نصف سنة على الحرب، يتعين على إسرائيل أن تقرر: المخطوفون أم رفح
تاريخ المقال
المصدر
- "شيءٌ ما انتهى"، كان هذا هو الشعور الأساسي للجمهور الإسرائيلي في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي يوم الأحد، وذلك بعد أن أمر رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، بإخراج القوات من غزة بعد استنفاد الجزء الأساسي من المناورة البرية.
- وفي الواقع، إن عدد المقاتلين اليوم في غزة هو الأقل منذ بداية الحرب، فإن خطة الحرب التي اعتمدت على 4 مراحل وصلت الآن إلى نقطة الوسط، وأصبحنا في المرحلة الثالثة؛ مرحلة الاقتحامات. وبقي في غزة هدفان أساسيان لم تتم معالجتهما: رفح ومخيمات وسط غزة (دير البلح، والنصيرات، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي في الأمس عملية واسعة النطاق)، بالإضافة إلى وجود لواء ونصف لواء من "حماس" يجب القضاء عليهما، و3 شخصيات رفيعة المستوى في الحركة يجب اغتيالها.
- لقد غيّر المستوى السياسي ورئاسة هيئة الأركان العامة للجيش جدول أولويات الحرب، وللمرة الأولى في هذا الأسبوع، وضعوا إعادة المختطَفين كهدف يأتي في الدرجة الأولى في سلّم الأولويات، ويعود هذا إلى بضعة أسباب؛ الأول هو الحاجة إلى إخبار عائلات المخطوفين أن أبناءهم مهمون لنا، والتلميح إلى أن إسرائيل تتطلع جدياً إلى التوصُل إلى صفقة بعيدة الأمد. والثاني هو الحاجة إلى قول إننا وصلنا إلى نقطة دراماتيكية في الحرب، ومن ناحية المناورة البرّية، ليس هناك ما نقدّمه بعد الآن. أمّا مخيمات وسط غزة، فسوف تتم معالجتها بصورة خاصة، لكن قبل الدخول في حرب، تجب محاولة التوصل إلى صفقة لأن حياة المخطوفين عرضة للخطر.
- إن المشكلة لا تكمن في القرار، إنما في السبيل إليه. وتصريح رئيس هيئة الأركان يوم الأحد بمناسبة مرور نصف سنة على الحرب أدى إلى اعتقاد جزء كبير من الجمهور أن الحرب انتهت، وهذه هي المرة الأولى الذي يشير فيها كبار المعلقين إلى تاريخ النهاية، فهناك من تنبأ قبل 4 أشهر بأن الحرب ستنتهي في غضون أسبوعَين، وهناك من قرروا أنه يجب البدء باستخراج الخلاصات، وفعلوا ذلك عدة مرات. لكن عملياً، الحرب لم تنته، وهي لا تزال بعيدة عن الانتهاء، والأهداف لم تتحقق بعد.
- إذا أردنا أن نفهم الانقطاع الجاري بين وسائل الإعلام وقضية الحرب، يجب أن نعود إلى يوم الأربعاء هذا الأسبوع؛ إذ اغتال الجيش و"الشاباك" بقصف جوي 6 من مجموع 10 أبناء وأحفاد لزعيم "حماس"، إسماعيل هنية، في مخيم الشاطىء الواقع غربي مدينة غزة. ولم تمرَّ دقائق على الاغتيال حتى طُرحت التساؤلات: لماذا قتلنا الأبناء الثلاثة والأحفاد الثلاثة بينما والدهم هو المسؤول الأهم في محادثات صفقة المخطوفين؟ وتوجهت نصف الانتقادات إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إذ من الواضح أن الجيش ينفذ الأوامر.
- وبعد مرور ساعة على الحادثة، أعلن "الشاباك" أن أبناء عائلة هنية قُتلوا في اغتيال مركَّز ضد ناشطين "إرهابيين"، أحدهم هو رئيس الخلية التي كانت في طريقها إلى تنفيذ عملية "إرهابية" في وسط القطاع. لكن كيف ينفذ ناشط عملية؟ من الواضح برفقة أولاد، وعندما يأخذون أولاداً في رفقتهم، فإنهم يستخدمونهم كدروع بشرية. ولم يكن نتنياهو على علم بتاتاً بالأمر، إذ تمت الموافقة على الاغتيال من جانب قيادة المنطقة الجنوبية عموماً.
- وبعد مرور بضع ساعات، شن الجيش الإسرائيلي عملية في مخيم النصيرات، حيث تشير الشكوك إلى وجود قسم من كبار مسؤولي "حماس" هناك. وبدأت العملية بهجوم مع "حزام ناري" قوي جداً، ومعنى ذلك أن الحرب مستمرة، ويجب أن نقول بوضوح إننا وصلنا إلى مفترق طرق دراماتيكي، ويجب على صناع القرار أن يقرروا؛ هل سيختارون الصفقة، أم الدخول إلى رفح، واستمرار الضغط العسكري والقضاء على "حماس"؟ لا يوجد خيار ثالث.
- وفي تصريحاته في مطلع الأسبوع، تطرّق رئيس هيئة الأركان أيضاً إلى التحقيقات التي بدأها الجيش، وهناك نقاش كبير بشأن مسألة: "هل من المناسب أن يكلف بالتحقيق قادة التقصير، بينهم مسؤولون كبار من المستوى العسكري والسياسي؟" والمشكلة الأكبر هي أن قيادة هيئة الأركان العامة للجيش والمستوى السياسي على حد سواء أدركوا ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر قبل بدء التحقيقات، وهي النظرية الخاطئة في فهم العدو ومعرفة قرار السنوار تنفيذ هجومه "القاتل".
- ويدرك هرتسي هليفي أن الكارثة الكبرى لم يكن سببها فشل شعبة الاستخبارات، إنما منظومة كاملة تبنّت هذه النظرية الخاطئة، والتي تقول إنه لا يوجد عدو حقيقي في غزة؛ وأنه بسبب تعقيد التهديدات الإيرانية وجبهة الشمال، فمن الأفضل توجيه كل الاهتمام إلى هناك، وإنشاء "معادلة" في غزة تعتمد على ازدهار اقتصادي في مقابل الهدوء، وعدم الاهتمام نهائياً بغزة و"حماس".
- هذه النظرية أهملت حقيقة أن السنوار يعرف جيداً تفكير الجيش الإسرائيلي، وضلّلنا؛ إذ دفع ضباط الجيش إلى اعتقاد أنه يؤيد فعلاً الحياة الجيدة للغزّيين، بينما أثبتت الحرب أن هذا الأمر هو آخر شيء يهمه. كما دفع شعبة الاستخبارات العسكرية أمان إلى الاعتقاد بحقيقة أن عدم مساعدته الجهاد الإسلامي في "الجولتين" الأخيرتين معناه أنه مرتدع. كما أطفأ مجسات "الشاباك" عندما أرسل المتعاونين كي يخبروا المنسقين، والذين يجمعون المعلومات الاستخباراتية في غزة، أنه مرتدع؛ إذ شاهد العمليتَين الأخيرتَين لنا في غزة، "حارس الأسوار" و"الحزام الأسود"، وامتنع من المشاركة فيهما بداعي الخوف. عملياً، هو فعل بنا ما يشاء، تماماً كما يفعل الآن عندما يسخر من الشرق الأوسط كله في نقاشات بشأن صفقة عقيمة.
- وقد أدرك رئيس هيئة الأركان هذا، وفي المعلومات الاستخبارية التي جرى الحصول عليها في القطاع، هناك وثائق كثيرة تتحدث عن خطط الخداع المدهشة للسنوار، لكن كانت هناك إشارات كثيرة وصلتنا، كقضية بطاقات الهواتف الخليوية، أو التدريبات العلنية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، التي تدرب فيها "مخربو" الحركة على اقتحام المستوطنات وعلى "المذبحة". قرأت المنظومة الخريطة بصورة خاطئة، ونجمت النظرية الخاطئة عن الغطرسة، ولم ير الجيش الإسرائيلي شيئاً باستثناء الخلاصة التي كان من السهل عليه أن يتبنّاها؛ هي أن وجهة "حماس" ليست الحرب. وهذا هو الفشل الأكبر، وهو أخطر من إخفاق 1973، ولم يكن هناك أي مبرر للمنظومة كي تخطئ في فهم مخطط "حماس".
- في أروقة الكرياه [مركز قيادة الأركان العامة]، تكثر التساؤلات بشأن "من سيغادر أولاً؟ الرأس أم الذنب؟" و"هل سيكون رئيس الأركان هو أول من يعلن استقالته، أم المسؤولون من الرتب الصغيرة هو الذين سيتحملون المسؤولية الكاملة؟" وقد روى لي ضابط رفيع المستوى أن أحد الضباط الكبار، وهو المسؤول عن الإخفاق، يريد منذ أسابيع "المغادرة"، لكنه امتنع من تقديم استقالته.
- مؤخراً، قال لي ضابط لا علاقة له بالإخفاق: "من يقدّم استقالته في ذكرى قيام الدولة ويغادر في يوم ذكرى العائلات الثكلى، يقوم بالخطوة الصحيحة." بَيْدَ أن المشكلة هي أنه حتى الذين يعتقدون أن هذه هي الطريقة الصحيحة، لا يريدون أن يكونوا أول من يقدّموا استقالتهم ويحتلوا العناوين الأولى، وهنا شرح لي الضابط: "لن يتذكر أحد من هو الشخص الثاني الذي قدم استقالته"، وهو على حق، فالشخص الأول الذي سيستقيل سيحظى باهتمام نشرات الأخبار، وسيُحفر اسمه في الذاكرة الجماعية لدولة لإسرائيل، وسيفتح الباب أمام الآخرين. من المؤسف أنه في منظومة مليئة بالقادة الشجعان، لم يُعثر حتى الآن على شخص مستعد للقيام بهذه الخطوة.
- في شمال إسرائيل، غادر 80,000 من سكان المنطقة منازلهم في مطلع الحرب: 60,000 منهم يقطنون في فنادق على حساب الدولة، ونحو 20,000 "تدبّروا" أمرهم، وها قد مرّت 6 أشهر منذ ذلك الوقت والدولة فشلت في معالجة مشكلتهم. إن أحد الأخفاقات الكبيرة هي المحافظة على وحدة المجتمع، وفي عدد من الأماكن هذا ممكن، بينما هو في أماكن أُخرى، ككريات شمونة، مستحيل.
- في هذه الأثناء، نفد صبر 20,000 نازح، ولم تعد لديهم ثقة، وفضّلوا العودة إلى منازلهم. وعدد النازحين اليوم في الشمال هو 55,000 تقريباً، وهو لا يزال رقماً كبيراً، والمستوى السياسي والعسكري يريدان عودتهم، لكن مع ضمانة لأمنهم لسنوات طويلة، وهذا ممكن تحقيقه، لكن فقط باتفاق يمكن التوصل إليه عبْر حرب، أو اتفاق يحول دون الحاجة إليها.
- هذا ما نريده. إنهم يحاولون في الجيش الإسرائيلي فَهْمَ ما يريده حزب الله، فالعدو في الشمال يعرف جيداً سرديتنا، فهذه ليست الحرب الأولى التي يخوضها ضدنا؛ إذ بعد اغتيال المسؤولين الكبار في الحرس الثوري في دمشق (في هجوم نسبته مصادر غربية إلى إسرائيل)، يصدّع نصر الله رأسه في التفكير في كيفية الخروج من هذه الحرب بسلام. ولهذا السبب، تباهى بخطة الـ 100؛ مثلث متساوي الأضلاع من 100 كيلومتر من خط القتال، و100,000 إسرائيلي نازح، و100,000 مجند إسرائيلي في الحرب في الشمال.
- لا يهدف حزب الله إلى تدمير دولة إسرائيل، لكنه في العقود الأخيرة عزز قوته بواسطة إيران كي يصبح بطاقة ضمان لطهران. وطوال سنوات، جرى الربط بحبل غليظ بين إمكان الهجوم على إيران واندلاع حرب شاملة في الشمال؛ فبعد اللحظات الأولى من تدمير منشأة نووية، سيطلق نصر الله على إسرائيل عشرات الآلاف من صواريخه، وقد قال ذلك وخطط له وعرضه على الملأ كي تسمعه إسرائيل ولا تهاجم إيران.
- ولقد سمعت إسرائيل هذا، لكن السنوار قرر أن يغيّر الواقع، ويجر نصر الله إلى حربه. وقبل أسبوعَين، قال نصر الله إنه تعهد أمام الإيرانيين بعدم جرّهم إلى الحرب، وجاء هذا قبل أيام من اغتيال 7 ضباط إيرانيين في دمشق. وتلمح إسرائيل لحزب الله بأنها تعرف خطته جيداً، ولديها خططها، وهي لا تقل جودة عن خططه، بل وأفضل منها. ويبدو أن الرسالة وصلت، لكن السؤال هو "إلى متى؟"