إيران ارتكبت خطأ استراتيجياً، وهذه فرصة إسرائيل
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • لا يزال الضغط العسكري على كتائب "حماس" الثلاث الأخيرة، التي لم تنكسر في شمال القطاع، مستمراً. إذ تقوم قواتنا في الميدان بمحاصرة هذه الكتائب وتضيّق الحصار عليها (فوق الأرض وتحتها)، وبتطهير جيوب المقاومة. هذا الواقع يخلق تعقيداً عالياً، إذ إن الجيش الإسرائيلي موجود في قلب منطقة مكتظة، يوجد فيها "مخربون"، ومدنيون، ومخطوفون.
  • هذا الضغط العسكري والتضاريس الصعبة تخلق فرصة لا تتكرر، وهي تختفي في جزء من الثانية. "حماس" تستخدم المدنيين والمخطوفين كدروع بشرية. وفي ظل هذا الواقع، يتعين على المقاتل الإسرائيلي أن يتخذ قراراته السريعة المتعلقة بالحياة، أو الموت. وفي بعض الأحيان، يرتكب أخطاء خطِرة وتراجيدية، كما رأينا في الحادثة التي وقعت يوم السبت الماضي. الأمر يبعث على الإحباط، وهو مؤلم وحزين. علينا أن نحقق في الأمر، وأن نتعلم دروسنا منه، وأن نعمق الالتزام بأوامر إطلاق النار ومواصلة القتال. لا خيار آخر أمامنا.
  • إن إخضاع جميع كتائب الألوية الشمالية لـ"حماس" في غزة على مشارف الانتهاء. لكن "تطهير المكان" سيستمر وقتاً طويلاً. علينا أن ندرك أن المعارك التي تتم وجهاً لوجه، هي معارك يتضاءل فيها التفوق النسبي للجيش الإسرائيلي في مواجهة "حماس"، على الرغم من الشجاعة الكبيرة التي يبديها مقاتلونا، والتي يثبتون فيها كفاءتهم كمقاتلين. ليس علينا تسريع هذه الخطوة، لا مكان لمقاتلي "حماس" كي يهربوا إليه. إذا تصرفنا بصورة صحيحة إزاء الولايات المتحدة، فسنحصل على كل الوقت الذي نحتاج إليه. لقد استغرقت الولايات المتحدة نفسها ثلاثة أعوام للتوصل إلى إنجاز مماثل في مواجهة "داعش" في الرقة. يدرك الأميركيون ذلك جيداً. كما أن الضغط الأميركي الهادف إلى نقلنا من مرحلة القتال المكثف إلى المرحلة التالية، لا علاقة له بمدينة غزة (حيث استطعنا فعلاً احتلال أغلبية المدينة)، ولذا، فلا معنى للتنقل بين المراحل. في إمكاننا مواصلة العمل كما عملنا في بداية المعركة، بصورة بطيئة ومكثفة، وبواسطة استخدام النيران المكثفة، وغيرها من الوسائل.
  • في بقية المواقع في القطاع، التحول إلى أسلوب آخر مطلوب، ليس فقط إرضاءً للأميركيين. علينا أن نُخضع كتائب أُخرى، لكن نظراً إلى الظروف الجديدة: فإن كثافة السكان المدنيين في منطقة مكتظة، ووجود المخطوفين، على ما يبدو تحت الأرض، يتطلبان منا العمل ببطء ودقة أكثر. ولذا، إن التحول في اتجاه طرق عمل أُخرى ينسجم مع ما تلمّح الولايات المتحدة إليه، بشأن رؤيتها للمرحلة المقبلة.
  • خلاصة القول: لن تتمكن صور النصر جميعها من محو الإحباط والإهانة الناجمَين عن الكارثة التي وقعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. لقد اتضح أن تركيع "حماس" لن يغيّر المشاعر الصعبة، وأثمان الحرب تثقل كاهلنا أكثر. ومع ذلك، علينا الاعتراف بأن هذا هو كل ما يمكن للجيش الإسرائيلي تقديمه في مجال النصر العسكري. الحقيقة البسيطة تقول إن تغيير الوضع من أساسه، ممكن فقط من خلال العمل السياسي، الذي يستغل الإنجاز العسكري بهدف تغيير الواقع الأمني. على الجيش الإسرائيلي أن يضمن أن "حماس" لن تمثل تهديداً أمنياً، وأن يستعيد الكرامة المفقودة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، لكن هذا نفسه لن يعيد لنا أمننا القومي. إن التسويات السياسية الطويلة الأمد هي ما يضمن ذلك، ونحن لا نهتم بذلك بصورة كافية. في الانتقال من مرحلة القتال العنيف إلى مرحلة القتال المستمر، لا بد للفعل السياسي من أن يتصدر. نحن بحاجة إلى عمل مشترك من لجان الوزارات التالية: الخارجية، والعدل، والداخلية، والأمن الداخلي، والمالية، والاقتصاد، وتناسي سفاسف السياسات الداخلية، والانشغال بالعمل السياسي الحقيقي.
  • ستكون هذه الحرب طويلة، وكما أن لا أحد يتذكر ما هو التاريخ الفعلي لانتصار حملة "السور الواقي" [اجتياح مناطق السلطة خلال الانتفاضة الثانية]، فلن يتذكر أحد في المستقبل تاريخ تحقيق النصر في حرب "السيوف الحديدية". سنقوم بالتنقل بين المراحل، ونغيّر الوتائر، وندخل في روتين العمل الحربي، وفي نهاية المطاف، لن يعود هناك وجود لـ"حماس" كتنظيم "إرهابي" يسيطر على قطاع غزة.

الحوثيون أثبتوا أن إيران هي مشكلة للعالم، لا لإسرائيل وحدها

  • أما في مواجهة إيران، أي في مواجهة حزب الله والحوثيين، فيبدو أن طهران على وشك فقدان "حماس" من محور المقاومة. ولكي تحول دون ذلك، فإنها تقوم بتشغيل حزب الله في الشمال، والحوثيين في الجنوب. وكلما صار تدمير "حماس" أكثر حضوراً، فإن الجهود الإيرانية ستتضاعف. خسارة "حماس" قد تمثل، بالنسبة إلى الإيرانيين، بداية حرب إسرائيلية لتدمير سائر وكلاء إيران، فالدور سيصل إلى حزب الله. إن البهلوانيات الإيرانية تقنع العالم بما فشلنا حتى اليوم في إقناعه به: إيران ليست مشكلة إسرائيلية فحسب، بل مشكلة عالمية. إن إغلاق مضيق باب المندب هو خطوة بعيدة المدى، وخطأ استراتيجي خطِر ارتكبته إيران.
  • الهياج الذي يمارسه حزب الله في الشمال والذي يتلقى في مقابله ما يستحقه، فإنه يبقى مشكلة إسرائيلية خالصة، على عكس الحصار البحري وتشويش طرق التجارة البحرية، فهما مشكلة الصين أيضاً. كثير من البضائع الصينية تمر بقناة السويس. وهكذا، نجحت إيران، عبر إغلاقها التجارة البحرية إلى إسرائيل، في خلق مصلحة مشتركة بين الصين والولايات المتحدة. هذه فرصة أمام إسرائيل، ولدينا شرعية للعمل.
  • إن المجازفة الإيرانية هي أيضاً فرصة إسرائيلية لتطبيق دروس الحرب المستفادة من غزة، فيما يتعلق بإيران. هذه هي اللحظة الملائمة لخلق تغيير جذري في استراتيجية مواجهة إيران:
  1. لا يمكن التعايش مع عمليات بناء القوة التي يقوم بها وكلاء إيران، والمعارك الصغرى بين الحروب غير كافية.
  2. إيران مسؤولة مسؤولية مباشرة عن عمل وكلائها
  3. التهديد الإيراني المتمثل في بناء القوة الرادعة (السلاح النووي، الوكلاء، القوة الصاروخية) يشكل تهديداً لا يمكن لإسرائيل الموافقة على العيش في ظله.
  • إن الإخفاق في الحرب يتمثل في عدم تحقيق أهدافها في الإطار الزمني المحدد لها. وفي حالتنا، لقد تم التخطيط لهذه الحرب مسبقاً، لتكون حرباً طويلة جداً، وتستمر على مدار أشهر طويلة. من حقنا أن نغضب، وأن نتألم مع كثير من العائلات في إسرائيل، لكن من واجبنا أن نتصرف ببرودة أعصاب، وأن نحلل الإنجاز المحقق في الحرب، ليس فقط من الزاوية العسكرية، بل على صعيد المستوى الأهم للحرب: هو المستوى السياسي. ولذا، فإن التراخي المتوقع حدوثه في المرحلة الفاصلة بين المرحلتين بعد بضعة أسابيع مفهوم، في ضوء الكارثة التي لا يمكن إصلاحها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، يجب علينا أن نعلم بأن التراخي هو أيضاً خطة عمل.
  • سيتمثل النصر في الحرب في ازدهار الضواحي الإسرائيلية: غلاف غزة الذي سيعود إلى الازدهار، الحدود الشمالية المزدهرة، الاقتصاد الإسرائيلي المثير للحسد. وليس أقل أهمية من هذا كله: إسرائيل بصفتها مجتمعاً مثالياً. كل هذا سيكون بمثابة النصب التذكاري لهذه الحرب.
 

المزيد ضمن العدد