4 كتائب فقط، وانتصرنا
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ما دمنا لم نقضِ على الكتائب الأربع التابعة لـ"حماس" في رفح، فإن الحرب لن تنتهي، ولن يتحقق الانتصار. هذه هي عقيدة الحرب ورؤيا الانتصار التي صاغها نتنياهو. 4 كتائب، وانتهينا.
- إذاً، لنفترض أننا دخلنا إلى رفح، ودمرنا الكتائب الأربع التي تضم 3000 عنصر من "حماس". حتى الآن، تُعلمنا الإحصاءات الحربية أن إسرائيل تقتل بنسبة "مخرب" واحد في مقابل اثنين من السكان الأبرياء "غير الضالعين" في القتال؛ حتى إن هناك مَن يدّعي أن هذه النسبة إنسانية، تليق بالجيش الأكثر أخلاقية في العالم. ووفق هذا الحساب، إن القضاء على كتائب "حماس" المتبقية سيؤدي، كما هو متوقع، إلى مقتل 6000 غزّي، سينضمون إلى نحو 21 ألف ضحية من الأبرياء الذين قُتلوا (من مجمل عدد القتلى الذي يصل إلى 32 ألف قتيل). ولأن رفح هي المنطقة الأكثر اكتظاظاً من بقية المناطق السابقة التي عمل فيها الجيش في القطاع، فلن يكون من المبالغة التقدير أن عدد القتلى يمكن أن يصل إلى 8000، وفي المجمل، إلى 27 ألف مدني (من بين نحو 40 ألف قتيل).
- وللمقارنة، فبحسب أرقام الأمم المتحدة، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وحتى شباط/فبراير من هذا العام، خلال عامين كاملَين من القتال، قُتل 10852 مواطناً أوكرانياً. صحيح أن هذه الأرقام ليست دقيقة، وتقديراتهم بصورة عامة أعلى مما يقرّ أي بحث لائق، والتفريق بين المدنيين وغير المدنيين مشوش، حتى أنه غير ممكن - لكنها تشرح جيداً ثمن صورة النصر الذي سيُدفع في رفح.
- أعداد القتلى تُبرز العبثية، وبصورة خاصة الكذب الذي يرافق النقاش الساخن بشأن "الليونة" التي يجب على إسرائيل أن تبديها في المفاوضات لتحرير الرهائن. لأن السؤال هو ما هي القيمة الأمنية في استمرار اعتقال آلاف الأسرى الذين سيتم التعامل معهم كأوراق مقايضة في المفاوضات بشأن إطلاق الرهائن الإسرائيليين، إذا كان الجيش يستطيع إبادة عدد مشابه من "المخربين" خلال أسبوع واحد؟
- فالأزمة ليست عبارة عن إحصاءات موت فقط لا تهمّ إسرائيل، بل ما هو المقابل الذي ستحصل عليه إزاء هذا الموت الكبير. فماذا سيتبقى لنا بعد إبادة الكتائب الأربع في رفح؟ في سنة 2019، قال السنوار إن تحت إمرته نحو 70 ألف مقاتل، نظامي وفي الاحتياط. ومنذ ذلك الوقت كما يبدو، فإن الأعداد ازدادت، ويمكن التقدير أنه بعد هذا العدد الهائل من القتلى تبقّى له حتى الآن ما بين 40 و50 ألف مقاتل من "حماس" في القطاع، وحتى لو تم اعتبار نصفهم فقط مقاتلين مدربين، ولا يزال لديهم سلاحهم الشخصي، فإنهم سيشكلون تهديداً ثابتاً لكل قوة عسكرية تبقى لإدارة القطاع.
- هذه هي الترجمة العقلانية لمصطلح "تفكيك حماس". صحيح أن التنظيم لن يستطيع تفعيل منظومات الحكم الخاصة به، إلا إن كوادره ستتحول إلى خلايا "إرهابية" صغيرة، فعالة وقاتلة. يمكن فهم إسقاطات حالة كهذه مما يحدث في الضفة الغربية، حيث يكفي وجود "مخرب" واحد مع سلاح واحد، أو فتاة مع مقص، أو حامل سكين واحد يائس، لزعزعة الشعور بالأمان. وها هي الضفة، حيث لا يدّعي أحد أنه حقق انتصاراً مطلقاً على "الإرهاب"، والواقع دائماً ينتصر. إذاً، فمن أين أتى الغباء الذي يضمن انتصاراً كهذا في غزة، حيث سيتحول الجيش إلى قوة احتلال وقوة شرطية، ويكون الهدف موجوداً وفورياً؟
- والأهم من هذا كله: هل القضاء على كتائب "حماس" في رفح سيضمن إعادة الرهائن؟ وللدقة، هل سيبقى مزيد من الرهائن بعد عملية القتل الجماعي هذه؟ لماذا نتمسك فقط بالشعار الأحمق القائل إن زيادة الضغط العسكري ستحرر الرهائن - بل إن الدخول إلى رفح، قمة هذا الضغط، يمكن أن يدفع بالسنوار، في حال بقيَ في قيد الحياة، إلى اتخاذ قرار بأنه لم يعد في حاجة إلى الرهائن. وهكذا ستغدو خسارته الكاملة خسارة إسرائيلية كاملة أيضاً - ثمن مرعب من حياة مَن ستوافق دولة إسرائيل على التضحية بهم من أجل كتائب "حماس" الأربع.