وقف بشجاعة أمام الوزراء: هليفي لا يُداهن ولا يعِد بما لا يمكن الوفاء به
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • الكابينيت الأمني يشعر بالتوتر. يمكن أن يكون هناك مَن اعتقد أن حملة "السيوف الحديدية" (اسم موقت) ستنتهي بين ليلة وضحاها. كلا، هذه الحملة العسكرية طويلة. إلاّ إن جلسة الكابينيت الأخيرة أثبتت أن الوزراء غير صبورين، لقد طالبوا قائد هيئة الأركان برأس السنوار فوراً، وعندما قال لهم إن اغتيال بن لادن احتاج إلى 10 أعوام، أصبحت الجلسة عاصفة، وقالوا له نحن لن نكون هنا، حينها. وكأن هذا المقياس هو الوحيد.
  • قائد هيئة الأركان هليفي، وقف بشجاعة أمام الكابينيت في نقطتين مركزيتين، وكلتاهما تعلمنا الكثير عن الكابينيت، لكنهما تشيران أكثر إلى شخصية الذي يقود الجيش والدولة برمتها في أحد امتحاناتها الصعبة جداً، حتى إن هناك مَن يقول إنه امتحانها الأصعب.
  • أولاً، القتال في غزة. رئيس الحكومة قال إن الهدف هو "تفكيك حماس"، وهذا جيد وشعبوي جداً، لكن من غير الواضح ما إذا كان يمكن تحقيقه. رئيس الحكومة أيضاً يعلم بأن تفكيك "حماس" لن يحدث بضربة واحدة، ولا حتى في حملة سريعة. هناك حاجة إلى وقت، وكثير منه. لماذا لا نتذكر حملة "السور الوقي"، إذ إن الحملة ذاتها استمرت أسابيع، لكننا احتجنا بعدها إلى عامين على الأقل لاقتلاع "الإرهاب" من جذوره. وبالمناسبة، هذه الجذور نبتت ثانية، كما رأينا مؤخراً.
  • الجنرال هليفي يعرف الحقيقة، فهو ليس سياسياً. وهو أيضاً قال الحقيقة للكابينيت الأمني. بعد أن تنتهي مرحلة القتال المكثف جداً، سيستمر الجيش في العمل فترة طويلة داخل قطاع غزة، يفكك "الإرهاب"، خلية تلو الأُخرى، ونفقاً تلو الآخر، إلى أن تتفكك قوة "حماس". لا توجد ضربة سريعة، ولا طرق مختصرة. لكن توجد لدى أعضاء الكابينيت طرق سريعة. الجنرال هليفي لا يجامل، ولا يعد بوعود لا يستطيع الوفاء بها. لقد قال الحقيقة، ولو كانت صعبة. هذا ما يحدث في الحروب بكثافة منخفضة، يجب التحلي بالصبر. اسألوا وزير الدفاع الأميركي وقائد هيئة الأركان الأميركي اللذين كانا هنا هذا الأسبوع، وما زالا يلملمان جروح العراق وأفغانستان.
  • الموضوع الثاني الذي من خلاله ضايق أعضاء الكابينيت قائد هيئة الأركان كان ما حدث في جنين، حيث نادى الجنود بمكبرات الصوت في أحد المساجد صلاة "اسمع يا إسرائيل" [صلاة تتلى في الصباح والمساء]، بعد أن دخلوا إليه "لتطهيره من الإرهاب". بالمناسبة، هذا يكمل النقطة الأولى. لا توجد انتصارات سريعة، وقد لا توجد انتصارات أصلاً في جميع هذه المعارك، بل توجد إنجازات طويلة المدى وهي مهمة. جرى تعليق خدمة الجنود فوراً بأوامر من الضباط. الوزير إيتمار بن غفير، ممثلهم في الحكومة، ادعى أنهم أُهينوا، وطالب بإعادتهم إلى الخدمة فوراً، وهذا أيضاً ما طالبت به الوزيرة ريغيف. هليفي صمم على رأيه، وقال إنه هو قائد الجيش، وهو المسؤول عن تصرفات الجنود، وهو يقرر ما إذا كان سيتم وقفهم عن الخدمة موقتاً، أو حتى لاحقاً أيضاً. وقال "أنا قائد الجيش" لإيتمار بن غفير الذي لم يخدم يوماً في الجيش، ويريد أن يعطي مواعظ بشأن إدارته.
  • قائد هيئة الأركان كان صادقاً مرتين؛ أولاً، عندما قال إن الجيش تحت قيادته، وأكثر من ذلك، إن لدى الجيش قيماً وروحاً خاصة به، ولا يوجد أي سبب أو حاجة لإهانة الدين الإسلامي والمؤمنين به واستفزاز ملايين المسلمين. هذا هو السبب الأساسي وراء حذر إسرائيل في المسجد الأقصى، باستثناء بن غفير طبعاً. فالمسجد الأقصى هو أيضاً موقع يمكن أن يشعل العالم الإسلامي برمته ضدنا.
  • قبل ذلك بيومين، وقف هرتسي هليفي أمام الضباط والجنود في غزة، وأوضح لهم جيداً روح الجيش وقيمه، قائلاً "نحن لا نطلق النار على أشخاص يرفعون أياديهم ويلوحون بعلم أبيض". جاء هذا في أعقاب الحدث الصعب، حين أطلق الجنود النار على ثلاثة مخطوفين. هذه لم تكن قضية أوامر فقط، لا يجب إطلاق النار على مَن استسلم ويلوّح بعلم أبيض، هذه هي القيم الكامنة وراء هذه الأوامر، ما يسمى "طهارة السلاح"، وهذه قيمة أساسية في الجيش منذ تأسيسه. الجيش يفعّل السلاح في كل مكان يواجه فيه الجنود خطراً. وبذلك، يكون هليفي أعاد تأكيد الموقف الأخلاقي لأسلافه، وبصورة خاصة الجنرال غادي أيزنكوت ووزير الدفاع، حينها، موشيه يعالون، خلال فضيحة إليئور آزريا.
  • لم تكن حياة الجنرال هليفي سهلة في وظيفته. لقد بدأت بمعارضة رئيس الحكومة لتعيينه الذي تم خلال ولاية الحكومة السابقة، وكان بني غانتس وزيراً للأمن (بصراحة، كنت حينها وزيراً)، ووافق نتنياهو في نهاية المطاف، لكنه طبعاً أخفى ذلك. بعدها، وخلال عامه الأول في الوظيفة، مرّ الجيش بصدمة كبيرة بسبب الانقلاب الدستوري، ورفض جنود الاحتياط التطوع في الخدمة.
  • لقد شخّص رئيس هيئة الأركان الخطر الذي يواجه الجيش وأمن إسرائيل. وحاول أن يلتقي رئيس الحكومة عشية التصويت المصيري [على ذريعة المعقولية]، وقوبل بالرفض. هذا لم يحدث قط في تاريخ إسرائيل، أن يطلب رئيس هيئة الأركان لقاء رئيس الحكومة، ويتم رفض طلبه. حينها، أرسل هليفي جنرالين، أحدهما رئيس شعبة الاستخبارات المركزية، من أجل الحديث مع الوزراء، ورفضوا سماعه. جميعنا يعلم بما حدث بعدها.
  • وبعدها، جاءت الحرب والفجر المؤلم الذي نتذكره. حاول رئيس الحكومة أن يحمّل هليفي (ورئيس الشاباك) المسؤولية، ولم ينجح. وبعكس رئيس الحكومة، لم يقم هليفي بالاختباء خلف أي تبرير، فتحمّل المسؤولية، وكسب قلوب مئات آلاف الإسرائيليين. تحمّل المسؤولية، وقال: أنا مستمر لأن لديّ مهمة الآن، وسأستكملها. ومنذ ذلك الوقت، في اعتقادي، هو لا ينام ولا يرتاح. ينتقل بين 3 جبهات، ويتحدث إلى الضباط ويدعمهم، كما ينشر روح القتال بين الجنود، بعد أن يتحدث معهم ومع المجتمع الإسرائيلي. أقواله مباشرة وصريحة. لا يتذاكى ولا يلفّ.
  • قبل 50 عاماً، قاد اللواء دافيد إليعيزر الجيش من مفاجأة مرعبة نحو إنجاز عسكري. أنا مؤمن بأن هليفي يسير في الطريق نفسها. في هذه الحرب أيضاً، المشبعة بدم المواطنين والجنود، سيضرب الجيش أعداءنا. هل سينهي هليفي أيضاً مسيرته العسكرية بعد لجنة التحقيق؟ كما جرى لدافيد، وتبين بعد مرور الوقت، أنها تعاملت معه بقسوة أكثر من اللزوم؟ لننتظر ونرى.
  • حالياً، هو رئيس هيئة أركاننا جميعاً. وحالياً، يقود الجيش أيضاً في أصعب امتحاناته. وحالياً أيضاً، يجب علينا جميعاً، ومن ضمننا أيضاً الكابينيت الأمني، أن ندعمه، ذلك بأن نجاحه يعني نجاحنا جميعاً. وبالمناسبة، سيحاول كثيرون التسلق على هذا النجاح.
 

المزيد ضمن العدد