الموقف السوري في حرب السيوف الحديدية - تأييد رمزي وتلافٍ للتصعيد
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • باتت إسرائيل، منذ اندلاع حرب "السيوف الحديدية"، تواجه تحديات في ساحات متعددة، نتيجة نشاط وكلاء إيران في الشرق الأوسط، وعلى رأس هؤلاء حزب الله، وحوثيو اليمن، والميليشيات الشيعية العراقية التي تهاجم القواعد الأميركية. وفي ضوء التزام هذه المنظمات مساعدة "حماس" ضمن إطار "محور المقاومة"، يبدو أن هدف هذه التنظيمات هو خوض مواجهة محدودة النطاق من أجل ممارسة الضغط المباشر وغير المباشر على إسرائيل (عبر الضغط على الولايات المتحدة) من أجل إنهاء الحرب، وعلى وجه الخصوص: إرباك الجيش الإسرائيلي وتحويل تركيزه من قطاع غزة وحده، تجاه جبهات أُخرى. أما سورية، في المقابل، فباستثناء بضعة أحداث محدودة منسوبة إلى جهات فلسطينية، إلى جانب الهجمات التي نفّذتها الميليشيات الشيعية هناك ضد قواعد أميركية في البلد، فلم تُفتح جبهة ناشطة في المنطقة الحدودية. ويبدو من الواضح أن بشار الأسد لا يسارع إلى الانخراط في المعركة لتحويل سورية إلى جبهة قتال حقيقية، وذلك لعدة اعتبارات رئيسية:
  • ضمان بقاء الأسد: في بداية الحرب، وجّهت إسرائيل رسائل تهديدية إلى الأسد، مفادها أن انخراطه في المعركة سيعرّض دمشق ووجوده للخطر. أما الأسد نفسه، الذي تمكن من الصمود طوال 12 عاماً من الحرب الأهلية الدامية، والعارف بقدرات الجيش الإسرائيلي الذي بات يحظى الآن أيضاً بدعم أميركي هائل، فهو ليس معنياً مجدداً بتعريض نظامه للخطر.
  • العلاقات بين "حماس"” وسورية: إن "حماس"، التي تمتد جذورها الأيديولوجية إلى جماعة الإخوان المسلمين، لم تكتفِ فقط بتوجيه الإدانات الحادة إلى الأسد نتيجة ممارساته في الحرب الأهلية، بل أيّدت معارضيه، وخصوصاً منظمات المتمردين المتماهية مع الإخوان. ومع ذلك، فقد طرأ تغيّر بطيء وتدريجي بمرور السنوات، يتمثل في عودة التقارب بين النظام و"حماس"، وذلك نتيجة ظروف عديدة، من ضمنها الضغوط التي مارسها كلٌّ من إيران وحزب الله من أجل توحيد صفوف "محور المقاومة" ضد إسرائيل. في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وافق الطرفان على تجديد العلاقات فيما بينهما، بينما قام الأسد في آب/أغسطس 2023 باتهام "حماس"” بالنفاق والغدر [في مقابلة أجرته معه قناة سكاي نيوز في 8/8/2023]. وقد أكد الرئيس السوري أن العلاقات لن تعود إلى الحال التي كانت عليها قبل اندلاع الحرب الأهلية.
  • اعتبارات خاصة بالمحور: من المحتمل أن يكون سبب عدم التدخل السوري نتيجة لتوجيه من المحور، وليس نابعاً حصرياً من قرار الأسد. إن إيران، على الرغم من طموحها المتمثل في فتح أوسع ساحة مواجهة مع إسرائيل، غير مستعدة للتضحية بما أنجزته في سورية لمصلحة "حماس"، كون البلد مركزاً إقليمياً ولوجستياً مهماً، بل ترغب في الحفاظ على هذه الإنجازات في حال جرت مواجهة بينها وبين إسرائيل، أو بين حزب الله وإسرائيل. وقد يكون من المناسب، وفقاً للتصور الإيراني، استخدام وكلاء آخرين في هذه المرحلة، كحوثيي اليمن، أو ميليشيات العراق، فضلاً عن الاستخدام المحسوب والمحدود لحزب الله، الضروري بسبب دوره "كقائد" لمحور المقاومة.
  • وعلى الرغم من عدم فتح جبهة في سورية، فإن هذه الجبهة ليست هادئة. منذ اندلاع الحرب، لقد تم تسجيل عدة حوادث إطلاق صواريخ من الحدود في اتجاه الأراضي الإسرائيلية، قامت بها جهات فلسطينية، وقد جرى ذلك، على ما يبدو، من دون موافقة النظام السوري. أما الهجمات الأُخرى، على غرار المسيّرة التي أُطلقت من الأراضي السورية وانفجرت في مدرسة في إيلات، فهي منسوبة إلى ميليشيات شيعية تعمل في البلد. في هذه الحالة، يبدو أن مَن قام بهذه العملية هو لواء الإمام الحسين، الذي يترأسه أحد القادة العسكريين السابقين في حزب الله، ذو الفقار، ويعمل تحت إمرة فيلق القدس الإيراني. وردّ الجيش الإسرائيلي على هذه العملية بتنفيذ عدة هجمات في سورية، مكبّداً إياها أثماناً، فضلاً عن سقوط عدة قتلى في أوساط ناشطي حزب الله (وبحسب وسائل إعلام أجنبية، في أوساط فيلق القدس الإيراني أيضاً)، وهي خطوة تمتنع إسرائيل عادة من تنفيذها، في ضوء "قواعد اللعبة" في مواجهة حزب الله.
  • إلى جانب ذلك، هاجمت الميليشيات الموالية لإيران منذ بداية الحرب، بقيادة "المقاومة العراقية"، قواعد أميركية في سورية والعراق في عشرات المناسبات. وردّت الولايات المتحدة في حالات منفردة فقط ضد أهداف تابعة لهذه الميليشيات في شرق سورية، وفي العراق، في سعي منها لتجنُّب التصعيد.
  • يواصل النظام السوري، كما جرت العادة، مواجهة عدة تحديات لا علاقة لها بالقتال الدائر في غزة، وعلى رأسها جولة القتال الإضافية في شمال غرب سورية، بين النظام والمتمردين. في هذا الإطار، قامت القوات السورية والروسية بتجديد غاراتها الجوية في منطقتَي حمص وإدلب. وابتداءً من تشرين الأول/أكتوبر، وحتى الآن، أفادت مصادر بسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. أما في الشرق السوري، فتستمر المواجهات بين القوات المحلية، وتم تسجيل ارتفاع في هجمات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ضد قوات الجيش السوري. وفي جنوب البلد، أي في السويداء، تتواصل احتجاجات الدروز ضد النظام، على خلفية الأزمة الاقتصادية العميقة.

...... 

سورية: "المعركة بين الحروب" - ومغازي الأمر بالنسبة إلى إسرائيل

  • يبدو أن الأسد ومؤيديه غير راغبين في تحويل سورية إلى ميدان قتال عنيف في مواجهة إسرائيل، في إطار هذه الحرب المتعددة الجبهات التي تشنها إيران والمحور. ومع ذلك، فإن قدرة النظام على لجم النشاط الفلسطيني، أو نشاط قوات المحور من الأراضي السورية، محدودة، وخاضعة لضغوط إيران وحزب الله. صحيح أن هذين اللاعبين غير معنيَين بممارسة الضغط على الأسد في الوقت الراهن، إلا إن موقفهما هذا سيواجه تحديات مع استمرار الحرب، ومرتبط باتساع نطاق المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، ومدى الخطر الذي سيهدد التنظيم، في نظر إيران.
  • في ضوء ما تقدم، يتعين على إسرائيل، حالياً، صوغ استراتيجيا متمايزة لكل الأطراف ذات العلاقة في الساحة السورية، بحيث يمكن للأمر أن يخلق فرصاً أيضاً. في مواجهة نظام الأسد، من المناسب العثور على توازن بين جباية الأثمان المباشرة نتيجة نشاطات المحور من الأراضي السورية، من أجل تشجيع الأسد على لجم نشاطات المحور، وإظهار المخاطر التي يسببها الأمر بالنسبة إليه، وبين الامتناع من ممارسة ضغط أكبر من اللازم، قد يدفع الأسد إلى إطلاق القيود، بل العمل بنفسه للرد على الهجمات الإسرائيلية.

أما فيما يتعلق بحضور عناصر المحور في سورية، فيجب على إسرائيل استغلال الزخم الحربي، والرد بقوة ضد أرصدة المحور. تملك إسرائيل في سورية حرية عمل واسعة النطاق نسبياً (مقارنةً بلبنان)، ويجب استغلال الأمر من أجل تعميق النشاط ضد حزب الله والميليشيات لضرب قدراتها العسكرية، وإبعادها عن الحدود مع إسرائيل، بوتائر وبأحجام أعلى مما تم استخدامه في العادة، وأعلى مما تمت ممارسته في إطار "المعركة بين الحروب"، الدائرة في سورية منذ أكثر من عقد من الزمن. إن مثل هذه الخطوة سيؤدي إلى صوغ قواعد لعبة جديدة، تصب في مصلحة إسرائيل، ويمكن أن تؤدي إلى خلق واقع أمني محسّن في "اليوم التالي"، حتى على الجبهة السورية.

 

المزيد ضمن العدد