الجمهور يريد الحقيقة وليس الشعارات
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • خلال حرب فيتنام، طلب روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأميركي ومهندس هذه التجربة التاريخية المريرة، بأن يُقدَّم له تقرير يومي يعرض أعداد القتلى، مقارنةً بإنجازات الجيش الأميركي، وأعداد قتلى العدو، والسلاح الذي دُمّر. وكانت الرسوم البيانية تكشف ارتفاعاً دائماً في النجاحات، لكن على الرغم من ذلك، فإن الحرب أصبحت أقسى أكثر فأكثر، وأصبح النصر بعيداً أكثر فأكثر. أحد مستشاري ماكنمارا المحبطين لفت نظره إلى أن هناك مكونات مهمة لا تعكسها الجداول البيانية، مثل الأيديولوجيا والروحية السائدة، وهي التي تحبط تحوُّل كتلة النجاحات التكتيكية إلى حسم استراتيجي.
  • يبدو أن إسرائيل تقترب، بالتدريج، من الفخ الذي وقع فيه ماكنمارا قبل 60 عاماً. النجاحات العسكرية في غزة مثيرة جداً للإعجاب، وخصوصاً عدد القتلى والأسرى من "مخربي حماس"، وتدمير البنى التحتية للحركة، ولا سيما شبكة الأنفاق. مع ذلك، فالحرب لا تزال بعيدة عن "النصر المطلق" الذي يتحدث عنه رئيس الحكومة من دون أن يحدد موعداً لانتهاء المواجهات، أو تحديد الاستراتيجيا التي ستليه.
  • الظروف الراهنة لا تدل على انكسار قريب لـ"حماس". فعلى الرغم من الضربات القاسية التي تلقّتها واستمرار القتال في كل أنحاء القطاع، فإنه لم يتم القضاء على الحركة التي تعود، بالتدريج، إلى المناطق التي خرج منها الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً في شمال غزة. في غضون ذلك، لا تبرز مؤشرات تدل على احتجاج شعبي ضد "حماس"، أو تطور بديل محلي من الحركة. التطلع الإسرائيلي إلى بروز عشائر مسلحة تسيطر على الحياة العامة وتقدم المساعدة المدنية للمواطنين، يبدو في هذه المرحلة أقرب إلى مجرد أمنيات منه كهدف يمكن تحقيقه.
  • يتعين على إسرائيل أن تتعلم درسَين مركزيَين: الأول، تغيير المفاهيم العسكرية الكلاسيكية في المواجهة مع تنظيم مرن مثل "حماس"، والمعروف بقدرته على التكيف، وعلى التعلم، وعلى التغيير. فالتنظيم موجود على عدة مستويات في آن معاً، ويتأقلم وفق الظروف. على سبيل المثال، هو يستخدم ناشطيه العسكريين بلباس مدني، أو تحت غطاء عمال بلدية، من أجل استمرار السيطرة على الحياة العامة، وبعد تفكيك منظومات ألويته العسكرية، انتقل إلى نموذج حرب العصابات داخل المدن التي تعتمد على خلايا.
  • الدرس الثاني الذي يتعين على إسرائيل استخلاصه، هو أنه لا يمكن قيام نظام جديد في غزة من دون السيطرة لفترة ما على المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي والإعداد للسيطرة على غزة كلها. ونظراً إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يستوفِ الشروط المطلوبة، وفي الحقيقة، يقوم بتخفيف البقاء الدائم لقواته في غزة، بالإضافة إلى التردد ما بين عودة السلطة وإقامة إدارة محلية فلسطينية، أو نشر قوات دولية في المنطقة، فإن هذا الهدف ما زال فكرة نظرية ومنفصلة عن الواقع، في وقت تظل "حماس" هي القوة المسيطرة على القطاع، حتى لو كانت منهكة ومثخنة بالجراح.
  • لقد أظهر المجتمع الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر حصانة غير مسبوقة فاجأت الإسرائيليين أنفسهم. وهو مستعد لتحمُّل التضحيات ومعركة طويلة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وُضعت في بداية الحرب، وفي طليعتها، القضاء على "حماس". لكن مع ذلك، فإن الجمهور الإسرائيلي يتطلع إلى معرفة الحقيقة المعقدة والتحديات والصعوبات القائمة، وليس إلى الشعارات العامة التي هدفها خلق الحوافز، وكلما استمرت الحرب كلما تكاثرت الشكوك إزاء شفافية الأهداف ومدى قابلية تحقيق الأهداف الاستراتيجية. "النصر المطلق" و"معركة حتى النصر" مفهومان يُستخدمان لتعبئة الجماهير في دول غير ديمقراطية، لا يوجد فيها مجتمع مدني، ومن الصعب أن تتلاءم مع الوجود الجماعي في إسرائيل.
  • لقد وصلت إسرائيل إلى مفترق طرق في غزة. إمّا التوجه نحو صفقة شاملة تؤدي إلى تحرير المخطوفين في مقابل وقف القتال، وربما الانسحاب من غزة، وبعد مرور الوقت، التفكير في العودة إلى تحقيق هدف تفكيك سلطة "حماس"، أو القيام بتغيير استراتيجي للواقع في القطاع، وهو ما يفرض سيطرة على القطاع كله، ووجوداً دائماً. الحل الوسط الذي جرى اختياره لا يحقق أي هدف من الهدفين الاستراتيجيَين، وبدلاً من ذلك، سيخلق حالة من الإحباط الجماعي، ومن عدم الثقة بين الجمهور وقيادة الدولة.
 

المزيد ضمن العدد