نتنياهو يجهز الذريعة للإبقاء على حُكم "حماس" في القطاع كما هو عليه
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في الأيام الأخيرة، ازدادت حدة تصريحات القيادة الإسرائيلية بشأن عملية ممكنة ينفّذها الجيش في رفح. يحدث هذا على الرغم من كثير من المعوقات- كثافة السكان الفلسطينيين في المدينة، والتوتر مع مصر التي تعارض هذه الخطوة، والانتقادات الأميركية، وحقيقة أن الجيش حرّر أغلبية وحدات جيش الاحتياط التي عملت في قطاع غزة، وقدوم شهر رمضان بعد نحو شهر. صحيح أن العملية العسكرية مطروحة، لكن توجد شكوك في أن مَن يسرّع النقاش بشأنها، يقوم بذلك بدوافع وأجندات مختلفة.
- أول مَن بدأ الحديث عن هجوم متوقع على رفح كان وزير الدفاع يوآف غالانت. بعده سارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى نشر بيان، قال فيه إنه وجّه تعليماته إلى الجيش بتحضير الخطوة (رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي قال أمس في جلسة الحكومة إن الخطة جاهزة منذ وقت طويل). لدى نتنياهو حسابات أُخرى، أكثر من حقيقة أنه من دون حل عسكري لموضوع رفح، أو غير عسكري، فإن الأنفاق الموجودة في سيناء يمكن أن تسمح لـ"حماس"، مستقبلاً، بترميم بعض قدراتها العسكرية.
- التهديد بعملية في جنوب القطاع يمكن أن يُستعمل كأداة ضغط على "حماس"، على أمل أن يسمح ذلك بمفاوضات لتحرير الرهائن. كما أنه يساعد على تحويل النقاش الإعلامي الذي يظهر من خلاله أن المفاوضات معلّقة الآن، وليس فقط بسبب مطالب "حماس" المتطرفة، بل لأن نتنياهو لا يبدي أي استعداد لإنقاذ العربة العالقة في الوحل.
- وكما يجري في كثير من القرارات التي يتخذها رئيس الحكومة في الحرب، هذه أيضاً سياسة يتم بحثها عبر الاستطلاعات، وتهدف إلى خدمة القاعدة الشعبية الآخذة بالتقلص، والتي تحب أن ترى نتنياهو يشتبك مع الإدارة الأميركية. ليس هذا فقط، بل يبدو أن هناك تحضيراً لشيء آخر. نتنياهو يتحدث منذ أسابيع عن التوصل إلى نصر مطلق على "حماس". وعلى الرغم من إحكام الحصار على أماكن اختباء قيادات الحركة، فإنه لا يوجد حتى الآن إشارات إلى أن إسرائيل قريبة من هذا الهدف. لكن هناك إمكانية لاتهام أحد آخر بعدم تحقيق الوعود، إنهم الأميركيون الذين يفرضون قيوداً مثلاً، أو اليساريون الذين يزعجوننا، أو الجنرالات غير القادرين على تنفيذ المهمة، ولن تكون هذه المرة الأولى التي يتصرف فيها نتنياهو على هذه الشاكلة.
- خلال نهاية الأسبوع، تم تسريب الأحاديث من اجتماع الكابينيت، وتبين منها أن نتنياهو فوجئ بأن الجيش حرّر أغلبية وحدات الاحتياط التي شاركت في القتال في غزة. كل عملية في رفح، وبصورة خاصة إذا كانت في موازاة القتال في خان يونس، ستحتاج إلى تعزيز القوات من جديد، ودعوة الوحدات القتالية من أماكن أُخرى. لذلك، فإن الجيش يفضل التركيز على مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، حيث لا يزال هناك كتيبة ونصف تابعة لـ"حماس" لم تتم هزيمتها بعد.
- بعد أسبوعين من الفوضى في معبر كرم أبو سالم، بدأت الشرطة والجيش أمس بفرض النظام. تحدث رئيس هيئة الأركان مع المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي، وطلب منه التدخل من أجل وقف الإخلال بالنظام الذي يمنع دخول الشاحنات إلى غزة. بدوره، أرسل شبتاي 500 شرطي قاموا بإجلاء نحو 40 متظاهراً يمينياً. وهو ما أدى، طبعاً، كما هو متوقع، إلى غضب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي طالب هليفي بعدم التحدث مع شبتاي إلا من خلاله.
- نتنياهو عزّز نهجه الاستفزازي، وذلك خلال زيارته أمس لوحدة "يهالوم"، حيث صرّح هناك بأن "إسرائيل ستجعل القطاع منزوع السلاح، عبر سيطرتها الأمنية على غربي نهر الأردن، وضمنه قطاع غزة. كما يبدو، لا يوجد بديل من هذا في المدى المنظور. هذا ما نقوله للمجتمع الدولي، وأيضاً لرئيس الولايات المتحدة. سيكون هناك دائماً سيطرة أمنية خاصة بنا، وإن كان هناك حاجة إلى وجودنا في داخل القطاع، إذاً، سنكون هناك".
- وبكلمات أُخرى، ليس فقط أن نتنياهو يؤجل كل تسوية بشأن "اليوم التالي" في القطاع، بل يصرّح أيضاً بأن الجيش سيبقى هناك في المستقبل المنظور. وإن تعاملنا مع الأمور كما هي، فإن هذا يتعارض جوهرياً مع السياسة الأميركية - وبذلك يمكن أن يغلق الباب أمام جهود التطبيع مع السعودية. السؤال هو عمّا إذا قررت إدارة بايدن هذه المرة التصرف بحزم. أمس، تحدث نتنياهو وبايدن هاتفياً، وطلب بايدن منه ضمان إجلاء السكان المدنيين من رفح، كشرط لدخول الجيش إلى المنطقة.
- يمكن أن تتضح هذه الأمور في القاهرة، حيث من المفترض أن تتجدد المفاوضات بشأن صفقة تبادُل الرهائن غداً، بمشاركة ممثلين من الولايات المتحدة وقطر ومصر. سيقود الوفد الأميركي رئيس السي آي إي وليام بيرنز. حتى أمس، لم تعلن إسرائيل أنها سترسل وفداً إلى المفاوضات، بعد أن اعتبر نتنياهو أن مطالب "حماس" غير مقبولة.
- الأميركيون يشعرون بالصدمة بسبب ما تقوم به إسرائيل، وكذلك أيضاً الوسطاء. صحيح أن مطالب "حماس" متطرفة، كما قال نتنياهو، إلا إن هذا لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليه. وأكثر من ذلك، فإن مخطط الصفقة كما تم الاتفاق عليه قبل أسبوعين في باريس - تحرير الأسرى والرهائن عبر ثلاث مراحل، في مقابل تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، ووقف إطلاق نار مستمر- جرى بمبادرة إسرائيلية في الوقت الذي كان الوسطاء يدفعون به قدماً، وفي النهاية، اكتشفوا أن نتنياهو غير معنيّ، وتراجع.
- موقف نتنياهو من الصفقة هو استمرار مباشر لتصريحاته بشأن السيطرة المستمرة في القطاع ورفح. في جميع القضايا، يتوجه رئيس الحكومة نحو اليمين، ويتبنى نهجاً عدوانياً. وبحسب تصريحاته حتى الآن، فإنه غير معنيّ بصفقة تحرير رهائن يمكن أن تعرّض ائتلافه لخطر التفكك. حكومته لن تصمد أمام وقف إطلاق نار لبضعة أشهر في القطاع، سيشمل أيضاً حزب الله في الحدود الشمالية، وتطرح أسئلة صعبة - لماذا لم ننتصر؟ وماذا حدث فعلاً يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر؟ الصفقة لن تخدم البقاء السياسي المرتبط بالشركاء من اليمين المتطرف. سيكون على زعيمَي "المعسكر الرسمي"، بني غانتس وغادي أيزنكوت، البحث في خطواتهما قريباً.
يقتربون من السنوار
- عملية ملاحقة قائد "حماس" في القطاع يحيى السنوار، ليست أخباراً كاذبة. كما يبدو، هناك إشارات كثيرة إلى أن إسرائيل تقترب من إلقاء القبض عليه، أو قتل مَن خطط لـ"المذبحة" في "الغلاف". السنوار موجود في الأنفاق والمخابئ التي حفرتها "حماس" تحت خان يونس، منذ بدء الحرب، كما يبدو، وباعتبار أنه يحيط نفسه بالمساعدين والحماية وأبناء العائلة، ومن الممكن أيضاً ببعض الرهائن الإسرائيليين، فمن الصعب الاعتقاد أنه سيتحرك بحرية من مكان مخبئه إلى مكان آخر، من دون أن يترك أدلة.
- خلال الأسبوعين الماضيَين، انقطع الاتصال به، وبغيابه، من الصعب على قيادة "حماس" في الخارج صوغ موقف بشأن المفاوضات. هذا لا يعني أنه مات، إنما يبدو أنه اختار تبنّي نهج هادئ أكثر، كي يتهرب من الضرر. حالياً، يقترب الجيش والشاباك منه.
- مؤخراً، تم إيجاد غرف وأنفاق كان السنوار موجوداً فيها بعد بدء الحرب. في الأساس، تم إيجاد كتيب كُتب بيده (المذكرة الأخيرة كُتبت يوم 14 كانون الثاني/يناير هذا العام). سيطرة الجيش على بنية تكنولوجية تابعة لـ"حماس"، والاختراق الكبير الذي جرى بالكشف عن شبكات الاتصالات التابعة للحركة، كشفاه أكثر أمام الاستخبارات الإسرائيلية. حتى إن الجيش فجّر، بشكل ممنهج، الأنفاق التي تربط بين خان يونس ومواقع أُخرى.
- إسرائيل تريد تعزيزسردية أنها قريبة من السنوار. في نهاية الأسبوع، زار رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي ورئيس الشاباك رونين بار الأنفاق في خان يونس. وعندما تحدث بار عن المطلوبين الذين يختبئون تحت الأرض، كان يقصد قائد "حماس". خلال بدء المناورة البرية في القطاع، فعّل الجيش قوة كبيرة، رافقها قصف جوي، تم وصفها بأنها "مطحنة". لم تستطع "حماس" الصمود أمامها، وخلّفت دماراً كبيراً جداً في شمال القطاع. العملية الآن في خان يونس أكثر دقةً، وتستند إلى طرق عمل تم تطويرها خلال الأشهر الماضية.
- بمرور الوقت، يمكن إلحاق أضرار جسيمة بقدرات "حماس" العسكرية والمدنية. إلا إن هذه الخطة تعاني جرّاء نقطة ضعف مركزية: فهي تحتاج إلى أشهر من الجهود. وليس فقط أن الولايات المتحدة ومصر لا تملكان الوقت والصبر لذلك - ببساطة، الرهائن أيضاً ليس لديهم متسع من الوقت.