"حماس" تريد حفظ مكانتها كجزء من السلطة التي ستدير غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قال حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، "لا نقاتل لأننا فقط نريد أن نقاتل. نحن لا نلعب لعبة صفرية. نحن نريد أن تنتهي الحرب". أما ما يقصده بدران كهدف نهائي فهو "دولة فلسطينية في الضفة وغزة والقدس". بما معناه، حدود سنة 1967.
  • أقوال بدران تتماشى مع المقابلة التي أجراها موسى أبو مرزوق في موقع "المونيتور" الأسبوع الماضي، وقال خلالها إن "حماس يجب أن تلتزم الموقف الرسمي لمنظمة التحرير التي اعترفت بإسرائيل". صحيح أن أبو مرزوق سارع إلى توضيح ما لم يُفهم من أقواله، وقال إن "حماس لا تعترف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي، ولا تقبل التنازل عن حقوق شعبنا الفلسطيني"، وأنها "تؤكد أن المقاومة ستستمر حتى التحرير والعودة". إلاّ إن هذه التصريحات في المقابلتَين تم التعامل معهما على أنهما "انقلاب" في رؤية التنظيم، ولا يجب أن تفاجئ أحداً. وهي موجهة إلى الآذان الفلسطينية، أكثر مما هي موجهة إلى العالم، أو إلى إسرائيل.
  • تدير "حماس" منذ أعوام حوارات سياسية ودبلوماسية مع مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، جزء منها مباشرة، وآخر برعاية مصر أو قطر، وتدور حول بنية منظمة التحرير وشكل إدارة الصراع مع إسرائيل. خلال جولة المحادثات الأخيرة التي جرت في العلمين في مصر، التقى المسؤولون من "حماس"، ومن ضمنهم إسماعيل هنية، محمود عباس ورئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل، من أجل فحص إمكان انضمام "حماس" إلى منظمة التحرير.
  • لم يتم التوصل إلى أي إنجاز حقيقي في هذه اللقاءات. عباس تمسّك بموقفه القائل إن على "حماس" الاعتراف بالاتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير مع إسرائيل. بما معناه، اتفاق "أوسلو". وهذا ما عارضته "حماس"، واندلعت الحرب بعد وقت قصير. لكن بحسب أقوال بدران، فإن المحادثات لم تتوقف حتى خلال الحرب، وتجري لقاءات ما بين قيادات من "حماس"، ومن ضمنهم بدران نفسه وخالد مشعل، وبين ممثلين لمنظمة التحرير، كرئيس الحكومة الفلسطيني السابق سلام فياض، ومحمد دحلان الذي طرده محمود عباس من صفوف "فتح"، بالإضافة إلى حسين الشيخ الذي يُعتبر الرجل الثاني في منظمة التحرير، ويبدو أنه يدير الحوارات مع "حماس".
  • زيارة هنية إلى مصر غير منفصلة عن الخطوة السياسية التي تحاول "حماس" الدفع بها. مبرر الزيارة المعلَن هو جهود للتوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، في مقابل تحرير المخطوفين، لكن بحسب مصادر مصرية، فإن "الحديث يدور حول عدة مواضيع أوسع، وتتضمن خطة عمل لليوم التالي". وقال مصدر إعلامي يغطي أخبار العلاقات بين مصر و"حماس" في غزة لصحيفة "هآرتس" إن "هنية سيطلب من مصر الدعوة إلى لقاء مشترك بين قيادة "فتح"، ومن ضمنها محمود عباس، وبين قيادات "حماس"، ومن الممكن أيضاً حضور أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، للبحث في انضمام "حماس" والجهاد إلى منظمة التحرير".
  • نقطة الانطلاق هذه المرة هي أن الحرب خلقت ظروفاً جديدة، يمكنها أن تساعد على التوصل إلى اتفاق جديد، إذ من المتوقع أن تكون "حماس" أكثر ليونةً، وتسمح لعباس بالتقدم في مسار ضمِّها إلى منظمة التحرير، وهي القاسم المشترك الذي يربط بين جميع الفصائل الفلسطينية، ومن ضمنها "حماس" التي يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من منظمة التحرير الفلسطينية. صحيح أن هذا هو الموقف الذي عبّر عنه فياض، وأيضاً رئيس الحكومة الفلسطيني الحالي محمد اشتية، بالإضافة إلى مسؤولين كبار في السلطة: جبريل الرجوب وناصر القدوة ومسؤولون آخرون، حتى قبل الحرب.
  • وفي اللحظة التي تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن بوضوح عن "سلطة فلسطينية مجددة" يجب عليها أن تتحمل مسؤولية إدارة القطاع، وعن نيته الدفع بحل الدولتين، بدأت روح جديدة تنتشر في أوساط "فتح" وشعور بأن لديهم هذه المرة فرصة لبناء حركتهم من جديد، وإزاحة محمود عباس والدفع قدماً بجيل الشباب، وأن هذا الطموح سيكون مدعوماً من الأميركيين هذه المرة. وهم يعترفون أيضاً، بأنه من دون "حماس" والفصائل الأُخرى، فإن الدعم الأميركي لن يحقق لهم الدعم الجماهيري والشرعية الداخلية، أما في حال انضمام "حماس"، فيمكن أن يتغير التوجه الأميركي كله. وبحسب مسؤول كبير في اللجنة المركزية لـ"فتح"، قال لـ"هآرتس" إن الحرب في غزة أضعفت "حماس" التي تبحث عن طرق للحفاظ على مكانتها وقوتها السياسية، في حال لم تعد تسيطر على غزة، لكن في الوقت نفسه، عززت قوتها بصفتها مَن يتحمل عبء الحرب ضد إسرائيل".
  • في الوقت نفسه، يبدو أن قيادة "حماس" لا تعرف كيف ستنتهي الحرب، وكيف ستكون مكانة الحركة، وماهية "جمهورها"، في ضوء نتائج الحرب. لذلك، عليها الاستعجال لقطف الثمار السياسية قبل انتهاء الحرب، لكي تضمن مكانتها في أي حل يُطرح بشأن مستقبل حُكم غزة. يبدو أن قيادة "حماس" تقدّر أن مصر تستطيع مساعدتها للعودة إلى طاولة النقاشات التي ستبحث في مستقبل اليوم التالي، حتى لو كان بصورة غير مباشرة. أحد الإمكانات التي تُبحث هو تسريع إعادة بناء منظمة التحرير، بحيث تضم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وإقامة مجلس، أو سلطة تكون مسؤولة عن إدارة غزة، ولا تضم أعضاء من "حماس".
  • ولنجاح مثل هذه المبادرات، لا يكفي إعادة توحيد الصفوف في حركة "فتح" والاتفاق على بنية جديدة لمنظمة التحرير - بل "حماس" أيضاً تواجه معضلات صعبة. الصعوبة الحالية هي جعل يحيى السنوار ومحمد الضيف يتماشيان مع موقف قيادة الخارج. وكما هو معلوم، فإن السنوار لا يزال مؤمناً بقدرته، ليس فقط على إدارة المعركة في مواجهة إسرائيل، بل على الحفاظ على السلطة أيضاً. يبدو أنه يراهن على الضغط الدولي، وأيضاً الضغط الجماهيري الداخلي الإسرائيلي. لذلك، فإنه يستخدم المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن كورقة ضغط، ليس فقط في مقابل إسرائيل، إنما مقابل قيادة "حماس" في الخارج أيضاً التي تتعرض لضغوط كبيرة من قطر ومصر، ويجب عليها تقديم تنازلات للحفاظ على مكانتها.
  • وأيضاً، يمكن الافتراض أن قيادة "حماس" تريد التوصل إلى صيغة يتم فيها تحرير عدد كبير من المخطوفين في مقابل وقف إطلاق نار طويل، والكلمة الأخيرة للسنوار، الذي حتى لو تم اغتياله، فلا شيء يضمن أن يكون هناك غزّي أكثر ليونةً منه في المفاوضات. وفي الوقت نفسه، فإن قيادة "حماس" في الخارج ليست موحدة. فالعلاقات بين مشعل وهنية لا تزال متوترة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقات بين مشعل وصالح العاروري، نائب هنية والمسؤول عن الضفة، والذي لم يُسمع صوته مؤخراً.
  • يمكن التقدير أن إسرائيل، التي تعارض، بشدة، نقل إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية ببنيتها الحالية، سترفض أيضاً، بالحدة نفسها، أي التفاف يجعل "حماس" الحاضر الغائب في السلطة المستقبلية التي ستدير القطاع. حينها، سيُطرح السؤال: هل ستوافق واشنطن على قبول حل سلطة "مجددة"، من دون مشاركة أعضاء من "حماس"، لكنها لديها الشرعية من منظمة التحرير التي ستكون "حماس" عضواً كبيراً فيها؟
 

المزيد ضمن العدد