خصائص المناعة الوطنية لإسرائيل في حرب غزة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • بعد شهرين على بداية الحرب، لا يزال المجتمع الإسرائيلي في خضم صدمة جماعية واسعة النطاق جرّاء هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي شنته "حماس" على مستوطنات النقب الغربي، وأسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي، ثلاثة أرباعهم من المدنيين، وخطف 250 من المدنيين والعسكريين. الخصائص الصادمة لهذا الهجوم، في ضوء الفشل الاستخباراتي والعملاني - العسكري المدوي، وإجلاء العديد من المدنيين من الجنوب والشمال، قوّضت بصورة غير مسبوقة المناعة الاجتماعية في إسرائيل، وشكلت تحدياً كبيراً بالنسبة إلى قدرات مواطنيها على النجاح في الاختبار المستمر والفريد من نوعه. يفحص هذا المقال خصائص المناعة الوطنية لإسرائيل، بالاستناد إلى نتائج 9 استطلاعات متعاقبة أجراها معهد دراسات الأمن القومي منذ بداية الحرب.

......

  • صورة المناعة الوطنية في الحرب هي صورة متعددة الأبعاد. حتى الآن، تراكمت مؤشرات مشجعة إلى المحافظة على قوة المناعة الوطنية في إسرائيل. ويمكن أن نشير إلى المناعة العالية في مجتمعات "غلاف غزة"، والتي تعتمد على قاعدة زعامة محلية حاضنة؛ المساهمة التطوعية الكبيرة للمجتمع المدني؛ والتعافي السريع للجيش الإسرائيلي، والدعم الدولي لإسرائيل، وخصوصاً من الولايات المتحدة، ومن اليهود في أميركا. في المقابل، يمكن الإشارة إلى عدد من العوامل التي تُضعف المناعة. منها إحساس الجمهور بالقلق المستمر، والضرر الذي لحِق بالشعور بالأمن الشخصي، والكآبة وعدم التماسك حيال فهم الواقع الفوضوي، كل هذه العوامل تضر بالمناعة. كما تجدر الإشارة إلى الأداء الضعيف للحكومة في مجالات مدنية لها علاقة بالحرب، والتردد والبطء في العودة إلى الحياة الطبيعية خلال الحرب، وإلى التساؤلات المتعلقة بوتيرة تقدُّم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، واحتمالات نشوب حرب شاملة في الشمال، وإزاء "اليوم التالي" للحرب، وعودة المخطوفين الذين لا يزالون في الأسر. إلى جانب هذا كله، نشهد عودة الخطاب السياسي الاستقطابي والمسموم، الذي يشكل النقيض الكامل للوحدة المطلوبة في زمن الحرب.
  • في ضوء هذا كله، نعرض النتائج الأساسية لتسعة استطلاعات للرأي أجراها المعهد، أسبوعياً، منذ نشوب الحرب، والخلاصات الناتجة منها، من خلال الإشارة إلى 4 جوانب أساسية تُعتبر، عموماً، من العوامل التي تؤثر في المناعة الوطنية: أ- التضامن الاجتماعي وتأييد المسعى الحربي؛ ب- الثقة بمؤسسات الدولة؛ ج- التفاؤل والأمل؛ د- وتيرة استمرار الحياة اليومية الشخصية والوظيفية خلال الحرب. لقد استندت هذه الاستطلاعات إلى عينة نموذجية تمثل السكان اليهود البالغين في إسرائيل (18 عاماً فما فوق)، وشملت 500 مشارك أسبوعياً.
  • التضامن الاجتماعي والتأييد لجهود الحرب. أظهرت نتائج استطلاع أُجريَ في 3 كانون الأول/ديسمبر، أن أغلبية الجمهور (82%) تؤمن بأن الشعور بالتضامن في المجتمع الإسرائيلي قوي جداً، ويزداد قوةً منذ بداية الحرب. نسبة ضئيلة (7%) تعتقد أنه لا يوجد تغيير في الشعور بالتضامن، و2% قالوا إن هذا الشعور ضعف كثيراً. في المقابل، يشعر نحو نصف المجتمعَين اليهودي والعربي بتغيير نحو الأسوأ في العلاقات فيما بينهما منذ بداية الحرب (50% وسط الجمهور اليهودي، و54% وسط الجمهور العربي).
  • يبرز التضامن في التأييد الكبير جداً من الجمهور اليهودي لأهداف الحرب كما حددها وأعلنها المستوى السياسي. في الاستطلاع الذي أجراه المعهد ما بين 16 و19 تشرين الثاني/نوفمبر، قال 96% من اليهود إنهم يؤيدون أهداف الحرب تأييداً كبيراً، و85.5% يؤيدونها. بينما أعرب 34% من المشاركين العرب في الاستطلاع عن تأييدهم لأهداف الحرب. وهذه نسبة كبيرة جداً وثابتة، وهي تدل على ظاهرة معروفة في إسرائيل، هي "التجمع حول العلم " (rallying around the flag). ومغزى هذا الأمر أن مختلف فصائل المجتمع اليهودي التي كانت خلال الأعوام الماضية على خلاف عميق بشأن موضوعات ذات أهمية وطنية، توحدت اليوم حول موضوع وطني واحد. وهذا المعطى مهم، وخصوصاً لدى مقارنته بتدني الثقة بالحكومة الذي سنفصّله لاحقاً.
  • معطى آخر مهم، يدل على التضامن الاجتماعي الكبير في إسرائيل، هو وجود أغلبية وسط المشاركين في الاستطلاع (أكثر من 70%) لا تفكر في مغادرة إسرائيل بعد الحرب. وهذا المعطى بقي ثابتاً طوال مدة الاستطلاعات. وهذا الأمر مهم، وخصوصاً لدى مقارنته بالخطاب الذي كان سائداً في المجتمع الإسرائيلي خلال فترة الأزمة السياسية التي سبقت الحرب، والتي جرى الحديث خلالها كثيراً عن النزوح من البلد.
  • الثقة بمؤسسات الدولة. بصورة خاصة الثقة بالجيش، وبالشرطة، وبالحكومة الإسرائيلية. في الاستطلاعات التسعة، أعرب الإسرائيليون عن ثقتهم الكبيرة بالجيش وقدرته على الانتصار في الحرب في غزة، والانتصار في الحرب على الجبهة الشمالية، إذا نشبت. في الاستطلاع الذي أُجريَ في 10 كانون الأول/ديسمبر، عبّر 90% عن ثقتهم الكبيرة بالجيش. الثقة الكبيرة التي يشعر بها الإسرائيليون حيال الجيش، على الرغم من الإخفاق الاستخباراتي والعملاني في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ناجمة عن الارتباط العاطفي بين الجمهور والجيش الذي يُعتبر قائداً للأمن القومي، ولذلك، يتجند الجمهور خلال الحرب لتأييده....
  • لكن في مقابل هذه الأرقام المشجعةـ فإن نسبة الذين أعربوا عن ثقتهم بالحكومة كانت متدنية جداً، وتراوحت بين 23 و26% فقط طوال الفترات الماضية. هذه الفوارق الكبيرة بين ثقة الجمهور الكبيرة بالقوى الأمنية وبين تدني ثقتهم بالمستوى السياسي، تكشف انتقادات الجمهور للحكومة خلال الحرب، وخصوصاً في المجالات المدنية، وكذلك إدارة اقتصاد الحرب، والمساعدة البطيئة والبيروقراطية للمدنيين المحتاجين... تجدر الإشارة إلى أنه حتى في الأيام العادية، يحظى الجيش بثقة أكبر من الثقة بالحكومة والأطراف السياسية.

ج- التفاؤل والأمل: يشكلان مكوّنين مهمَّين في الحصانة الوطنية. إلى جانب الثقة بأن الجيش سينتصر على "حماس" في الحرب، الأمر الذي يدل على تفاؤل وأمل، اخترنا فحص هذا الأمر من عدد من الجوانب. هناك أغلبية واضحة (71% في استطلاع أُجريَ في 3 كانون الأول/ديسمبر) تعتقد أن التهديد الأمني للنقب الغربي سيزول، أو سيتقلص، وتثق بالجيش وقيادته لإزالة هذا التهديد...

  • هناك تأثير آخر في التفاؤل، له علاقة بتقديرات الجمهور بشأن استمرار الحرب. وكما هو متوقع، مع استمرار القتال، يتوقع الجمهور استمرار الحرب مدة طويلة. وبينما كان ثلث هذا الجمهور يعتقد في الأسبوع الأول للحرب أنها ستستمر عدة أسابيع، وحتى شهراً، مع استمرار القتال، تراجع عدد الذين يعتقدون ذلك، وارتفعت نسبة الذين يعتقدون أن الحرب ستستمر 3 أشهر، وربما سنة. وتبلغ نسبة هؤلاء 41% في آخر استطلاع للرأي أُجريَ في 3 كانون الأول/ديسمبر...
  • حتى كتابة هذه الورقة، من الواضح أن الجمهور مستعد لتحمُّل استمرار الحرب والأثمان الباهظة لها. 68% من الجمهور (في استطلاع 3 كانون الأول/ديسمبر) يمنحون الجيش مساحة زمنية للعمل تبلغ عدة أشهر. وهذه النسبة تتصاعد تدريجياً مع استمرار القتال...
  • وبرز التفاؤل في الإجابة عن السؤال بشأن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التعافي من الأزمة والازدهار. في الاستطلاع الثامن (3/12)، قال 89% إنهم متفائلون جداً، أو متفائلون عموماً...
  • في مقابل التفاؤل بشأن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التعافي من الأزمة، أعرب نحو 47% من الذين شاركوا في الاستطلاع عن قلقهم إزاء الوضع الاجتماعي الإسرائيلي بعد الحرب... وفي الرد على هذا السؤال، برزت فجوة جوهرية وسط المتدينين المشاركين في الاستطلاع. 56% من الذين يعتبرون أنفسهم علمانيين، قالوا إنهم قلقون جداً، في مقابل 36% من المتدينين. وتتطابق هذه الأرقام مع التوجه المعروف في الأدبيات البحثية بشأن الأمل والتفاؤل، إذ يظهر أن المؤمنين من المتدينين ومَن لديهم أيديولوجيات معينة هم أكثر تفاؤلاً وأملاً.

د- الحياة اليومية الشخصية والاستمرارية الوظيفية خلال الحرب.  وفي الواقع، إن النازحين من "غلاف غزة"، مقارنةً بالنازحين من مستوطنات الشمال، لهم خصائص مختلفة، وكذلك عائلات الجنود الاحتياطيين والناس الذين تعطلت أشغالهم. والمعروف أن القدرة على الاستمرار في العمل خلال الكوارث دليل على مناعة عالية (والعكس صحيح)، وتشكل أساساً للتعافي السريع والنمو. وطوال الفترة التي جرت فيها الاستطلاعات، برز تحسُّن بطيء وتدريجي في الإحساس بالأمن الذاتي، يعود إلى نجاحات إسرائيل في القتال، وتقلُّص حجم التهديدات للشعور بالأمن الشخصي لدى المواطنين، مع تراجُع إطلاق الصواريخ من القطاع، ومن الجنوب اللبناني. وبينما قال 43% من الرجال إن شعورهم بالأمن الشخصي قوي جداً، أو قوي، فإن 18% من النساء قلن ذلك (في استطلاع 3/12).

......

  • من المهم الإشارة إلى ظاهرة مؤثرة في الحياة اليومية والشعور بالقلق لدى الجمهور، وهي حجم الاستعانة بخدمات العلاج النفسي. وتُظهر الأرقام ارتفاعاً واضحاً، من 6% في استطلاع أُجريَ في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى 10% في كانون الأول/ديسمبر. والفئة العمرية هي ما بين 18 و34 عاماً.

 

 

المزيد ضمن العدد