلفية الضربات التي تكبدتها "حماس"، أصبح اليوم ممزوجاً بالقلق والشكوك. وعلى الرغم من توسُّع العملية والخسائر التي يتكبدها العدو، فإننا نقترب من واقع خطر المراوحة.
  • لقد استكمل الجيش الإسرائيلي في شمال غزة سيطرته على حي الشجاعية في شرقي مدينة غزة، وعلى مخيم اللاجئين جباليا في شمال المدينة. في هذه المناطق، كان يوجد اثنتان من أقوى كتائب "حماس" في الشمال. في هذه الأثناء، دارت معارك ضارية استمرت وقتاً أطول من تقديرات القادة العسكريين.
  • في الجنوب، تدور عملية في خانيونس من خلال التقدم البطيء والحذر حول شبكة للأنفاق العميقة التي حفرتها "حماس". ويجري فحص إمكان توسيع العملية نحو مناطق إضافية. ومقارنةً بالحروب الماضية، فإن الجيش لا يعمل وفق جدول زمني صارم فيما يتعلق بالتقدم.
  • اعتادت الجيوش استخدام مصطلحات في تقييم قدرات العدو. وعندما يحصي الجيش الإسرائيلي كتائب "حماس" التي هزمها، فإنه يستخدم مصطلحات عسكرية. لكن الحركة تتصرف بصورة مختلفة، وفي معظم الحالات، لا تسعى لمواجهة مباشرة مع القوات المهاجِمة التي تتفوق عليها بصورة كبيرة، من حيث قوة النار والاستخبارات والتكنولوجيا. وحتى عندما تنهار سلسلة القيادة والتحكم لدى الكتائب، فهي تحاول الاعتماد على خلايا صغيرة قادرة على القيام بهجمات ضد قواتنا من الخلف.
  • وهذا ما جرى في الميدان.  لقد أحسن قائد كتيبة كفير التي تقاتل في منطقة الشجاعية في تصوير تعقيدات القتال في مقابلة أجرتها معه إحدى القنوات التلفزيونية في الأسبوع الماضي. إذ قال: استكملنا مهمة الاحتلال التي حُددت لنا. لكن العدو موجود حولنا في محيط 360 درجة، إلاّ إننا لا نستطيع رؤيته بأعيننا لأن عناصره تختبىء.
  • بعد الانتهاء من الاحتلال الأولّي، تنتقل الوحدات إلى خطة الوجود المستمر والتمشيط. ويتحدث الجنود عن عثورهم على مداخل الأنفاق في كل مكان، وعلى السلاح والمواد الناسفة. لكن خلال الوجود الطويل في الميدان، تصبح القوة العسكرية مكشوفة وعرضةً للهجوم، وتُحرم التفوق النسبي الناجم عن التحركات بوتيرة عالية، وتضفي غموضاً على صورة قتال ضد العدو.
  • في حرب العصابات، حتى الوحدات التي خسرت، تحتفظ بقدرة على العمل، ومعنى ذلك تكبيد الجيش المنظّم ثمناً. كان هناك العديد من الحوادث التي هاجم فيها "مخربان"، أو ثلاثة، قوة من الجيش الإسرائيلي بصورة مفاجئة من خلال استغلال نقاط الضعف. معظم هذه الحوادث انتهى بإحباط الهجوم، لكن يوجد مصابون إسرائيليون يومياً.
  • بمرور الوقت، يمكن أن يصبح الوضع في غزة شبيهاً بالمرحلة المتأخرة من حرب لبنان الأولى في سنة 1982، بعد احتلال بيروت. وترتبط الأمور هنا أيضاً بتغيُّر موقف الجمهور إزاء الحرب. لقد كان الأسبوع الأخير صعباً بصورة خاصة، مع حادثتَي الشجاعية؛ في البداية، الكمين الذي قُتل فيه 9 جنود، وبعدها مقتل ثلاثة مخطوفين بنيران الجنود الإسرائيليين عن طريق الخطأ.
  • إن استمرار القتال بشكله الحالي، سيكون مرتبطاً بتوالي الأخبار السيئة عن سقوط جنود. بعد "مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، أخرج الجيش من جديد خطة المناورة البرية التي كانت موضع خلافات منذ أكثر من عقدين. "الوحشية المخيفة" التي أظهرتها "حماس"، والعدد الكبير للخسائر التي تكبدتها إسرائيل، خلقا شعوراً بأنه لا مفر من الغزو البري للقطاع، وهدفه الطَموح إخضاع "حماس" بصورة مطلقة. لقد انطوى ذلك على إعطاء الجمهور الإذن للجيش للمرة الأولى منذ أعوام كي يقتل ويقتل.
  • لكن كما جرى في سنة 1982، فإن هذه الموافقة الشعبية مرتبطة بشرطين تبددا بالتدريج في لبنان: خطة واضحة للحرب والفهم بأن النصر ممكن التحقيق. الخطر في غزة، بمرور الوقت، هو عندما ستزداد الشكوك في إمكان تحقُّق الشرطين. بالإضافة إلى ذلك، حتى إن حدوث تغيير محتمل في شكل العملية في الشهر المقبل يثير شكوكاً في تحقيق أهداف العملية المعلنة: إخضاع "حماس" وقتل كبار المسؤولين فيها، وخلق الظروف لإعادة المخطوفين وتمهيد الطريق لعودة السكان إلى مستوطنات الغلاف.
  • منذ الآن، تظهر الشكوك في إعادة المخطوفين. رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان يدّعون أن استمرار الضغط العسكري وحده سيدفع "حماس" إلى إبداء المرونة في مواقفها. في هذه المرحلة، الحركة ترفض التسوية بشدة. ويشكو الوسطاء القطريون من صعوبات الاتصال بزعيم الحركة يحيى السنوار المنشغل بالاختباء (تشير التقديرات إلى أن السنوار كان يعمل، طوال الحرب، في مجمّع تحت الأرض في منطقة خانيونس).
  • يطالب الناطقون بلسان "حماس" بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع ووقف إطلاق للنار كشرطين لاستئناف المفاوضات. وهذه نقطة انطلاق غير موفقة بالنسبة إلى إسرائيل، لكن يزداد القلق على مصير المخطوفين، في ظل شروط الأسر والاعتراف بأن كل يوم يمر، يقلل من حظوظ نجاتهم سالمين من جهنم التي يعيشون فيها. رئيس الحكومة الذي لا يزال يتهرب من لقاء عائلات المخطوفين، فضّل في بداية جلسة الحكومة في الأمس، قراءة الرسالة التي كتبتها مجموعة من عائلات الجنود الذين قُتلوا في الحرب، تطالبه فيها بمواصلة القتال حتى إخضاع "حماس"...
 

المزيد ضمن العدد